أيها السعوديون .. تأهبوا لقيادة المستقبل (2-2)
"مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" إولى إشراقات مستقبل الاقتصاد السعودي، وهي أحق بأن أستهل بها الجزء الثاني من هذا الموضوع. مدينة الاقتصاد القادم التي ستكلف نحو 100 مليار ريال، المدينة التي ستلعب دوراً محورياً في تعزيز التنمية الاقتصادية، والدفع الأسرع بوتائر النمو الاقتصادي الوطني. المدينة القادمة من السجلات المضيئة في المستقبل للاقتصاد، المدينة السداسية الأبعاد ممثلةً في المناطق الرئيسة التي ستشكل دائرتها النشطة "الميناء البحري، المنطقة الصناعية، المرافق الشاطئية، الجزيرة المالية، الأحياء السكنية، المدينة التعليمية"، والمؤمل –بإذن الله- أن يلعب كلّ منها دوراً مدروساً في تحقيق الأهداف الاقتصادية المخططة.
"مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" ليست إلا حلقة واحدة من المنظومة العملاقة المستقبلية للاقتصاد السعودي، والحديث القادم لهذا الاقتصاد برجاله ونساءه أكثر إبهاراً. ولمن يتساءل لماذا يجب على السعوديين أن يتأهبوا من الآن لقيادة المستقبل؟! أجيبه أننا نتملك اليوم مفاتيح التقدم الحضاري، وأن دائرة ملكيتنا لتلك المفاتيح ستتسع يوماً بعد يوم في المنظور المستقبلي، الذي يصل مداه على أقل تقدير إلى نحو 30 سنة قادمة! اقتصادنا اليوم يضطلع بدورٍ أساسي في منظومة الاقتصاد العالمي، ليس فقط بكونه المورّد الأول لمصدر الطاقة العالمية؛ بل لعدة إعتبارات أخرى لعل من أبرزها: ثقل السعودية الدولي سياسياً واقتصادياً، ثقلها الحضاري الذي يفوق أي ثقلٍ آخر بتمثيلها للعالمين العربي والإسلامي، ثقلها الجغرافي، ثقلها التجاري والمالي على مستوى العالم، كل ما سبق مهيأٌ تماماً للتعملق والترسخ في الخريطة الدولية. ذاك من أبرز ما يدفع بي لمطالبة السعوديون ذكوراً وإناثاً على حدٍ سواء بضرورة التهيئ من الآن لقيادة المستقبل، إذ أن الإنسان يمثل الدعامة الأولى، والشرط الأهم في إنجاح التفاعل بين العوامل اللازمة والمكونة لماكينة الاقتصاد الوطني.
إن للعبور الناجح من خلال ذلك الطريق الطويل إلى المستقبل متطلبات هامّة، وتحققها يُعد شرطاً أساسياً لأجل تجاوز أي تحديات أو معوقات ستصاحب رحلتنا الطموحة. من أهم تلك المتطلبات إحداث تغييرات جذرية في البيئة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية بما يؤهل الأفراد في المجتمع السعودي للقيام بالأدوار المطلوبة منهم، فلا بد من تطوير مناهج التربية والتعليم بالصورة التي تؤهلها لأن تخّرج أشخاصاً على قدرٍ عالٍ من التأهيل العلمي والتقني، وحتى تتاح لهم الفرصة بصورةٍ عادلة للإنخراط في البيئة العملية المحلية. تمثل قضية تطوير المناهج التعليمية جوهر نجاحنا المأمول في التأهب الجاد لخوض غمار المستقبل المنتظر، ولنا أن نتذكر جيداً تجربتنا التنموية من منتصف السبيعنيات الميلادية، وكيف أن افتقارنا للموارد البشرية المؤهلة كان من أكبر المعضلات التي واجهتنا في تلك الحقبة، وكيف أن الحل العاجل آنذاك في استقدام ملايين العاملين من الخارج، تحول فيما بعد إلى معضلةٍ كبرى في جسد الاقتصاد السعودي! لم نتخلص منها إلى هذا اليوم، من هنا تسطع الحقيقة الهامّة بضرورة دعم مشاركة وتوطيد أقدامنا كسعوديون في الاضطلاع بمهمة بناء وتطوير اقتصادنا اليوم وغداً. الأمر الآخر، ممثلاً في تفتيت جدران "البيروقراطية" التي أستمرأت إعاقة أية تطلعات إبتكارية في البيئة الاقتصادية المحلية، والعمل الجاد والمستمر على تجاوز تلك المعوقات التي لم ندفع ثمنها باهضاً فقط! بل إنها خدمت أيضاً جيراننا من حولنا على حساب مدخراتنا وثرواتنا الباحثة عن أي منفذ للنور.
أيضاً، نحن بحاجةٍ إلى إرساء ونشر ثقافة القانون في جنبات حياتنا اليومية، بدءاً من الفرد وإنتهاءً بالمؤسسات والمنشآت الكبرى. ليس هذا فحسب؛ بل وترسيخ الالتزام بنصوص كافّة الأنظمة والقوانين المطبقة، وإلغاء أية استثناءات من تطبيقها. أيضاً بالنسبة للبيئة الاستثمارية، يجب إحداث تغييرات جذرية في الكثير من مفاهيمها المطبقة الآن، لعل من أبرزها تشجيع ودعم المواطنين في مجال خلق وإنشاء المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوجيهها نحو المجالات الاقتصادية التي نحن بحاجتها الآن ومستقبلاً، ومن شأن هذا التوجّه أن يفتح آفاقاً وفرصاً أوسع لا حصر لها؛ فعلى سبيل المثال: ستزداد فرص العمل أمام المواطنين ما يساعد على حل مشاكل البطالة المزمنة. كما سيقضي تشجيع ودعم المواطنين في هذا الإتجاه على كثيرٍ من مظاهر الفقر، وسيرفع من مستويات الدخول المالية للأفراد، وسيحاصر المتورطين من العمالة الأجنبية في قضايا التستر ومن ثم طردهم من البيئة التجارية المحلية. أيضاً من شأن هذا التغيير أن يحدث كثيراً من التحولات الإيجابية في البيئة التجارية والاستثمارية المحلية، لعل من أهمها إرساء مبادئ المنافسة وإلغاء الاحتكار، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وتوسيع القاعدة الانتاجية المحلية، وفتح الفرص المثلى أمام المدخرات الوطنية الباحثة عن قنوات الاستثمار المحلية المجدية، هذا بالإضافة إلى توسيع خيارات الإئتمان بالنسبة للبنوك المحلية، كحلولٍ بديلة لترحيل أموالنا إلى الخارج أو تمويلها لأغراضٍ استهلاكية غير مجدية أو تمويلها لأغراض المضاربات التي تضر بمصلحة الاقتصاد الوطني.
أؤكد في ختام هذا المقال، وليس في ختام الموضوع الذي سأستمر في العودة إليه كثيراً بإذن الله. أن الاندفاع الاقتصاد السعودي بذلك الزخم القوي من النمو في أداءه، والوفورات الكبيرة في الدخل الحكومي والميزان التجاري؛ لم يكن في حقيقته إلا بداية الغيث! ولا زال للغيث بقايا أزهى وأبهى. لم يكن من المتوقع أن تظهر نتائج أخرى غير تلك النتائج الإيجابية؛ فالتحولات الهيكلية الجادة التي أُحدثت في البيت الاقتصادي المحلي مستهدفةً تحديث إصلاح وتطوير ركائز، آتت أكلها مبكراً بحمد الله. أخيراً برأيكم؛ من سيتحمل أمانة ومسؤولية تنفيذ هذه المهام وتحقيق تلك الأحلام غير أبناء وبنات هذه البلاد؟! أترك لكل واحدٍ منكم الإجابة، على أنني أعرفها! فإلى المستقبل المشرق بعون الله، منطلقين بعزمٍ كبير تحت قيادة "أبو متعب" أيّده الله.