خطر التقنية على سلوك الشباب

بدأ الخبراء والعلماء في مجال التكنولوجيا بإصدار نداءات إلى الشباب والمراهقين بالابتعاد, ولو مؤقتاً، عن التكنولوجيا الحديثة, وأخذ استراحات قصيرة, والاستمتاع بممارسة الحياة الطبيعية, والعودة إلى الواقع بعيداً عن الفضاء الإلكتروني. في دراسة إحصائية مبسطة, قمت بها, وبمساعدة عدد من طلبة البكالوريوس في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة الملك سعود, ليست دراسة متعمقة، فقط من باب الاطلاع, ومعرفة تأثيرات التقنية الحديثة في شباب الجامعة, وبعض من طلاب الثانوية الذين شملتهم الدراسة. وجدنا أن معظم الشباب السعودي, وخصوصاً المراهقين منهم, يقضون أوقاتاً طويلة أمام شاشات الكمبيوتر لتصفح الإنترنت, أو كتابة الرسائل الإلكترونية, أو الدخول في حوارات عن طريق الماسينجر, أو إرسال رسائل قصيرة عن طريق أجهزة الجوال.
وقد أبدت بعض العينات رغبتها في اعتزال الناس جميعاً, ومن ضمنهم أفراد أسرهم, وقضاء جميع أوقاتهم أمام شاشات الكمبيوتر, فقد استوعب الكثير من البرامج, التي من شأنها إمتاعهم, وإرضاء غرائزهم.
حتى في مجال الأجهزة المحمولة ذكر لنا أحد المراهقين, لا يتجاوز عمره 16 ربيعاً, بأنه يستطيع إرسال فيروسات من جهازه إلى أجهزة الهواتف المحمولة الأخرى, والتلاعب بها, كما يشاء, علماً بأنه مقصر في واجباته تجاه والديه ومدرسته. فقد ذكر لنا الشاب أن علاقاته الأسرية غير مرضية (فهو في شجار دائم مع والده)، إضافة إلى انحدار مستواه التعليمي, نتيجة لكثر غيابه من المدرسة. وقد أبدى استعداده للتخلي عن هذه العادة السيئة في سبيل رضاء والده ووالدته واستعادة مستواه الدراسي السابق. فقد كان من ضمن المتفوقين في مدرسته. وقد طلب مني عدم ذكر اسمه لأحد لأنه نادم على ما فعل. طلبت منه أن يذكر لي كيف نمى هذه المهارة وإمكانية استخدامها فيما ينفع الناس:
فذكر لي أنه يقضي معظم أوقاته على جهاز الحاسب وتصفح مواقع الهاكر (الهجمات العسكرية) في الإنترنت للحصول على بعض الفيروسات التي من شأنها اختراق هواتف أصدقائه المحمولة. ولكي يُشبع رغبته (بإتقان مهارة الاختراق للمضادات الفيروسية) انضم إلى مجموعة Group عالمية لها الهدف نفسه وتستمتع بأذى ومضايقة الآخرين. علماً بأن جهازه الخاص تعرض (عدد من المرات) إلى التخريب من قبل بعض أعضاء مجموعته.
وقد أبدى معظم الشباب عدم استعدادهم للتخلي عن استخدامات التقنية ( إنترنت, هاتف محمول, فضائيات, ألعاب السوني، --- الخ ). وقد ذكر لي أحد المُبدعين في مجال الإنترنت من فئة الشباب أنه يشعر بأنه يسبح في الفضاء عندما يدخل عالم الإنترنت فهو يستطيع أن يلعب و أن يتحدث و أن يتعلم وأن يتعرف, وأن يشتم ويسب من مكان واحد ومن دون عناء التنقل.
هُناك من أبدوا تذمرهم من سيطرة التكنولوجيا, وقالوا: إنهم يشعرون بالحرية عندما يبتعدون عن جهاز الكمبيوتر, ولكنهم في الوقت نفسه يحنّون إلى الجهاز, ويفكرون دائماً في ما سوف يقومون به عند فتحه. ذكر لي أحد العينات أن والده حدد له الأوقات التي يستخدم فيها الجهاز للإنترنت, لأن فاتورة الإنترنت بلغت (حسب كلامه) 3000 ريال سددها والده, ويذكر لي الشاب نفسه أنه جعل جهاز الهاتف المحمول بديلاً للإنترنت في الأوقات التي يبتعد فيها عن جهاز الكمبيوتر. ومن هنا نستطيع أن ندرك مدى تأثير التقنية في أغلى فئات المجتمع (فئة الشباب), فهم عماد الوطن وسلاح المستقبل. فهم أم لك وأم عليك, فهل نحسن توجيههم؟
ولكن (ولله الحمد) هناك فئة واعدة, فقد وجدنا في دراستنا المتواضعة أن نسبة 37 في المائة من العينات لديهم الميل الشديد إلى عدم استعمال الإنترنت للدردشة, والرسائل الإلكترونية, بل بلغ بهم الأمر إلى فصل جوالاتهم معظم الأوقات خوفاً من الرسائل القصيرة وبعضهم غيّر رقمه, حتى لا يستقبل رسائل أو مكالمات في أوقات المذاكرة, والاستعداد للامتحانات. وهؤلاء الطلبة معظمهم متميزون دراسياً.
و أخيراً أجد لزاماً علينا مراعاة أبنائنا, والحرص عليهم, وإبعادهم عن سيطرة التكنولوجيا (من أجهزة حاسب وغيرها) بين الحين والآخر, لاستعادة قواهم الطبيعية, وعدم تعرضهم لضغوط نفسية، واجتهادات عصبية .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي