كيف نحقق تنمية متوازنة بين أقاليم المملكة؟
<a href="mailto:[email protected]">fahedalajmi@saudi.net.sa</a>
يعجبني تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في حديثه الصحافي الذي كان عقب انعقاد المؤتمر العربي، حيث قال إننا نريد أعمالا وإنجازات حقيقية فقد انتهى عصر البروتوكولات والمجاملات, كما يعجبني ما ذكره سفير المملكة في واشنطن الأمير تركي الفيصل في حديثه في إحدى الجامعات الأمريكية أن الرئيس الأمريكي (روزفلت) رأى الرئيس البريطاني (تشرشل) وهو لا يرتدي ملابسه فسأله لماذا هذا فقال له تشرشل إنه لا يوجد بيننا خفايا وأن كل الأمور على المكشوف, فمن هذا المنطلق لم تعد هناك أسرار أو خفايا عندما تكون القرارات متعلقة بمستقبل اقتصادنا ومجتمعنا من أجل توظيف الموارد الاقتصادية والبشرية لخدمة هذا الوطن الغالي على الجميع. إن قادتنا المتربعين على قمة الهرم يدركون جيدا أن المتغيرات والمستجدات قد فرضت نفسها على الصعيد الداخلي والخارجي شئنا أو أبينا, وأنه لا بد أن نتعامل معها بكل مصداقية وجدية حتى لا نصطدم مع تيارات تلك التغيرات الجارفة بدلا من أن نقودها إلى كل ما يخدم أمن واستقرار هذا الوطن ويخدم مصلحته العامة. هكذا أصبحت السعودية عازمة وحاسمة في قراراتها على مواكبة تلك التغيرات السريعة ومواجهتها بإدراج الكثير من الأعمال الإصلاحية المستمرة وتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بين أقاليمها في ظل التزايد السكاني وزيادة الطلب على الوظائف والخدمات بجميع أنواعها, وهذا ما أكده خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى في 3/3/1427هـ بأن تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المتوازن بين مناطق المملكة قرار استراتيجي حتى لا تنمو منطقة ما على حساب المنطقة الأخرى ويشجع على هجرة السكان من مناطق النمو المتدنية إلى المناطق ذات التنمية المتصاعدة بحثا وراء فرصة استثمارية مغرية أو عمل أفضل مما هو متاح لهم في مناطقهم, ما يجسد سعة الفجوة التنموية بين المناطق من جهة وداخل كل منطقة من جهة أخرى, وهو مؤشر مهم يعبر عن سوء معدل توزيع الخدمات في إطار التنمية الشاملة في تلك المناطق. إن تحقيق الرؤية الاقتصادية المتوازنة تتم من خلال استراتيجية واضحة يتم تنفيذها على أرض الواقع وفي أسرع فترة زمنية ممكنة وترتبط بمتابعة دقيقة تعتمد في حساباتها على ما تم إنجازه من أعمال أدت إلى زيادة معدل النمو في تلك المناطق من مدن وقرى وأرياف حرمت لسنوات طويلة من غيث التنمية الاقتصادية التي تسعد أبناءها وتنقذ عاداتها وتقاليدها من الضياع لصالح المدن ذات النمو المرتفع والتي عانت من الآثار الجانبية للازدحام المروري والتلوث البيئي وارتفاع معدل الجريمة نتيجة لمعدل الهجرة والإحباط الذي يقتل طموحات هؤلاء المهاجرين. فعلى وزارة الاقتصاد والتخطيط أن تمتثل لكل ما ورد في خطاب خادم الشريفين بعد أن مضى على تاريخ الخطط الخمسية أكثر من 35 عاما (1970- 2006) وما زلنا نتحدث عن عدم تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ما يتناقض مع كل ما ورد في الخطط الخمسية نفسها وذلك في بلد غني لا تنقصه الموارد المالية وإنما ينقصه تفعيل الخطط التي تعتبر حبرا على ورق كما هو معروف عن تلك الخطط في الدول النامية. إن السعودية الآن أغنى بكثير عما هي