القمة العربية والتحديات الإصلاحية
تنعقد القمة العربية العادية السابعة عشرة في الخرطوم يومي الثلاثاء والأربعاء (27-28 مارس 2006) وسط ترقب شعبي كبير. فمنذ دخولنا الألفية الثالثة بعام 2001 والأحداث العالمية لم تترك للعالم العربي أن يسترجع نفَسَه، والضغوط الداخلية لم تترك له أن يبقى لا مبالياً مكتفياً بتحقيق احتياجات النخبة المترفة. منذ ذاك عقدت ثلاث قمم، الأولى في بيروت، والثانية في تونس وها نحن نترقب الثالثة. ومع انعقاد كل قمة يبرز عدد من القضايا الملحة تضاف إلى القضايا القديمة الثابتة مع اختلاف الظروف الدولية والمحلية. واليوم تنعقد القمة وسط عدد من التحديات، أبرزها قضية دارفور التي تلف عمليات الإبادة المستمرة حتى الآن أجواء القمة المنعقدة في عقر دارها، أو عقر دار الدولة المسؤولة عن هذه القضية الإنسانية. وقتل عشرات الآلاف وطرد أكثر من مليونين من بيوتهم خلال القتال الدائر منذ ثلاثة أعوام في إقليم دارفور، وتحقق المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غرب السودان.
وتنعقد وقضايا الإصلاح ما زالت معلقة وما زالت الشعوب تتطلع إلى تفعيل لبرامجها وسط موجات التطرف المختلفة الأسباب التي تتربص بأي مكتسبات حققتها الشعوب العربية على مدى عقود الاتحاد أو الاستقلال عن الاستعمار. فملفات حقوق الإنسان وحقوق المرأة وقضايا البطالة والشباب والمعرفة والأمية ملحة ولا تتحمل الانتظار. ولعل عدم تفعيل إعلان تونس الذي صدر عن القمة الماضية في 2004 يعتبر أكبر التحديات نظراً لاحتوائه على عدد مهم من القضايا الشعبية المرتبطة بعدد من برامج الإصلاح في العالم العربي التي قادها المجتمع المدني وعبر عنها في عدد من الوثائق، وعلى رأسها "وثيقة الإسكندرية" الصادرة عن مؤتمر الإصلاح العربي (الإسكندرية/ مارس 2004) التي قدمت إلى القمة بمباركة الرئيس المصري، و"وثيقة الاستقلال الثاني" الصادرة عن المنتدى المدني الأول الموازي للقمة العربية (بيروت / مارس 2004) و"وثيقة أولويات وآليات الإصلاح في العالم العربي" الصادرة عن المؤتمر الإقليمي حول أولويات وآليات الإصلاح في العالم العربي (القاهرة يوليو 2004) وغيرها من الوثائق التي قادتها منظمات المجتمع المدني في العامين الماضيين في الرباط والمنامة والدوحة وصنعاء ودبلن ونيويورك.
وكانت أهم بنود إعلان تونس، الذي لم توقع عليه حتى اليوم إلا دولة واحدة، تأكيد الدول العربية عزمها الراسخ على "تعلقها بالمبادئ الإنسانية والقيم السامية لحقوق الإنسان في أبعادها الشاملة والمتكاملة وتمسكها بما جاء في مختلف العهود والمواثيق الدولية والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته قمّة تونس، وتعزيز حرية التعبير والفكر والمعتقد وضمان استقلال القضاء". وكما نرى فإن الدول العربية أمامها تحدي أن تبيّن لنا ما الخطوات التي اتخذتها لتعزيز حرية التعبير والفكر والمعتقد وقيم حقوق الإنسان. وكيف تعمل على ضمان استقلال القضاء، الذي يعتبر أحد أهم القضايا المرتبطة بتعليق مشروع المحكمة العربية. ويستمر الإعلان نحو عزم القادة على "مواصلة الإصلاح والتحديث في بلداننا مواكبة للمتغيرات العالمية المتسارعة من خلال تعزيز الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام، وتعزيز دور مكونات المجتمع المدني كافة بما فيها المنظمات غير الحكومية في بلورة معالم مجتمع الغد، وتوسيع مشاركة المرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية ودعم حقوقها ومكانتها في المجتمع ومواصلة النهوض بالأسرة والعناية بالشباب العربي". قضايا كثيرة تحتاج إلى متابعة جدية وتنفيذ.
إن القادة في ذلك الإعلان جسدوا كل مطالبات الشعوب العربية نحو مستقبل زاهر يحفه الرفاه والكرامة، ونأمل أن يكون توسيع المشاركة السياسية والعامة وتعزيز المجتمع المدني ومشاركة المرأة في كافة المجالات ودعم حقوقها وحقوق الشباب العربي جزءا من خطة العمل التي تعمل دولنا على تحقيقها قريباً. يحمل الإعلان كذلك "دعم برامج التنمية الشاملة وتكثيف الجهود الرامية إلى الارتقاء بالأنظمة التربوية ونشر المعرفة والتشجيع عليها والقضاء على الأمية، تأمينا لمستقبل أفضل لأجيال أمتنا القادم"، و"تكريس قيم التضامن والتكافل بين الدول العربية في إطار الاستراتيجية العربية لمكافحة الفقر التي اعتمدتها قمّة تونس، وتوظيف القدرات البشرية في البلدان العربية لدعم جهود التنمية بها والعمل على تأهيل اقتصاديات الدول الأقل نموّا في العالم العربي وتطوير برامجها التنموية".
أعتقد أننا لا نحتاج إلى أكثر من الوقوف عند إعلان تونس ونطالب قادتنا ودولنا بتحويله من إعلان على الورق إلى إعلان عملي يتفاعل معه كل فرد في المجتمع. وهو ما أكد عليه "المنتدى المدني الثاني الموازي للقمة العربية" الذي عقد في الرباط الشهر الماضي، في بيانه إلى القمة الذي أرسل إلى الجامعة العربية وسوف يعلن عنه في مؤتمرات صحفية تعقد متزامنة مع انعقاد القمة صباح الثلاثاء في كل من القاهرة، بيروت، الرباط، والمنامة. والذي يطالب فيه الدول العربية أن توقع على إعلان تونس وتلتزم بما جاء فيه كمرحلة أولى نحو النهوض بالبلاد العربية.
إن موضوع الإصلاح اليوم مازال هو أهم القضايا المعلقة نظراً لأنه على الرغم من الخطوات العديدة التي اتخذتها عدد من الدول العربية لتحديث مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أنها ما زالت خطوات بطيئة وصغيرة تحتاج إلى مزيد من الدفع والتقدم حتى تقف الدول وشعوبها عند نفس الدرجة من الطموح والتطلع إلى مستقبل حر كريم.