حوكمة الشركات. .. ثقافة إدارية وممارسة أخلاقية قبل أن تكون لائحة تنفيذية

<p><a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a></p>
أعلنت هيئة سوق المال قبل أيام عن مشروع لائحة حوكمة الشركات وذكرت في إعلانها أن اللائحة استرشادية وطلبت من جميع الشركات الإفصاح في تقرير مجلس الإدارة عما تم تطبيقه منها وما لم يتم تطبيقه والأسباب التي حالت دون ذلك. وقبل أن أتطرق إلى موضوع الحوكمة أو ما يطلق عليها بعض المهنيين لدينا الإجراءات الحاكمة للشركات, أود أن أثني على جهود الهيئة المتمثلة في سعيها الدؤوب لتنظيم وترتيب أوضاع السوق ولعل اللوائح التي أصدرتها منذ إنشائها دليل على ذلك، والحق يقال إنها استطاعت في فترة زمنية قصيرة أن تقطع مراحل متقدمة في هذا الشأن.
أعود إلى موضوع حوكمة الشركات لأقول إنها ترتبط في أذهان كثير من الناس بالإجراءات التي ينبغي على مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية القيام بها أو مراعاتها من أجل الحفاظ على مصالح حملة الأسهم والأطراف ذوات العلاقة بالشركة الحاليين أو المستقبليين مثل الموردين والمقرضين والجهات الحكومية ذات العلاقة وغيرهم. وهذا في اعتقادي فهم ناقص لأن مفهوم الحوكمة لا يمكن تطبيقه بمعزل عن عناصر أخرى تتداخل معه لا يمكن للإجراءات الحاكمة للشركات أن تحكمها أو تؤثر فيها إيجابا. واٌقصد بذلك عنصرين مهمين أولهما الثقافة الإدارية المتراكمة حول مفهوم الحوكمة وأهميتها لدى أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية العليا وكذلك أهدافها وطرق تطبيقها والأهم من كل ذلك القناعة بها و بمشروعيتها في عقولهم الباطنة. وهذا ما ينعكس على تطبيقهم لها أو الالتفاف على أحكامها، فبدون ذلك لا يمكن لأي إجراءات حاكمة منشورة أن تحقق أهدافا ذات قيمة دون توافر ثقافة إدارية كافية حولها لدى أعضاء مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية العليا. أما العنصر الثاني فيتمثل في الجانب الأخلاقي للأشخاص أنفسهم, وأعني بهم أعضاء مجالس الإدارة كبار التنفيذيين في الشركة. وهذا العنصر هو الأهم والأخطر أيضا لأن الاقتناع بمبادئ الحوكمة ومتطلباتها التي تطرقت إليها في العنصر السابق لا يفيد إذا كان أيا منهم يضمر سوء النية أو أن أخلاقياته تجيز له تسريب المعلومات المهمة قبل صدورها أو الاستفادة منها أو استغلال أصول الشركة بشكل يتعارض مع مصالح الشركة أو يهون و يقلل من أهمية أي إجراء حاكم لتصرفاته من أجل تمرير عقود أو صفقات له مصالح فيها.
من هنا يبدو لي أن تطبيق مفهوم الحوكمة في الشركات يتطلب توافر ثلاثة عناصر مهمة الأول يتمثل في التشريع وهو ما قامت به الهيئة عندما أعلنت عن لائحة حوكمة الشركات والثاني يتعلق بتوفر مستوى كاف من الثقافة الإدارية حول مفهوم الحوكمة ومتطلباتها وأهميتها لدى أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية العليا، أما العنصر الأخير فهو الجانب الأخلاقي وهو الأخطر كما ذكرت.
وحول العنصر الأول, فإن مشروع لائحة الهيئة الذي تم نشره على موقعها يحتاج إلى تطوير وربما ورش عمل يشارك فيها عدد من المختصين لأنه تطرق بإسهاب جيد إلى المصالح المتعارضة وإلى حقوق المساهمين إلا أنه لم يتطرق بصراحة ووضوح لمتطلبات الإفصاح والشفافية بشكل كامل وهي التي نعاني من فقدانها اليوم في سوق المال. ومعظم الشركات تعتقد أنها تفي بتلك المتطلبات عندما تقوم بنشر البيانات المالية السنوية والفصلية في الفترة النظامية وهذا فهم خاطئ لأن الإفصاح والشفافية يرتبطان بنشر بيانات إضافية حول مشاريع الشركة وخططها المستقبلية و توقعاتها لنتائجها المالية الإجمالية أو التفصيلية كما يشمل أيضا أية نوايا أو توجهات لدى الإدارة تؤثر في قيمة السهم مثل الاندماجات ورفع رأس المال أو خفضه أو التوسعات وهذا لا تطبقه معظم الشركات المدرجة في السوق. وأيضا لم تتطرق اللائحة إلى موقف الهيئة من البيانات المغلوطة التي ربما تنشرها بعض الشركات مثل أن تقوم شركة ما بنفي خبر عن رفع رأسمالها وبعد فترة وجيزة تعلن عكسه، أو أن تثبت استفادة أحد أعضاء مجلس الإدارة أو كبار التنفيذيين من معلومات داخلية مهمة قبل نشرها وربما أن ذلك يدخل ضمن باب يفترض أن يضاف إلى اللائحة وأعني به العقوبات على مخالفي أحكام اللائحة.
أما العنصر الثاني فهو هين لين كما يقال لأنه يتعلق بجرعة معلومات أساسية حول مفهوم الحوكمة ومبادئها وما يشمل ذلك من حقوق للمساهمين. وهذا يمكن تحقيقه عن طريق عقد ندوات وورش عمل متخصصة لأعضاء مجالس الإدارة وكبار التنفيذيين في الشركات خلال مدة زمنية محددة بعد حصرهم.
وأخيرا نصل إلى العنصر الأهم وهو الجانب الأخلاقي الذي لا يمكن لأي لائحة أن تحكمه ولا لأي جرعات ثقافية أن تغيره إذا ما تم فقدانه، وهذا ما تعاني منه معظم التشريعات التي لها علاقة بحوكمة الشركات, لذا أضحى تطبيقها أمرا نسبي لا يمكن قياسه بدقة، وهذا العنصر إذا لم تقومه النزعة الدينية لدى الفرد فلا علاج له سوى لائحة عقوبات شديدة ذات أحكام مغلظة لأي شخص يثبت أنه قام بتسريب معلومات جوهرية للغير أو استفاد منها أو استغل أصلا من أصول الشركة بطريقة غير نظامية وأن يترافق ذلك مع تشهير فالمثل يقول " من أمن العقوبة أساء الأدب".
أخلص إلى أن حوكمة الشركات تتطلب ثلاثة عناصر مهمة لتطبيقها على أرض الواقع الأول تشريعي والثاني ثقافي والأخير أخلاقي. والعنصران الأولان يمكن تحقيقهما على أرض الواقع, أما الأخير فينبغي أن يرتبط فقدانه بعقوبات شديدة وتشهير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي