تخصيص أسهم المكافأة والمنح لموظفي الشركات المساهمة
لا يمكن لأي منشأة تجارية أن تحقق النجاح بمعزل عن منسوبيها، أو ما يمكن أن نطلق عليه القوى البشرية. فالقوى البشرية تمثل العمود الفقري للمنشآت التجارية الهادفة إلى الربح والمنشآت التطوعية على حد سواء. إلا أننا نركز هنا على المنشآت التجارية التي تمارس أنشطتها في السوق السعودية محققة نتائج مالية مذهلة كنتيجة مباشرة لازدهار الاقتصاد السعودي. نمو الاقتصاد والمجتمع أديا إلى فرض ضغوطات توسعية على معظم الشركات السعودية، خصوصا الشركات المالية، كالبنوك التجارية وشركات التأمين. كان للمنافسة المحمومة، الخارجية والداخلية، دور في دفع الشركات المساهمة إلى زيادة رساميلها عن طريق رسملة احتياطياتها المالية أو عن طريق الاكتتاب الخاص المقتصر على المساهمين الأصليين. غالبية البنوك التجارية أقدمت على زيادة رساميلها مرات عديدة منذ إنشائها، وهي مقدمة على زيادات أخرى عن طريق رسملة جزء من احتياطياتها المالية. هو وضع طبيعي يقره نظام الشركات، وتدعمه مؤسسة النقد العربي السعودي.
إلا أن الملاحظ في عمليات زيادة رساميل البنوك، عن طريق المنح أو الاكتتاب الخاص، اقتصارها على المساهمين دون أن يكون لموظفيها نصيب منها، على الرغم من مساهمة الموظفين الفاعلة في تحقيق الأرباح ودعم مركز البنوك التنافسي. نحاول التركيز على البنوك لأنها تمثل قطاعا واسعا من المنشآت المالية المتجانسة المستأثرة بالأرباح الضخمة التي تستقطعها من جميع شرائح المجتمع، وتكرر عمليات زيادة رساميلها التي أصبحت تحدث بصورة شبه حولية، ما يعني عظم المسؤولية الملقاة عليها مقارنة بباقي الشركات المساهمة ، دون أن نغفل مسؤولية الشركات الأخرى أيضا.
لا يمكن للمصارف أو الشركات المساهمة الأخرى، أن تحقق أرباحها بمعزل عن موظفيها، فهم القاعدة الأساسية التي تعتمد عليها المنشآت التجارية في عملياتها الإنتاجية والتوزيعية ما يجعلهم طرفا رئيسا مشاركا في تحقيق الأرباح. المشاركة الفاعلة في تحقيق الأرباح تعطي أصحابها حق المطالبة بجزء منها عن طريق منح أسهم المكافأة. وهو ما يقره نظام الشركات الذي سمح بزيادة رأس المال عن طريق إصدار أسهم مكافأة لموظفي الشركات السعودية. من المؤسف حقا أن يكون نظام الشركات الذي صدر قبل عقود من الزمن أكثر تقدما من الإدارات الحديثة التي تدعي أنها تواكب متطلبات العصر في وقت تتجاهل فيه حقوق الموظفين المشروعة، وإن كانت تندرج تحت بند المكافآت. أسهم المكافأة لا يمكن لها أن تؤثر كثيرا في رأسمال الشركة لضآلة عدد الموظفين وبالتالي عدد الأسهم المصدرة التي لا يمكن أن ترى إذا ما أضيفت إلى رأس المال العام، لكنها أكثر نفعا وبقاء للموظفين، الذين سيتمكنون من تسييل أسهمهم المقيمة بقيمتها الاسمية على أساس القيم السوقية المرتفعة، وهي مكافأة ضخمة تولت السوق دفع جلها للموظفين، مع تحمل الشركة للقدر الضئيل منها.
