التورق خاصية جيولوجية ومعاملة تجارية

التورق خاصية جيولوجية معروفة تحدث في الطبيعة لمجموعات كثيرة من الصخور خلال عمليات التحول التي تتم في باطن الأرض أثناء الحركات الأرضية الكبرى المصاحبة لتكون الجبال, وتنتج عنها أنواع من الصخور (المتورقة) أي صخور على شكل أوراق من طبقات رقيقة جدا ذات سطوح مستوية قد تكون متوازنة أو متموجة قليلا.. ومن أبرز أمثلة هذه الصخور المعروفة في الطبيعة الشست والنيس اللتان تتميزان بسهولة انشقاقهما إلى شرائح هشة يسهل كسرها واللتان تتكونان أساسا من مادتي الميكا والسيلكا, واستخدامات هذه النوعية من الصخور المتورقة محدودة في التشييد والبناء وإن كان بعض أنواعها المميزة قد يستخدم لأعمال الديكور أو لتغطية السقوف.
أما التورق بمفهومه الاقتصادي فهو إحدى وسائل التمويل والمعاملات التجارية التي تتيح للعميل المتعاون مع الممول شراء أي سلعة بالتقسيط يملكها الممول وإعادة بيع السلعة نقدا لحسابه مما يؤدي إلى توفير السيولة النقدية (الأوراق النقدية) له بطريقة ميسرة وسريعة.. وقد يكون الممول في هذه الحالة فردا ويكون التورق فرديا ـ بمعنى أن من يمارسونه هم الأفراد أو يكون الممول جهة مصرفية ويسمى في هذه الحالة التورق المصرفي كما يمكن أن يكون تورقا مؤسسيا إذا ما كان التمويل يتم من خلال مؤسسة مالية كخدمة مصرفية.
وللتورق كمعاملة تجارية تاريخ طويل فقد كان معروفا في أوروبا في فترة الثورة الصناعية وما قبلها كتورق ديون الودائع المصرفية الذي استخدم كوسيلة لتحقيق بعض الأغراض الاقتصادية, مثل زيادة القدرة المالية أو تحسين وزيادة رأس المال أو العائد من الأصول, أو تنويع مصادر التمويل وكذلك لتقليل مخاطر التعرض للركود.
أما فقهاء عصور الإسلام الأولى فقد تحدثوا عما يسمى بالتورق الفقهي الذي عرف بأنه "شراء سلعة بالأجل ثم يبيعها المشتري نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها ليحصل بذلك على النقد". أما فيما يتعلق بالتورق المصرفي في عصرنا الحالي فقد اختلفت بشأنه آراء الفقهاء والعلماء المعاصرين, فذهب البعض إلى القول بالجواز, والبعض الآخر بكراهيته أو بتحريمه ومنعه حسب الباعث منه.
ولسنا بصدد عرض مشروعية التورق ولكن ما يهمنا في هذا المجال هو محاولة البحث عن أوجه الالتقاء بين التورق كظاهرة طبيعية تستحق التأمل, والتورق كمعاملة تجارية معترف بها ولها تأثير واضح في الاقتصاد.
ومن أبرز السمات المشتركة لذلك:
السمة الأولى, أن كلتا العمليتين (تحويلية) بمعنى أن أيا من العمليتين لا يمكن أن يتم إلا في وجود طرف ثالث, فعملية تحول صخور باطن الأرض الملتهبة إلى صخور متورقة لا تتم إلا في وجود حركة أرضية كبيرة تحت ظروف حرارة عالية وضغط مرتفع, أما في عملية التورق التجارية فإن وجود الممول المدعم ماليا سواء كان فردا أو مصرفا أو مؤسسة ضروري لضمان التنفيذ.
السمة الثانية: أن عملية التحول الطبيعية للصخور الباطنية تؤدي إلى صخور (هشة) ليس لها استخدامات اقتصادية واضحة, أما عملية التحول التجارية من خلال التورق فهي أكثر (هشاشة) وغالبا لا يكون للحصول على السيولة النقدية فيها مردود اقتصادي مباشر على المشتري والبائع, والمستفيد الوحيد في هذه الحالة هو الممول.
السمة الثالثة: أن هناك اتفاقا غير مدون على أن كلتا العمليتين من أبرز الظواهر المثيرة للجدل العلمي, فالترتيب المكاني للطبقات الرقيقة المكونة للصخور بعد التورق يأخذ صورا متعددة قد تكون على شكل رقائق أو منشورات إبرية وهي مرتبة بطريقة هندسية بديعة طبقا لتشابكها الأيوني ولم يتم التوصل إلى معرفة كيفية تكونها ومراحل تغيرها عبر آلاف السنين. وفي المقابل, فإن هناك جدلا متصلا منذ مئات السنين وما زال حول إدراج التورق كمعاملة تجارية في إطار المنهج الاقتصادي والضوابط التي يجب اتباعها لاعتمادها على الساحة الاقتصادية كأسلوب معترف به.
وفي الختام, لا يسعنا إلا أن نشير إلى أن النتيجة النهائية لعملية التورق في الطبيعة هي رزمة من الأوراق (الصخرية) وتنتهي العملية نفسها في التعاملات التجارية إلى الحصول على رزمة من الأوراق (المالية). ولله في خلقه شؤون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي