هيئة سوق المال .. قال صفوا صفين!
لا أحد يُنكر كبر حجم المسؤولية الملقاة على عاتق هيئة سوق المال، وما يتطلبه ذلك من جهود جبارة لضمان سوق اقتصادية تعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد السعودي، وتضمن الشفافية في التعاملات وتحمي السوق من عبث العابثين.
في الأسبوع الماضي اتخذت الهيئة قراراً مهما أثر تأثيراً مباشراً في حركة التداول أفقدت السوق مئات المليارات من الريالات في أيام قليلة لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة.
إنني لن أُعلق هنا على صحة هذا القرار من عدمه، ولكن الطريقة التي اتخذت الهيئة بها قرارها تجعل الشكوك تساور المواطنين في مدى قدرة الهيئة على التعامل مع المعطيات المتسارعة للسوق بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام.
إن الطريقة التي اتخذت بها الهيئة قرارها المفاجئ بتخفيض نسبة الصعود والنزول المسموح بها لأسعار الأسهم من 10 إلى 5 في المائة قد جعلتنا نفيق على حقيقة مرّة صباح أول يوم في الأسبوع الأحمر، وهي أن الهيئة قد بدأت تفقد السيطرة على مجريات الأمور، وأن هذه السوق التي تبنتها منذ فترة بسيطة بدأت تتمرد على ولايتها، فأرادت أن تبين له بأنها أقوى منها وأن باستطاعتها أن تؤثر سلباً على الأسعار بين عشية وضحاها، بعد ما عجزت عن وقف مسلسل ارتفاع أسهم الشركات الخاسرة.
إن الهيئة باتخاذها هذا القرار دون إعلان مسبق ودون بحث وتمحيص قد أرسلت رسالة أخرى عكس الرسالة التي أرادت توصيلها إلى السوق، فالكثير يعتقد أنه إذا استمرت الهيئة في اتخاذ قرارات مفاجئة وشمولية واستخدام مبدأ العقاب الجماعي للمتعاملين في مضاربات الأسهم فإن ذلك سينعكس سلباً على اقتصاد البلد، وسيجبر الكثيرين على الهروب إلى بيئات استثمارية أكثر استقراراً وأقل خطورة.
لقد كان الأولى بالهيئة أن تفصح مسبقاً عن نواياها وبفترة زمنية كافية، تماماً مثل ما تطالب به الهيئة مجالس إدارات الشركات، وأن تتعامل الهيئة بكل شفافية مع المواطنين والمستثمرين لكي تصنع جسوراً قوية من الثقة تجعل اقتصاد البلد جاذباً للأموال المحلية والخارجية.
إن انشغال الهيئة بمحاولة التحكم في أسعار الأسهم، التي هي وقتية أصلاً، عن إدخال المزيد من الشركات إلى السوق وعن مراقبة التداولات والممارسات غير النظامية، سيزيد المشكلة تعقيداً وستصل إلى مرحلة لن يجدي معها ما تصرفه الهيئة من مسكنات تُعطى قسراً لمرضى المضاربات.
إن تضخم الأسعار لبعض الشركات قد يكون أهم أسبابه عدم وجود منافسة حقيقية في السوق، فاقتصاد بحجم اقتصاد المملكة لا يمكن أن يعتمد على 75 شركة لا يتداول من أسهمها إلا الثلث أو أكثر قليلاً، بينما نجد دولاً لا يقارن حجم اقتصادها بحجم اقتصادنا مثل سريلانكا، يوجد في سوقها 400 شركة تتداول جميع أسهمها في السوق.
إن الاعتماد على القرارات السريعة والسهلة لن يجدي نفعاً، بل سيكون ضرره أكثر من نفعه، لذا فإن على الهيئة أن تبدأ في إعلان خططها ونواياها، وأن توضح للسوق أسباب التأخير في طرح شركات جديدة وبنسب يُحترم فيها المواطن (51 في المائة كحد أدنى)، وأن تكثف من جهودها في مراقبة التعاملات الخاطئة بتوظيف المزيد من الكفاءات الوطنية والعالمية، وأن تؤجل قرار تقسيم السوق إلى أن تصنع لنا سوقاً قابلة للتقسيم بدلاً من تطبيق المثل القائل "قال صفوا صفين .. قال حنا اثنين".