"الْعـــرسْ أبيـن من الْخطْبــة"

تقوية أداء الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية غيَّرت مجريات العلاقات الدولية والممارسات التجارية والفكر الاقتصادي بدرجات متفاوتة للشعوب والأفراد وفقاً لتقدمها العلمي واهتماماتها بالأبحاث واتباع المصداقية في تطبيق القيم والعادات بطرق ووسائل متطورة تتماشى مع واقع الحياة الحديثة ليصبح تداول الأمور الإنسانية للبعيد ليس مختلفا عن القريب واقتناء السلع والخدمات للأحسن جودة وتسعيرا دون اختلافات المسافات وتباعد وابتعاد الأسواق. توافر الهواتف منذ نصف قرن كان مقتصراً على محلات البقالة للاستخدامات الشخصية لأهل الحي والترابط مع الأقارب والأحباب في الأحياء الأخرى. ظهور الجوالات قلب الأعراف الاجتماعية وأصبحت وسيلة لضرب "الحنك" جرياً على تلاعب الفم "بلبان اللامي" في طريق التقاط المعلومات لمجريات الأمور الاقتصادية عالمياً ومحلياً, ولمسافات في الغوص محلياً أو بحث عن الراحة الأبدية على نهر الأمازون في نقطة التقائه مع مياه نهر " نجرو" الأسود ليسيرا جنباً إلى جنب, مع انهمار تدفقات مائية ساطعة الصفاء من جانب وسوداء اللون في الجانب الآخر للمسافة الزمنية اللازمة لاندماج التكوينين حتى يتطابق المظهر والمخبر, ومختلفتي التركيبة المكونة لخصائصهما الطبيعية, واختلافات الحرارة والبرودة واللون ليتحولا بقدرة قادر من نهرين إلى نهر يشق طريقه ليصب في المحيط الأطلنطي. نهر الأمازون يربط جبال الإنديس بالمحيط الأطلنطي لتظهر فصيلتان متطابقتان من الأسماك في مياه نهر الأمازون الحلوة والمحيط المالحة. كل نوع يجد طريقه لأسواق أسماك العالم موفرة الخيار بين نتاج المياه الحلوة والمالحة بأقيامها المتفاوتة وفقاً لمزاحمة السوق الحقيقية وتطوير آلياته وتفاعل نظمه وقوانينه ومقدار تقدم الفكر الاقتصادي الاجتماعي مثله مثل ما عليه الرسميون وأصحاب الأعمال وقدراتهم، ويعيشون حقيقة أنفسهم مع واقع الأفكار والتنظيمات والإصلاحات والنوايا الحسنة في اتجاه الهدف الاقتصادي المختار لزيادة انتعاش الاقتصاد ورفعته من منظور توفير مجالات العمل لمن يطلب التشغيل, ودفع المؤسسات العلمية لتوفير مخرجات منتجة والتدريب لتحقيق الهدف, ليصبح العاطل صاحب صنعة منتجة.
الفضل بعد الله لتوفير تداول معلومات إيجابيات وسلبيات الانفجار المعلوماتي من الأمازون إلى الربع الخالي بالسهولة نفسها التي عليه مداولة الأمور والأحوال بين "الحلة والعليا", فارق توقيت تحقيق الترشيد والإصلاح الاقتصادي الاجتماعي تنعكس آثاره في مقدار الضياع ونوعية الاستفادة لتفصيلات الانفجار المعلوماتي المكتسب في البر والبحر، تشبها للحظات "ركوب موجة نهر الأمازون" والوقوف على العجائب من نقطة التقائه مع نهر نجرو, مثله مثل السجال الاقتصادي المنفتح لتنمية الاقتصاد وتعميم الفائدة لسيرته لمنظورين مختلفين في التعالي والالتقاء. تصادف انتشار المعرفة دولياً, يخفف من تباين مكوناتها ويبخِّر الفوارق الطبقية مثل زوال الاختلافات الطبيعية لنهر نجرو وامتزاجه في التدفقات الأمازونية, ويخفف من سمرة لونه ويذيب خواص مرتفعات جبال الإنديس مصدر تدفقاته, إلى واقع التكوينات الطبيعية للأنهار الموفرة الثروات للأمم, وغذاء الشعوب مستفيدين من "طول نفس" الأمازون ليصب الأطول لأنهار العالم في المحيط الأطلنطي موفراً للاقتصاد البرازيلي خيارات سمكية حلوة ومالحة, نادرة الوجود.
تقارير البنك الدولي وصندوق النقد توفر أطناناً من المعلومات المفيدة والنافعة, وتمثل مرجعية طيبة للدلالة على متانة الاقتصاد الوطني والمعايير القياسية المختلفة لمقارنة النوعية والجغرافية وتفسير "الماء بعد الجهد بالماء", وحرص الرسميين في الاقتصادات النامية على التركيز عليها, ليستشهدوا بإفرازاتها. متانة الاقتصاد الوطني السعودي ليست مجال جدال ونقاش, والاستشهاد بتقارير المنظمات الدولية أو نشرات المنظمات الدولية المشتبه في سلامة أحكامها مثل "ويرلد فورم" السويسرية, و"منت كارلو" وخلافها. النقاش لأحواله يكون عادة من منطلقات داخلية, ومتابعة ناجحة وتحقيق وعود الازدهار والتشغيل المنتج, ضماناً لزيادة تقوية أدائه والتركيز على جزيئات قوته وضعفه, خاصة الرسمي والأهلي والخاص وتقييم مخرجات الاقتصاد الوطني الإنتاجية. وإن أكبر شريحة لإجمالي الدخل القومي تتولى الدولة رعاية أحوالها والإنفاق على مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بها. كثير من الأفكار والآراء المحلية ترى وتشعر تكثيف وترابط تعامل الجهات الرسمية والأهلية والخاصة بعيداً عن وتيرة الواقع الاجتماعي والاقتصادي المحلي, والاهتمام الزائد بأفكار البنك والصندوق الدوليين وتطبيق الاحتياجات التنموية من منطلقات الاقتصاديات كاملة النمو, بينما أكثر من 50 في المائة من المواطنين " قابعون في القاع الهرمي للدخل الثابت والمتدني", وتحديات العطالة والبطالة. الحوار وتزامنه لزاوية التحديات الاقتصادية والاجتماعية تمشياً مع طموحات الفكر المحلي السائد محصورة في محاور محددة وضيقة لأهم النظريات والخبرات المتماثلة لآليات السوق المحلي. الأطراف المتفاوتة في المصالح والعلم والمعرفة، تنظر لأحواله وأموره "بنصف عين". وتتهاون في قبول استمرار تقسيم المسؤوليات بين الجهات المعنية تجنباً "لوجع الدماغ". وتجسد في الذهن من طرفة أخذ رب العائلة الزوج لنفسه المهمات الكبرى وترك المهمات الصغرى للزوجة. الأول جعل نفسه مسؤولاً عن قضايا الأمم المتحدة ومتابعة الاقتصاديات النامية, واهتمامات الصندوق والبنك الدولي للاقتصاديات النامية على الطريقة الأمريكية, وترك للزوجة ترتيب أحوال "البزورة" وشؤون العائلة من دخله المحدود.
الفقر الذي عليه البرازيل يمثل قمة التحدي في مفاهيم وأدبيات تنمية الاقتصاد المتخلِّف, وبناء الهيكليات الاقتصادية الاجتماعية التقليدية وخدمة الشرائح الفقيرة لتقدمه من منظور تخفيف المواجع والمصاعب لشرائحه الضعيفة. المستقبل واعد للبرازيل أكثر من غيرها من اقتصاديات العالم بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية, لتوافر الخامات الطبيعية المتنوعة والمحاصيل الزراعية والقدرة على استيعاب المعرفة والتقنية وتقارب واضح لنهجهم الاقتصادي قولا وعملا لتطابق التعهدات الدولية والنظم والتشريعات الداخلية منضبطا لواقع الاقتصاد البرازيلي. شهد اقتصاد البرازيل في السنوات الأخيرة من القرن الماضي برامج متكاملة للتدرج في النمو والازدهار من منطلق العناية بمن هم في "قاع الهرم" وأعدادهم تفوق ستين في المائة من التعداد السكاني العام, دون إغفال أهمية التنظيمات والهيكيليات القائمة "لقمة الهرم", ليتحقق الربط بين القاع والقمة وتوسع القاعدة الإنتاجية وازدهار الاقتصاد الوطني وزيادة مبيعات الشركات العابرة للقارات والشركات الوطنية, والأهلية والمزاحمة في المجالات المختلفة وفق برنامج تنفيذ الصناعات والنشاطات المتوسطة والصغيرة, لتنطلق حقيقة الأعمال والإنجاز وفقا لطموحات الرسميين والهيئات المدنية مثل الغرف التجارية الصناعية إلى واقع يعيشه الاقتصاد بعيدا عن مظهريات أدبيات وبهللة الاهتمام بالتنظيمات الإدارية والمالية بين الجهات الرسمية والبنوك, وتوفير الرعاية السائدة لنجاح مشاريع تنموية للقابعين في قاع الهرم وتدريبهم وتعليمهم للاستفادة. وضع الترتيبات التمويلية للأعمال الصغيرة والمتوسطة بأساليب تعجيزية ومن دون مشاركة عملية لا يطمئن تقدم برامج تشجيع هذه المؤسسات.
الطرح الاقتصادي الوطني المنفرد من الرسميين والمدنيين والخاصة وخلافهم, كما نقرأه في الصحافة المحلية مفيد. وبادرة التنفيذ من منظور صاحب العمل وقناعة السلطة, للمعوقات والاحتياجات مفيد "ويخصَّ" دعم أصحاب الأعمال دون خلافهم. الإيضاح الرسمي تقليد مفيد ومهم, لكن منطلقاته الفوقية تبعده عن مسؤوليات تفعيل الأداء الاقتصادي وتداخلات الفلسفات التنموية. ترك متابعة الشأن التطبيقي الاقتصادي الاجتماعي العام على "علاته", يساند قوة ارتكازه دخل البترول, المتأثر بعوامل خارجية, وقرارات سياسية دولية, إفرازاتها السالبة تقوِّض عناصر القوة المتوافرة للاقتصاد الوطني. الاهتمام بمعرفة نتائج الفائدة المحققة للاقتصاد الوطني من النظم والقوانين الحديثة والقديمة ومدى تطابق القدرات التنفيذية من القمة للقاع على التنفيذ للإنجاز والخدمية من مؤسسة البريد الحديثة التأسيس, لهيئة المال والقضاء والموانئ والطرق .. إلخ. النظرة للواقع الاقتصادي الاجتماعي يجب أن تكون شمولية وفقاً لقيم متعارف عليها وفهم لحتمية الالتزام بتوقيت تنفيذها ومعرفة وافرة لحقيقة الوضع الاجتماعي السالب. الانفلات في الأجهزة الرسمية والمدنية كبير والمسؤولية ضائعة والإنتاجية متدنية. الاهتمام بدولاب المعاملات ورقياً جيد ولا يفي في مواجهة المخاطر. مهم أن نتنبه لصراع الطبقات لتأمين المعيشة قبل نفاد الطاقات والقدرات، لأضرارها ومخاطرها اجتماعيا. إهمال ما يترتب على الالتزام الدولي بعد توقيع الاتفاقيات مثل وتو - منظمة التجارة العالمية يقوض المكاسب دون معرفة حقيقة فارق المخاطر مع غيرها مثل اتفاقية التجارة العربية المشتركة. الأولى تنطلق من "عرين الأسد" الذي لا يرحم الضعيف والقوي. والثانية مثل "سورة عبس وتولى" نحوِّرها وندوِّرها, على الجنب الذي يريحنا وتبقى على الرغم من مرور نصف قرن مكانك سِر.
الخطر في التحاور والتفكير المنفرد الرسمي والمدني والأهلي والخاص, لأضرار بقاء أوضاعنا الاقتصادية الاجتماعية مثل حال الطرب على أنغام "تخت الموسيقى الشرقي", بعد أن ارتقت مستوياتنا وارتفعت اتصالاتنا ومعرفتنا إلى مستويات التفكير الغربي في الإنفاق والشراء ومظاهر "الأبهة والاسترخاء", النظر بعين واحدة تضعف العين القوية وتعمي البصيرة. تجنب مخاطر التنمية نجده في التوافق الاقتصادي الاجتماعي, ونأخذه من الفكر المتعارف عليه في المدارس التي تخرج منها نخبة القادة لتطويره وتحويره مجتمعياًُ وعلى مستويات مسؤولة لضمان تحسن الوضع الاقتصادي المستدام والخروج من "القمقم" الذي عليه مواطنون لما لا يقل عددهم عن ستين في المائة مهم لتوفير مجالات تعليمهم وتدريبهم وتوافق دخولهم مع الإنتاجية والمستويات المعيشية، أمام انخفاض قوتها الشرائية وتوفير العمل للعاطلين موضوع قائم بذاته يتصاحب مع الاهتمام الخاص بزيادة الدخول في قوله تعالى "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر". الاقتصاد الوطني حالته الصحية ليست موضع نقاش, بقدر ما هنالك حاجة للاهتمام بمسيرات الأمور الداخلية والإنتاجية في العمل والأداء بانضباط رسمي واضح لجميع الأحوال للقرية الصغيرة في العالم الكبير ويتطلب من الرسميين والأهليين والخاصة أن يعوا القدر الذي يحمله دخل البترول في استمرارية الانتعاش, الخطر الكبير في تدنيه وضعف هيكليات المسؤولية وإنتاجياتها قاصرة, والقائمون بأمورها عاجزون عن تحسين مصائرها.
يقول الكاتب عامر ذياب التميمي في "الحياة" إصدار 21/3/2006 "هذه التطورات لا بد من أن تفسح أمام الحكومة إمكانات دفع الاقتصاد الوطني للتوافق مع استحقاقات العولمة والتناغم مع شروط منظمة التجارة الدولية". والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي