المالية والسياحة وقرود الإنتركونتننتال

<a href="mailto:[email protected]">alkhedheiri@hotmail.com</a>

وقفت أتأمل حال فندق الإنتركونتننتال في جبال السودة الشامخة في منطقة عسير وأبوابه مغلقة رافضة أي زائر له خارج موسم الصيف القصير. كانت الوقفة طويلة بصحبة صديق عزيز نتأمل سوياً هذا المشهد المحزن لهذا الصرح السياحي الجميل والمكلف وكيف أن أبوابه مغلقة ولا حياة فيه، والحياة هنا المقصودة هي البشر الذين بُني هذا الفندق العملاق لهم، لأن في مشهد الحزن هذا مشهد مضحك وذلك لوجود أكثر من 500 قرد تصول وتجول في ساحات الفندق ومواقف السيارات والأسوار المحيطة به، وربما داخله.
المشهد لا يخلو من تحد واضح وسؤال مستغرب للعديد من القردة المتواجدة، التحدي في أن يتجرأ أيٌ منا على النزول من السيارة التي نركبها، والسؤال: ماذا نعمل نحن البشر في هذه الساحة خصوصا وأن الجو ربيعي والضباب يغطي الغابات المحيطة بنا بشكل لا يختلف كثيرا عن الخيال الرومانسي لطبيعة الجو الخلاب الذي يحاول أن يصور لنا ونحن أطفال من خلال أفلام الكرتون، وكيف أن الشجرة العملاقة تدخل في السحاب لتعمل امتزاجا معه وفي أعلى الشجرة بيت العملاق الساكن فيها؟
لقد سألت صاحبي بهدوء حتى لا نزعج سكان الساحات المحيطـة بالفندق من القرود: هل يعقل أن ينتهي هذا المشروع العملاق بهذا الشكل المحزن؟ لقد تحدثنا كثيرا وبحرقة عن الفجوة غير الطبيعية بين ما نأمله ونرجوه وبين ما يراد لنا من تنمية، ثم أخذنا الحديث عن المناطق المشابهة لمثل هذا الموقع وكيف أن العديد من الدول تحول القصور القديمة في تلك المواقع إلى فنادق لجذب السياح في مختلف فصول السنة، وتذكرنا المواقع الجبلية التي تقع بين ألمانيا والنمسا والعديد من الدول الأوربية، وكيف تعاملت مع تلك المواقع، وكيف أن القصور القديمة الواقعة في منطقة بادن بادن أو البلاك فورست تحولت إلى منتجعات سياحية صيفية وشتوية، ربيعية وخريفية، وكيف أن غرفة صغيرة في تلك القصور يتم حجزها على مدار العام، وصف مثل تلك المشاريع والطموح في استثمارها واستثمار الطبيعة المحيطة بها أرجعتنا لواقعنا التنموي خصوصا في مجال السياحة وكيف أن الله قد وهب هذه المنطقة من الجمال ما لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وكيف أن الحكومة لم تبخل في إنشاء مثل هذا الصرح الفندقي الجميل ثم كيف حال به الحال نتيجة العديد من الأسباب ولعل البيروقراطية الحكومية أحدها وإلا كيف يعقل أن يكون مثل هذا الموقع الجميل والفندق الفخم مرتعا للقرود.
لقد كان السؤال المحير لنا هو من المسؤول عن مثل هذا الإهمال؟ وكيف لا يمكن لنا أن نستثمر مثل هذا الموقع ونضع البرامج السياحية الشتوية القادرة على استغلاله ودعم اقتصاديات المنطقة من خلاله؟ السؤال صعب والمتسبب أيضا! ذلك المجهول المرموز له بهم أو هم.
إن دور هيئة السياحة أو المفروض هو استغلال مثل هذه المواقع المصروف عليها ملايين الريالات، خصوصا مع دعوتها المستمرة للسياحة المحلية والترابط الأسري واستغلال أيام الخميس والجمع والإجازات القصيرة وسعيها أيضا إلى إعادة توزيع الإجازات بشكل يساعد أفراد المجتمع على السفر، ويساهم بشكل رئيسي في تخفيف حدة الموسم وعدد أيام الإجازات وفتراتها، بحيث تعطى الفرصة للمجتمع السعودي والعاملين فيه من غير أهله بالانتقال بين المدن والمناطق للتعرف عليها واكتشافها وتوسيع الأفق المعرفي للطلاب والطالبات لمعرفة وطنهم ومناطقهم وزيارتها، ولذا فإن استغلال مثل هذا الموقع والدفع بالزيارات لها وإيجاد الأنشطة الطلابية والكشفية والزيارات للشركات والمؤسسات وبعض العاملين في المملكة لزيارته وفقاً لبرنامج سياحي يعمل لهذا الغرض سوف يساعد على استثماره الاستثمار الأمثل والاستفادة من المنشآت الحيوية الموجودة فيه.
ووزارة المالية بحكم مسؤوليتها المباشرة عن مثل هذا الفندق يجب أن تعمل على حسن استثماره واستغلاله وكذلك المواقع المشابهة، مع علمي أن وزارة المالية هي وزارة خزانة لا وزارة استثمار أو إدارة استثمار، ولكن ربما وجود مثل هذه المشاريع يدفعها إلى سرعة الاستفادة منها خصوصا وكما نعرف جميعا أن إقفال مثل هذه المنشآت سيؤدي إلى تصدعها وعدم صلاحيتها للاستعمال في المستقبل.
حقيقة أنا لم أحصل من وزارة المالية على المعلومة التي توضح أسباب عدم استثمار واستغلال الفندق على مدار العام، وأيضا سبب إغلاقه خلال هذه الفترة، وربما أجتهد وأقول إنهم لم يجدوا المستثمر القادر على استثمار الفندق لأسباب عديدة، ولكن مهما كانت الأسباب فيجب عدم ترك فندق بهذا الحجم والاستثمار مغلقا. ربما أن الفندق لا يعني استثماره الكثير لوزارة المالية لانشغالها بما هو أهم من فندق في جبال السودة، ولكن بالنسبة للمنطقة فهو من مصادر الاستثمار والرزق للعاملين فيه وحوله ومعه من مختلف الأنشطة المرتبطة بالخدمات الفندقية. آمل أن تزول أسباب إغلاق الفندق مهما كانت، وأن نرى الحياة الإنسانية تعج فيه مرة أخرى.
إن فندق الإنتركونتننتال في السودة هو فندق خمس نجوم أو أكثر لمن لا يعرفه، مبني على مساحة شاسعة، يحتوي العديد من الغرف والأجنحة عن الفاخرة، كما يوجد فيه قاعات للمؤتمرات، القاعة الرئيسية فيه تستوعب أكثر من ثلاثة آلاف شخص، كما يوجد فيه قاعة للزواج والاحتفالات، إضافة إلى ارتباط العديد من الفلل الفندقية الفخمة به.
حقيقة إن منظر الفندق والغزو القرودي له آلمني كثيرا وجعلني أتساءل كثيرا: أين الخلل في قراراتنا وكيف أننا نتقاتل في سبيل بناء صرح سياحي متطور وفقاً لمتطلبات التنمية وفي الوقت نفسه نهدر مثل هذا الإنجاز التنموي لأسباب ربما أعود إليها في المستقبل؟
ولعلني مع ما في نفسي من ألم وحرقة على ما رأيت من حال الفندق أن أصدقكم القول إنني وصاحبي لم نتجرأ أن نسأل القرود: هل يوجد أحد منها قد احتل الفندق وغرفه وأجنحته أم اقتصر دورها وحالما على احتلال الساحات والمواقف؟ لقد اجتمعت فينا ثلاث حالات في حالة واحدة: حزن مبكي من حال الفندق، وضحك يبكي من حال التنمية السياحية، وخوف يبكي من هجوم القرود علينا لمجرد محاولتنا تقصي الحقائق والبحث عن الأسباب أو حتى كتابة المقال، وآمل ألا تبلغ قرود السودة أو أصحابها في الضباب والجرة عن هذا المقال فيحدث لي ّولصاحبي ما لا تحمد عقباه.

وقفة تأمل:

"عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله علية وسلام، قال (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد منه ريحا خبيثة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي