الشركات المدرجة .. عذر أقبح من ذنب

<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>كاتب اقتصادي
في مقالة سابقة وبعنوان "الشركات المدرجة سنة أولى إفصاح" تلمست العذر للشركات المدرجة لتهاونها في رفع درجة الإفصاح الحقيقي بما يؤصل لسوق مالية ناضجة، رغم ما نتج عن ذلك من تعزيز للشائعات كقاعدة يتخذ المتعاملون في السوق المالية قراراتهم الاستثمارية على أساسها، وما يترتب على ذلك من غش وتضليل يفرغ محافظ صغار المستثمرين من أموالها.
واليوم وبعد عودة السوق إلى سابق عهدها كما كانت قبل انهيار شباط (فبراير) تأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن بعض وأكاد أقول أغلب الشركات المساهمة المدرجة تتعمد إخفاء المعلومات عن العموم وتسريبها للبعض للاستفادة منها على حساب الأغلبية المقهورة، وهي في مسعاها هذا تتمترس وراء أعذار أقل ما يقال بحقها إنها "عذر أقبح من فعل"، نعم فإذا كانت قباحة الفعل المتمثلة بالظلم وانتفاء العدالة والتأصيل للشائعة كأساس لاتخاذ القرارات على حساب التحليل الفني والمالي، أقول إذا كانت تلك القباحة غير مقبولة، فإن القول بأعذار واهية أشد قبحا لأنها تؤصل لجعل الغموض بدلا من الشفافية سمة السوق السعودية.
يقول لي بعض المطلعين على الأمور إن الشركات المدرجة اشتكت من أن المطالبة المُلحة بأن تكون أكثر شفافية وخضوعاً للمساءلة والمحاسبة تعوقها بدلاً من أن ترشدها، وأن ذلك قد يؤدي إلى ضعف قدراتها الابتكارية إضافة للتفاوضية عند الإفصاح المبكر بما تفكر به من مشاريع وتوسعات، كما تدعي بعضها بأن تطبيق ممارسات التدقيق في الحسابات الداخلية يكلف المال إن لم يكن لدى الشركة مثل تلك الممارسات من قبل. إذ يتطلب التطبيق مزيداً من الموظفين ومزيداً من العمل - وأحياناً التعاقد مع أشخاص من خارج الشركة - لتحديد أفضل منهجية للامتثال للمبادئ التوجيهية الجديدة، وهذا بنظرهم مكلف ويحتاج لوقت طويل لتنفيذه.
وأقول وللأسف الشديد إننا نعاني من الشركات المدرجة من مشكلتين وكلتاهما تتعلقان بضعف أو انعدام الإدارة الأخلاقية التي تؤكدها مخططات الاستغلال الفاضحة التي يستخدمها المسؤولون في بعض "أو معظم" الشركات بهدف مصادرة موارد الشركة أو تجريد أصحاب المصلحة الآخرين في الشركة من تلك الموارد، وما نراه من خسائر لشركات تعلن عن عقود بمئات الملايين ليس عنا ببعيد.
المشكلة الأولى تتمثل بالإفصاح السلبي أو الإفصاح المبالغ فيه وهو استغلال الإفصاح كمتطلب ليصبح تكتيكا في تحقيق أعضاء مجلس الإدارة أرباحا خيالية على حساب صغار المستثمرين من خلال التزاوج غير الشرعي بين الإشاعة والخبر الجوهري وغير الجوهري، وهذا يشير إلى سوء نية واضح للصغير قبل الكبير، ومما يؤكد ظنوني ما سمعته عبر إحدى أشهر القنوات الفضائية التي تتميز بنقل أخبار السوق مباشرة من صالات الأسهم السعودية، حيث سألت المذيعة المراسل عن سبب تكرار إعلان إحدى الشركات لأكثر من مرة بصيغ متعددة، فأجابها بعفوية بالغة، لعل الشركة رغبت في دعم سعر سهمها الذي وصل للنسبة الدنيا حاليا!! وهنا تذكرت مقولة أحد الظرفاء بأن من يصيغ (وأحيانا ينشر) إعلانات الشركات هم مضاربوها بغرض رفع السهم وتعليق أكبر عدد من البشر بأسعار وأحلام خرافية.
والمشكلة الأخرى تتمثل بالإفصاح الناقص أو الإفصاح الغامض (إحدى الشركات تعلن خبرا ثم تردفه بآخر لتفسيره، إلا أن المحللين يعجزون عن فهمه) وهو نتيجة لضعف في مهنية الشركة في تحقيق الإفصاح السليم لضعف اهتمامها بهذه القضية لعدم إدراك القائمين عليها الآثار الخطيرة المترتبة على ذلك، وعدم إيمانهم بضرورة المعالجة السريعة لهذا الغموض برفع درجة الإفصاح المحقق للعدالة والمساواة بين المتعاملين جميعا لاعتقادهم أنها ستضعف قدراتهم التنافسية والتفاوضية وأنها ستكلف الشركة المزيد من التكاليف التي تقلل ربحيتها.
أما القائمون على الشركات التي تعاني من المشكلة الأولى فلا حل لهم إلا بتطبيق نظام صارم وحازم يقتص وأقول يقتص منهم "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" والقصاص المطلوب هنا هو سلب أموالهم كما سلبوا أموال الناس، نعم فإذا كان جزاء من سلب روح مسلم دون وجه حق أن تسلب روحه هو الآخر، فإن جزاء من يسلب أموال الناس أن تسلب أمواله، وهؤلاء الأفاكون هم أصحاب الأعذار القبيحة التي تتجاوز قبح أفعالهم بأكثر من سنة ضوئية، وعلى جميع الجهات الرقابية الحكومية مجتمعة أن تعمل على تعقبهم ومعاقبتهم رحمة بالوطن، فهم خلايا سرطانية قاتلة يجب استئصالها قبل أن تساهم في قتل المجتمع والوطن.
وأما القائمون على الشركات التي تعاني من المشكلة الأخرى فأقول لهم إنه إذا أردتم أن تبقى شركاتكم مدرجة في سوق الأسهم ويتم تداول أسهمها في السوق، عليكم أن تتقيدوا بقواعد الإفصاح الحقيقي وأن تبذلوا الجهود لتحقيق ذلك، وأن دعوة ارتفاع التكاليف أو انكشاف الخطط عذر أقبح من ذنب، فكلنا يعرف أن هذه التكاليف لن تزيد بشكل كبير يؤثر في ربحية الشركة، وأن تلك التكاليف ذات عوائد إيجابية على الشركة بما يساويها أضعافا مضاعفة، وأن الشفافية تتعلق بالمشاريع التي تم الانتهاء من التخطيط لها، وأن المشاريع التي تمر في مرحلة التفكير أو التفاوض لا تشكل معلومات جوهرية يبني المستثمر عليها قرارا حتى وإن أعلنت، وأن الإعلان عنها في أغلب الحالات لن يكون ذا أثر على المفاوضات بحال من الأحوال، وعليكم أن تعلموا أنه من الأفضل بكثير لكم الاستثمار في الممارسات الجيدة التي تدعم المساءلة والمحاسبة والسلوك الأخلاقي، بدلاً من الأمل في ألا تجبركم أنظمة هيئة السوق المالية على ذلك.
وأود أن أضيف لكم أن الممارسات السليمة للإفصاح مفيدة للشركة، فالسلوك الجيد كقاعدة مفيد للشركات والأعمال التجارية، والتعامل التجاري النزيه مفيد للشركات مدر للربح. وللعلم فإن بعض الشركات مثل شركة فايزر استحدثت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، منصب نائب رئيس لحوكمة الشركة ـ منصب بمستوى المديرين الكبار لتؤكد عمليا الفكرة القائلة بأن المعايير الرفيعة لنزاهة الشركات هي جزء لا يتجزأ من الأعمال التجارية.
ختاما، أتمنى على القائمين على الشركات المدرجة إيلاء قضية الإفصاح المزيد من الاهتمام باعتبارها عملا جوهريا من أعمال الشركة عليها القيام به على أكمل وجه، كما أتمنى على الحكومة ـ رعاها الله - ممثلة بوزارة التجارة وهيئة السوق المالية وهيئة الاستثمار أن تدعم وجود حملة أسهم أقوياء قادرين على إجبار "ولا أقول مطالبة" أعضاء مجالس الإدارات بالإفصاح الكامل الذي يجعل الأمور أكثر وضوحا وشفافية أمام الجميع لاتخاذ قراراتهم وهم يرون صورة واضحة متكاملة، وأكاد أجزم أن ذلك سيعزز الجهود التي تبذلها هيئة السوق المالية لرفع درجة الإفصاح بما يوصل لسوق مالية ناضجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي