رسالة من طفل فلسطيني إلى كل حي
<a href="mailto:[email protected]">imbadawood@yahoo.com</a>
شكراً لكم يا أيها الأحياء في كل مكان شكراً لكم، شكرا على ما تقدمونه لنا من وقت وما تبذلونه من جهد وأنتم تراقبون حصارنا، وتجويعنا، وعلى حرص بعضكم أن يقدم لنا هذا الدرس الجميل الذي يعلمنا الصبر، ويوعدنا على ألم الجوع ومرارة الحرمان، وقسوة الظروف، لقد كنا - ومازلنا - وعلى مرّ الأزمان نعاني ونعاني، فتارة نفقد الأب وتارة الأم وأخرى الأخ، وقد تُسجن الأخت، وفوق هذا وذاك قد نجد المعدات والآليات تدق بيتنا ليلاً لتأمرنا بإخلائه وإلا هدمته فوق رؤوسنا، فهذه هي حياتنا وهذا ما قدّره الله علينا على هذه الأرض الطاهرة التي فيها ثالث الحرمين الشريفين وقِبلة المسلمين الأولى، هذه الأرض التي كنا ومازلنا نحميها بأرواحنا ونقدم كل يوم الشهيد تلو الآخر من أجلها حتى ظننا أنها أرضنا وحدنا، وأن لا حق للمسلمين فيها، فنحن مذ نشأنا حُماتها ونحن المسؤولون عنها، فهي أمانة في أعناقنا إلى يوم القيامة.
شكراً لكم فقد كان اهتمام وجهود كثير منكم في متابعة العديد من المفاوضات المتتالية منذ 50 عاماً واضحاً ومقدراً، ونتائجه في هذا المجال مميزة لا ينكرها إلا جاحد، ومع كل ذلك بقي تحديد مصيرنا ومصير مستقبلنا بأيدي أعدائنا ورهن إشارتهم حرصا من بعضكم على سلامنا وسلامتنا ورفض بعضكم كل السبل التي تساعد على استقلالنا ودعم آخرون كل الوسائل التي تسهم في إبقائنا أسرى لدى المحتلين، وها أنتم تؤكدون هذا المصير اليوم من خلال اكتفاء كثير منكم بمتابعة ما يجري من حرمان لأبي وآلاف الموظفين من رواتبهم وسكوت آخرين على رفض تقديم المساعدات التي سبق أن كانت تقدم إليهم، ليس هذا فقط، بل إن خيركم قد شمل أيضا منع بعض الأحرار من المحسنين الذين تجرأوا وأعلنوا رغبتهم في تقديم يد المساعدة لنا، كل هذا لأننا استجبنا لنداء نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير وفي التفاعل مع الانتخابات التي تمت تحت رعايتكم وبمراقبتكم، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، فاخترنا مَن يحكمنا وصوّتنا لهم بأسلوب عصري حديث علمتمونا إياه، وحرصتم على أن نطبقه في كل مجالات حياتنا، فكيف تعاقبونا على ما أمرتمونا باتباعه وتطبيقه؟
شكراً لكم يا أيها الأحياء فها هو أخي يبحث في المستشفى عن الدواء فلا يجده، وها هو أبي يبحث عن أجره منذ أشهر ولا يعلم متى سيتسلمه؟ وها هي أمي تسعى لإعداد الطعام فلا تجد من الطحين ما يكفي لإطعامنا؟ هل هذه هي نتيجة الديمقراطية وهل هذا الحصار وذلك التجويع هو تقديركم لنا لممارسة الانتخابات الحرة النزيهة التي يناضل بعضكم ليل نهار من أجلها ويحشدون الجيوش لها وتزهقون الأرواح في سبيلها، وتُملأ السجون ثمنا لها، فلماذا لم يقبلها كثير منكم اليوم وقد قبلها العالم أجمع؟
ومع كل ذلك فإنني أود أن أؤكد لكم أنني وكما عودتكم، فلن أخذلكم وسأصمد حتى النهاية فقد رضعت لبن التحدي وتربيت على صلف العيش ونشأت في بيت شعاره الكرامة وجدرانه الإباء وسقفه الاعتصام بالله واللجوء إليه دائما، فإن أغلقت أبواب الأرض فأبواب السماء مفتوحة وإن حرمنا الطعام فأشجار الزيتون موجودة، وما نمر به اليوم حدثني عنه أبي بأنه طبيعي، فنحن شعب حرٌ أبي وقد توالت علينا مثل هذه الظروف في السابق، خصوصا أيام الانتفاضة، فكان حافزا لنا لبذل المزيد من التضحيات التي تقوي عزائمنا وتشد من بأسنا.
أما أنتم أيها الأحياء فهنيئا لكم طيب الطعام وبارد الشراب ورغد العيش ووفرة المال ومتعة المشاهدة والاستمتاع بالفضائيات وما فيها من أفلام وبرامج، وإياكم أن تشاهدوا أخبارنا أو تقرأوها في الصحف فيصيبكم ألم أنتم في غنىً عنه، فإننا لا نرضى لكم الألم، لأن الألم وُلِد لنا، ولأننا عشنا معه وبه ولا غنى لنا عنه ففيه عزتنا وبه نصرنا ومنه نستمد قوتنا التي تجعلنا أحرارا في هذه الأرض.