"أرجوكم: نظمـوا المهنة"
<a href="mailto:[email protected]">hnc@hnccom.com</a>
نبهني أنجب طلبتي الأستاذ عبد العزيز النويصر إلى موضوع مهم في رسالة يقول فيها:
رغم بديهية الحاجة إلى المعايير المهنية في كل مهنة مرموقة، إلا أننا نجد أن مهنة الاستشارات المالية والتحليل المالي لا تحكمها معايير مهنية مؤطرة وواضحة رغم أهمية هذه المهنة وأثرها الكبير على قرارات مالية غاية في الحساسية قد يترتب عليها إنشاء أو تحويل أو اندماج منشآت اقتصادية ونحو ذلك من القرارات. كما لا يقتصر أثر مخرجات هذه المهنة على رجال الأعمال واستثماراتهم فحسب، بل يمتد ذلك الأثر في كثير من الأحيان إلى الناس والمجتمع والاقتصاد القومي ككل. ولنأخذ على سبيل المثال الشركات التي تطرح للاكتتاب العام بعلاوة إصدار بعد إعادة تقييمها من قبل مستشارين ماليين. ربما لا يعلم كثير من الناس أنه لا توجد معايير مهنية واضحة ومحددة تحكم عملية تقييم هذه الشركات سوى بعض النماذج والطرق الرياضية والإحصائية والمحاسبية والتي تتأثر مخرجاتها بشكل حاسم بالمدخلات التي يتم وضعها والتي تعتمد بشكل كبير على الحكم الشخصي وليس على أسس موضوعية. ومن أمثلة ذلك نموذج التدفقات النقدية المخصومة DCF والذي يعتمد في حسابه على تقدير للتدفقات النقدية المستقبلية للمنشأة وعلى اختيار معدل خصم مناسب، والذي يحتاج بدوره إلى تقدير لمعامل المخاطرة Beta ومعدل العائد على السوق Rm ومعدل العائد الخالي من المخاطر Rf وغير ذلك من العناصر. فما الذي يحكم مثلاً عملية إعداد التنبؤات المستقبلية للتدفقات النقدية سوى اجتهادات المستشار أو المحلل المالي. صحيح أنه قد يجد مبررات منطقية ومقنعة لاجتهاده بناء على المعلومات المتاحة لديه، ولكن مهما بلغت خبرة وقدرة وحيادية المستشار فإن اختياراته في النهاية لن تخرج عن كونها مبنية على اجتهادات فردية لا على معايير مهنية تحكم عمله وعمل زملائه في المهنة. ونتيجة لذلك فقد يصل غيره من المستشارين أو المحللين بمبررات منطقية ومقنعة أخرى إلى نتائج مختلفة بشكل جوهري عن النتائج التي يتوصل لها المستشار أو المحلل الأول، ولن يستطيع أحد أن يجزم بصاحب النتائج الأكثر عدالة لأنه لا يوجد مرجع مهني لذلك. أنا أدرك بالطبع أن هناك قدراً من الاختلافات المقبولة في كل مهنة ولكن حتى المرونة والاختلافات يجب أن تكون مقننة ولها حدود تميز بين المقبول منها وغير المقبول. إن الأمثلة في هذا المقام كثيرة ومتشعبة وتمتد إلى كثير من خدمات الاستشارات المالية والتحليل المالي غير أن المقام هنا لا يتسع لسردها.
إن أهمية وحساسية القرارات التي تتخذ بناء على نتائج التحليل المالي وأثرها الكبير على المجتمع والاقتصاد ككل يؤكد الحاجة الملحة والماسة إلى إيجاد معايير مالية مقبولة بشكل عام (ولنسمها مثلا GAFP أو GAFS) بدلاً من ترك الأمر لاجتهادات فردية محضة. وأعتقد أنه لا بد أن تتبنى جهة رسمية ذات علاقة إصدار مثل هذه المعايير وفرض تطبيقها. ولا بأس أن تكون هذه المعايير في البداية على شكل إرشادات وخطوط عريضة غير ملزمة إلى أن يتم اختبارها وتعديلها ونضجها وتوافر الآلية اللازمة للتحقق من الالتزام بها. ولا أرى حالياً أحق من هيئة سوق المال في تبني إصدار مثل هذه المعايير إلى أن تقوم في المستقبل إن شاء الله هيئة سعودية للمستشارين والمحللين الماليين أسوة بالهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين مثلاً. إن الطموح الحقيقي أن يتم إنشاء مثل هذه الهيئة لتقوم بتنظيم مهنة الاستشارات المالية والإدارية ومهنة التحليل المالي بكل ما يتضمنه التنظيم المهني من أبعاد، بما في ذلك إصدار المعايير وقواعد سلوك وآداب المهنة وتنظيم اختبارات الزمالة ومراقبة جودة الأداء المهني ونحو ذلك. وحتى وإن كانت هذه التجربة غير منتشرة على المستوى الدولي فما المانع من أن تكون المملكة أحد الرواد في هذا المجال ولماذا الانتظار إلى تحرك الغير حتى نتبعهم. قد يكون هذا حلماً كبيراً ولكن لم لا نحلم ونحن لدينا ولله الحمد كفاءات متميزة تستطيع تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس. لا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة شاملة وعميقة لجميع جوانبه الإيجابية والسلبية قبل اتخاذ قرار به، ولكني أعتقد أن الأمر يستحق هذه الدراسة، أو على الأقل البدء بفتح حوار ولو على صفحات الجرائد بين المهتمين في هذا المجال لإبداء وجهة نظرهم المؤيدة أو المعارضة.
وإذ أشكره على الرسالة التي تنم عن عمق في التحليل, ولكن حسب معرفتي أن هناك جهودا تبذل في هذا الاتجاه والله أعلم.