هل حان وقت فرض ضريبة القيمة المضافة؟

الجواب عن السؤال: هل حان وقت فرض ضريبة القيمة المضافة (أو المبيعات) على السلع في دول مجلس التعاون هو بالتأكيد نعم. فالظروف الموضوعية تحتم على متخذي القرارات الاقتصادية التفكير جديا في فرض هكذا ضريبة، شأننا في ذلك شأن الكثير من الدول الأخرى في العالم. وتستند دعوتنا لتنفيذ (ضريبة مبيعات) إلى الخسارة المتزايدة لإيرادات الخزانة العامة من الرسوم الجمركية، وذلك على خلفية الدخول في اتفاقيات جماعية أو ثنائية تحتم تقليص أو إلغاء التعرفة.
ولا بأس من الإشارة إلى بعض الأدلة بخصوص التغييرات التي حصلت في الآونة الأخيرة. فقد خسرت غالبية الدول الأعضاء جانبا من الرسوم الجمركية بسبب دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي حيّز التنفيذ في بداية العام 2003. على سبيل المثال، كانت البحرين تفرض ضريبة قدرها 20 في المائة على واردات السيارات, لكنها انخفضت إلى 5 في المائة بسبب اتفاقية الاتحاد الجمركي, الأمر الذي يشكل خسارة لإيرادات الموازنة العامة.
إضافة إلى ذلك, هناك مسألة اتفاقيات التجارة الحرة التي بدأت بعض دول المجلس تبرمها بشكل انفرادي مع الدول الأخرى. فقد أبرمت كل من مملكة البحرين وسلطنة عُمان اتفاقيات منفصلة مع الولايات المتحدة. فمع دخول اتفاقية إنشاء منطقة للتجارة الحرة إلى حيّز التنفيذ يصبح لزاما على البحرين إعفاء 98 في المائة من الواردات الأمريكية من أي رسوم جمركية. وهذا بدوره يشكل خسارة للخزانة، نظرا لأن أمريكا تعتبر أحد أهم الشركاء التجاريين للبحرين. يتوقع أن يتم تطبيق الاتفاقية الثنائية في وقت لاحق من العام الجاري وذلك بعد انتهاء السلطات في المنامة من تعديل القوانين المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية.

محدودية الأدوات

حقيقة لا تمتلك السلطات في دول مجلس التعاون الكثير من الأدوات للتأثير في الأوضاع الاقتصادية. فمعدلات الفائدة ما هي إلا امتداد لتلك السائدة في الولايات المتحدة بسبب ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي. فالمعدلات إما تصعد أو تنخفض عندنا بسبب الأوضاع الاقتصادية في أمريكا. المعروف أن الكويت آخر دولة عضو في مجلس التعاون قررت ربط عملتها الوطنية بالدولار. بمعنى آخر, تستورد دول الخليج معدلات الفائدة من أمريكا مع الاحتفاظ بهامش إيجابي لغرض جلب الزبائن. من جهة أخرى, لا تفرض دول مجلس التعاون ضرائب على دخل المؤسسات أو الأفراد, ما يعني غياب أداة حيوية أخرى للتأثير على التطورات الاقتصادية. بيد أنه تمتلك الحكومات أداة واحدة للتأثير في الأوضاع الاقتصادية وهي مصروفات القطاع العام. كما أن إيرادات الضرائب على التجارة الدولية (التي بدورها تمول جانبا من مصروفات الدولة) باتت معرضة للانحسار على خلفية تطور العلاقات الاقتصادية الدولية لدول المجلس.

ما نريد أن نقوله إن فرض نوع من ضريبة على المبيعات باتت ملحة للحفاظ على التوازن المالي للموازنات العامة. ربما يقول قائل إن الأوضاع المالية ممتازة في هذه الفترة، نظرا لارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية. المعروف أن القطاع النفطي يشكل أغلبية دخل الخزانة العامة في كل دول المجلس بدون استثناء. بل على العكس نرى أن الوقت مناسب لتنفيذ الضريبة, إذ يمكن تنفيذ المشروع الطموح بانسيابية. فارتفاع الدخل النفطي يشكل نوعا من صمام أمان لتحمل أخطاء التنفيذ في بداية المرحلة.

صندوق النقد الدولي

ويبدو أن سلطات الجمارك في إمارة دبي تفكر جليا في مقترح فرض ضريبة المبيعات، نظرا لاقتراب تنفيذ عدة اتفاقيات للتجارة الحرة. فهناك مقترح إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون وما يترتب من تقليص الرسوم الجمركية على السلع بين المجموعتين الأوروبية والخليجية. أيضا تتفاوض دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحاضر مع الولايات المتحدة لإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين البلدين.

والأهم من ذلك, يوجد مقترح مقدم من قبل صندوق النقد الدولي بخصوص ضريبة المبيعات لتحقيق عدة أهداف، منها تعزيز مصادر الدخل للموازنة العامة. وحسب بعض التقارير الصحافية تدرس لجنة منبثقة من قبل دول مجلس التعاون بالتعاون مع ممثلين من الصندوق لدراسة السبل الكفيلة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة. المطلوب من دول مجلس التعاون اتخاذ قرار مشترك وليس أحاديا لتنفيذ خطة ضريبة مبيعات.

وكما يقال فإن لكل قاعدة شواذ, بل لا مناص من الاستثناءات عند تطبيق المقترح. فمثلا ليس من الصواب فرض ضريبة على مستلزمات الأطفال من حليب وغيره, بيد أنه من الممكن تطبيق الرسوم الجمركية على بعض الكماليات الموجهة للأطفال مثل أقراص الكمبيوتر.

المؤكد أن العلاقات الاقتصادية لدول مجلس التعاون في تطور مستمر بدليل وجود رغبة في إبرام اتفاقيات مع المزيد من الدول مثل الهند والصين واليابان. وفي الغالب تتضمن هذه الاتفاقيات تقليص الرسوم الجمركية لغرض تشجيع التبادل التجاري. وعليه أصبحت الحاجة ماسة إلى تعويض تدني إيرادات الموازنة من دخل التعرفة على الواردات. بل ربما يتم تحقيق نوع من الترشيد للاستهلاك في حال فرض ضريبة مبيعات أو استهلاك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي