التعديل الوزاري القادم ما بين خطة التنمية الثامنة والقطاع الخاص
<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
قبل صدور أنظمة الحكم الثلاثة سجل التاريخ لنظام الحكم السعودي تشكيلاً وزارياً في عهد الملوك سعود وفيصل، وخالد، وفهد - رحمهم الله - حينما بايعتهم الأمة ملوكاً، ومن هنا ترسخت صورة ذهنية لدى المراقبين عن السعودية، أن عهد الملك جديد... تعني وزارة جديدة أو تعديلا وزاريا على أقل تقدير!
ومنذ أن بايعت الأمة السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بات الجو مترقباً لوزارة جديدة أو حتى تغيير وزاري طفيف، وأصبح حديث التعديل تتناوله مجالس النخبة في المجتمع، أما باقي المجتمع فهم ينتظرون ماذا يحمل الملك عبد الله بن عبد العزيز في "أجندته الإصلاحية" المقبلة.
وإذا ما تجاوزنا تلك الخلفية التاريخية عن علاقة "العهد الجديد" بـ "التغيير الوزاري"، فإنه ليس سراًً أن "الحكومة" في بلد مثل السعودية لطالما هي الركيزة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي دوما تمارس دوراً في توليد القيمة التي تنمي الناتج المحلي الإجمالي، وبالإضافة إلى تلك الوظيفية فهي - أي الحكومة- الجهاز التنفيذي وذراع الدولة في ترجمة تطلعات الدولة إلى سياسات ومن سياسات إلى استراتيجيات ثم خطط وأهداف. أن "الحكومات السعودية" السابقة، ضمت أمراء ووزراء ومسؤولين بذلوا لبلادهم ووطنهم لتحقيق وتنفيذ البرنامج التنموي، وما يعني أن أي "حكومة جديدة"، هي استمرارية لنهج وسياسة ثابتة، وإن اختلفت فيها التفاصيل.
وبعيداً عن "التخمينات" التي تقود في كثير من الأحيان إلى "تنظير" أو "جدل"، فإن أي " وزارة جديدة " في عهد الملك عبد الله ستكون مسؤولة عن تنفيذ خطة التنمية الثامنة (2005 - 2009م) التي بدأ تطبيقها، تزامناً مع العقد الخامس من عمر الاقتصاد السعودي في عصر العولمة والمنافسة والانضمام إلى منظمة التجارة، ما يعني أخيراً أن أي نشاط اقتصادي للحكومة ينبغي أن يكون مبرراً من الناحية الاقتصادية مع عدم الإخلال بالطبع بالنواحي الاجتماعية من منطلق تحقيق الرفاهة للمجتمع.
وتشير خطة التنمية الثامنة إلى أن "تخصيص القطاع الحكومي" سيشهد في المرحلة المقبلة، تحركاً كبيراً ويكون القطاع الخاص مشاركاً رئيسياً في المرحلة المقبلة من مشوار التنمية هو التحدي (رقم واحد)، وهو بطبيعة الحال سيكون "تحدياً" للجميع كما وكيفا، لكي يؤدي القطاع الخاص دوره في جميع النشاطات التي كانت الدولة تدعمه من خلال مواردها وخزانتها.
تحدي المرحلة المقبلة أمام "الوزارة الجديدة" سيكون فعلياً، هو انتقال الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة من الواقع النظري والفكري إلى أرض الواقع. إضافة إلى أن الواقع الفكري قد استنفد وقته تقريباً، ولم تعد هناك حاجة لأن يدرك القطاع الخاص، بل والمجتمع أيضاً، إلا أن الوقت قد حان للانتقال من اقتصاد (الدعم) إلى اقتصاد المنشآت الاقتصادية وتنمية الموارد.
في خطة التنمية السابعة أشارت الحكومة صراحة إلى أنها تنوي إخراج القطاع الخاص إلى القطاعات الخدمية والإنتاجية إلى آفاق أرحب وأوسع، ويقول نص وثيقة الأساس الاستراتيجي الثالث (الاستمرار في سياسة فتح المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية والاجتماعية.. شريطة أن يترتب على ذلك منفعة حقيقية في تخفيض التكلفة، وحسن الأداء، وتشغيل المواطنين). إن مفهوم الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ليس صعبا، فالحكومة بيدها أن تجعل القطاع الخاص ينظر إلى جميع الأنشطة بأنها مشاريع اقتصادية وذات جدوى من خلال تسهيل جميع الإجراءات وسن القوانين وتقديم الحوافز، وهو ما نفتقده الآن بشدة، خاصة مع بعض الوزراء الحاليين وأنا لم أقل سرا؟ فيكفي أن تقرأ كل يوم الصحف اليومية لتعرف مَن هم.
إذن المطلوب في المرحلة المقبلة أن تكون رسالة الحكومة واضحة للقطاع الخاص, ومفادها أن الحكومة مارست من قبل البناء والتشغيل والتمويل وجاء الدور على القطاع الخاص ليتولى هذه المسؤولية، بل إن الأساس الاستراتيجي لخطة التنمية السادسة يوضح أن الدولة لن تمارس أي نشاط اقتصادي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص، ويقول نص وثيقة الخطة (الاستمرار في تبني سياسة فتح المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية في الدولة على أساس ألا تقوم الحكومة بأي نشاط اقتصادي يمكن أن يؤدى بواسطة القطاع الخاص).
لقد كشفت الحكومة السعودية منذ خطة التنمية الأولى عن نظرتها إلى القطاع الخاص وأدواره، ففي تلك الخطة وأناطت به تنفيذ مشاريع البنية التحتية خاصة في قطاع المقاولات الذي شهد نموا سريعا، حيث تولى تنفيذ مشاريع الأشغال العامة، مثل: الطرق وشبكات المياه والمجاري والشبكات الكهربائية. وبلغ متوسط النمو الفعلي للقطاع الخاص في تلك الفترة 9.6 في المائة، كما بلغت مساهمته في تكوين رأس المال الثابت 44.8 في المائة وفي الناتج المحلي 19 في المائة، وفي الناتج المحلي غير النفطي 5.7 في المائة. وهو حاليا يقود دفة الاستثمار فهو يضع ريالين مقابل كل ريال تضعه الحكومة في الأصول الثابتة وينتج حاليا نحو 200 مليار ريال سنويا.
وخلال أكثر من 35 عاما من عمر الاقتصاد السعودي الحقيقي، ونعني به ارتباطه بالخطط التنموية، تلقى القطاع الخاص دفعات قوية من الدولة، ومن الخطة الثانية وحتى السابعة، كانت هناك قفزات ومراحل وجب على ذلك القطاع تخطيها ليصل إلى المرحلة الأخيرة, وهي الشراكة.
دور عظيم للدولة في الخطط التنموية السابقة من خلال الدعم والإعانات الحكومية (المباشرة وغير المباشرة) في التعجيل بنمو القطاع الخاص خلال المراحل المبكرة للمسيرة التنموية، إلا أن الأوضاع الراهنة للقطاع الخاص تشير إلى إمكان اعتماده على قدراته الذاتية دون الدعم والإعانات الحكومية. فقد أوضحت نتائج مسح مؤسسات القطاع الخاص أن التمويل الحكومي للقطاع الخاص أصبح يشكل أقل من 5 في المائة من إجمالي تمويل الاستثمارات في القطاع , وأن حصيلة إيرادات التعامل مع الوزارات والجهات الحكومية أسهمت بنسبة 13 في المائة فقط من إجمالي إيرادات القطاع الخاص، بالمقارنة بما يزيد على ثلث الإيرادات الكلية قبل عقدٍ من الزمان. ويقوم القطاع الخاص بتسويق ما يزيد على 80 في المائة من منتجاته في الوقت الحاضر في السوق المحلية لجهات غير حكومية، ما أدى إلى تقليص اعتماده على الإعانات الحكومية، واكتسابه المقدرة على التعامل بمرونة وكفاءة مع الإنفاق الحكومي.
والواقع أن القطاع الخاص السعودي مثله مثل نظرائه في الدول الأخرى له متطلبات عديدة بل ومصيرية, وأولى هذه القضايا هي (الربحية) كقضية مصيرية بالنسبة له، وهو ما يعني أننا قد نشهد ترددا كبيرا منه في المضي نحو القطاعات غير المربحة أو لنقل تلك القطاعات غير الواضحة وتحتاج إلى ضمانات مثل قطاعات الصحة والنقل والتأمين .
إن دخول (الربحية) كمتطلب أساسي في الشراكة يعني أن الحكومة قد تنظر إلى ذلك الأمر بأنه يحمل عنصر مخاطرة، فربحية القطاع الخاص يمكن أن تحدث خللا في آلية التسعير إذ لا يزال هناك دعم في بعض الأنشطة، وهذه السياسة في العرف الاقتصادي تسبب ضعفا في قدرة هيكل الأسعار وتقلل من فعاليتها وكفاءتها وتضعها في غير إطارها الحقيقي، بما يمكن أن تُصاب الآلية بالتشوّه وتصبح مؤشرات السوق غير قادرة على توجيه عملية توزيع الموارد بشكل سليم.
ختاما إن في أذهان الكثيرين أن المسألة تتطلب أيضا النظر بأهمية إلى عامل الاحتكار كعنصر سلبي خاصة في المجالات التي لا تسمح بوجود أكثر من شركة في السوق الواحدة، وبالتالي تبرز مشكلة الاحتكار التي يتبعها ارتفاع الأسعار وعدم الكفاءة، وعادة ما يدفع المستهلك قيمة ذلك، ويساعد على عدم تفشي هذه الظاهرة تعزيز القدرة التنافسية في القطاعات المختلفة.