عليه مع الطفرة الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد السعودي في ظل تنامي أسعار النفط وتجاوزها حاجز 60 دولارا للبرميل في الربع الأول من هذا العام وما زالت مستمرة في ارتفاعها, فمن المتوقع أن يكون الفائض في الدخل 263 مليار ريال, بعد أن بلغ الفائض الفعلي في ميزانية عام 2005م 317 مليار ريال. إن ذلك الدخل المتراكم قادر على أن يمول برامج خطط التنمية الاقتصادية بصيغتها المتوازنة, فكفى ما مضى فلا يمكن أن تبقى وزارة الاقتصاد والتخطيط بجميع مواردها في دعمها الاقتصادي غير المتوازن بين الأقاليم حيث تخفق في دعم المناطق التي هي في أمس الحاجة إلى تلك التنمية وتستمر في دعمها للمناطق الأكثر نموا مثل المدن التي تعج بالمراكز الحكومية والخاصة ولها القدرة على جذب الاستثمارات وتتمركز فيها أبرز الجامعات السعودية. فإذا كانت هذه الوزارة تريد أن تلعب دورا مهما وشفافا في تنمية المناطق الأخرى التي دعا خادم الحرمين الشريفين إلى تنميتها فعليها أن تكشف عن خططها إن وجدت لنعرف الآلية التي تؤدي إلى تقليص الفجوة التنموية بين تلك المناطق طبقا لنظريات النمو الاقتصادي في الأقاليم والتخطيط السليم الذي يتم من خلاله تحديد المشاكل القائمة في الأقاليم والحاجات الضرورية وتقييم قدراتها الاقتصادية والبشرية ومدى قدرتها على جذب الاستثمارات الخاصة, عندئذ يتم وضع الاستراتيجيات والاختيارات التي تؤدي إلى تنمية تلك الأقاليم في المدى القريب والبعيد. وعادة ما تكون تلك المشاكل ناتجة عن ضعف البنية التحتية لتلك الأقاليم من مواصلات وخدمات ضرورية وغياب الاستثمارات الحكومية والخاصة التي طالما ارتبطت بنمو مدن معينة. فبعد أن يتم توفير المواصلات الجيدة والخدمات أولا يأتي دور توزيع الأنشطة الحكومية من مراكز خدمية وصحية وتعليمية مثل إقامة جامعات متقدمة ومتخصصة في الزراعة أو الصناعة أو السياحة في تلك المناطق, كل حسب قدراته وكذلك القواعد العسكرية وفروع مراكز البحوث العلمية, وتوزيع الأنشطة السياحية من إقامة فنادق سياحية حتى إلى نزهة نهاية الأسبوع بأسعار مغرية ووسائل ترفيه جذابة لا يتوافر مثيلها في المدن الرئيسية. هكذا تكون تلك الأنشطة الحكومية محركا اقتصاديا يترتب عليها توزيع الأنشطة الخاصة المرتبطة بها من مراكز تسويقية وخدمات بنكية ومصانع كبيرة إما لرخص الأراضي أو لمجانيتها أو لتوافر العمالة. إن تحقيق تلك الاستراتيجية المتوازنة بين المناطق يتم عن طريق الإنفاق الحكومي وخلق فرص استثمارية وتوظيف شبابها وتعزيز قدراتها الاقتصادية لتصبح قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة.
وكما ذكرت في مقدمة الموضوع فإن الأمور مكشوفة فليس هناك خفايا بيننا بعد اليوم فلم تعد الصحافة مقيدة وكذلك رأي المواطن, فهل تعي وزارة الاقتصاد والتخطيط ذلك بأن كل شيء أصبح مكشوفا وأن توفير جميع المعلومات الاقتصادية إلى آخر فترة زمنية ممكنة نحتاج إليها لتقييم الخطط الاقتصادية والتنبؤ بالمستقبل في المدى القريب والبعيد طبقا للمعلومات الفعلية وذلك على موقعها الإلكتروني وفي منشورات سنوية وشهرية وأسبوعية. لقد سئمنا من (كلمة كل شيء موجود هل طلبت منا), إن المعلومات العامة لا بد من نشرها وبكل دقة فهناك الباحث والمستثمر الذي يحتاج إلى تلك المعلومات مباشرة ودون مساءلة وعلينا أن ندرك أهمية عامل الوقت.