تحرص بعض الشركات العالمية على إصدار أسهم المكافآت من أجل تحفيز الموظفين، ومن أجل تنمية شعور الانتماء لديهم، فالموظف البسيط يعمل بجد واجتهاد عندما يشعر بأنه أحد ملاك الشركة ولو كانت أسهم ملكيته لا تتجاوز أصابع يديه. الإحساس بالانتماء يقود الموظفين إلى تحقيق نتائج مذهلة ما يعني زيادة في الإنتاج والربحية على حد سواء، وهو الهدف الرئيس لدى حملة الأسهم. مثل هذا التفكير الإيجابي يعتبر مغيبا عن العقلية الإدارية السعودية، ولعل للثقافة العمالية دورا رئيسا في هذا التغييب. فالموظفون السعوديون ما زالوا غير ملمين بحقوقهم المشروعة ما يعرضهم لفقدان الكثير من المكافآت التي يستحقونها، خصوصا فيما يتعلق بأسهم المنح. وعلى الجانب الآخر، تتعمد مجالس إدارات الشركات المساهمة السعودية، المالية وغير المالية، التقتير على موظفيها مستأثرة بجل الأرباح ومتناسية في الوقت نفسه أن تلك الأرباح لم تكن لتتحقق لولا فضل الله أولا ثم جهود هؤلاء الموظفين.
نستثني من ذلك مجلس إدارة شركة سابك السعودية، التي تعتبر بحق، مفخرة للقيادات السعودية الناجحة. مجلس إدارة "سابك" اعتمد نظام المكافآت المتقدم الذي يتناسب سلبا وإيجابا مع مستوى الأرباح المحققة، ضمن سقف أعلى بطبيعة الحال. مجلس إدارة "سابك" فاجأ الجميع بتخصيص نسبة من أسهم شركة ينساب لموظفي الشركة دون استثناء ضمن شروط ونسب محددة، وإن لم تخني الذاكرة، فهذه هي المرة الأولى الذي يستخدم فيه نظام تمليك الموظفين لأسهم الشركات. ينتقد البعض قرار شركة سابك على أنه جاء كردة فعل مباشرة على تسرب موظفيها إلى الشركات البتروكيماوية الجديدة ما جعلها تواجه خطرا كبيرا في هذا الجانب بالذات، ويستشهدون بشرط الخدمة المستقبلية الذي ينص على وجوب إتمام الموظف ثلاث سنوات عمل قادمة تؤهله لتملك الأسهم المخصصة. أيا تكن الأسباب الكامنة خلف القرار، إلا أن مجرد إصداره يعتبر تميزا لمجلس الإدارة واعترافا منها بأهمية الموظف وأحقيته بالمساهمة المباشرة في استثمارات الشركة التي يعمل فيها، وإصرارا من جانبه على عدم التفريط بالكفاءات التي تدربت وترعرعت في الشركة منذ تأسيسها.
الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها شركة سابك لا يمكن تصنيفها على أنها من الخطوات الشاذة في علم المال والأعمال والإدارة، بل هي أحد مقوماته وأركانه. فهي إحدى المحفزات التي تتسابق على تنفيذها غالبية الشركات العالمية، في الوقت الذي يعتبرها الكثير حقا من حقوق الموظفين الذين أسهموا في تحقيق الأرباح، وتعظيم احتياطيات الشركة التي من خلالها سيتم تمويل الاستثمارات الجديدة. أما الشذوذ الحقيقي فهو إصرار مجالس إدارات الشركات على تجاهل الدور الفاعل لمنسوبيها في تحقيق الأرباح وتعظيم أصول الشركات المساهمة واحتياطياتها التي تساعدهم كثيرا في رسملتها من أجل تنفيذ خططهم الاستراتيجية.
في العام الفائت حققت البنوك السعودية أرباحا ضخمة ساعدتها في استصدار قرارات زيادة رساميلها من الجهات المختصة، ولعلنا نكون قريبين من أحقيات التوزيع ما يجعل الوقت مناسبا لتذكير البنوك السعودية خاصة، والشركات المساهمة الأخرى بصفة عامة، بحقوق موظفيها المفقودة، وأحقيتهم في مشاركة المساهمين في الأرباح المحتجزة نظير جهودهم التي أثمرت عن تحقيق تلك الأرباح. إشراك الموظفين في أسهم المنح من خلال زيادة بسيطة في رأس المال لن تكون ذات تأثير في نسب الملكية أو نسب توزيع الأرباح مستقبلا لضآلة عدد موظفي البنوك السعودية. يمكن الاستعاضة عن أسهم المنح بأسهم المكافأة مدفوعة القيمة، واعتبارها تكفيرا عن تجاهل البنوك المتعمد لقرار زيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة الذي أقرته معظم الشركات المساهمة، بصورة أو بأخرى، دون من يتبناه في البنوك السعودية.