عقود الإذعان .. ظلم فاضح
معظم الأفراد لا يقرؤون بنود الاتفاقيات والعقود التي يبرمونها مع كثير من الشركات وخاصة البنوك التجارية وشركات الاتصالات وتأجير السيارات وغيرها من العقود التي يجوز أن نسميها العقود العامة، ولعل معظمهم يدرك أنه لا مجال له أو لغيره لمناقشة الطرف الآخر في أي بند منها، لذا فهم يوقعون عليها رغما عنهم في كثير من الحالات ولا سيما أن تلك الخدمات لا يمكن الاستغناء عنها.
وتجسد تلك العقود في رأيي حكم القوي على الضعيف لأنها تتضمن مواد وبنود تحفظ حقوق الطرف الآخر ولا تأخذ في الحسبان الحفاظ على الحدود الدنيا من حقوق العميل الفرد، وهذا يجسد خللا واضحاً في طريقة تعاطي الجهات المشرفة على تلك الشركات أو المنشآت لأنها تركز على متابعة متطلبات التأسيس وربما تقارير المتابعة بينما تهمل أهم متطلبات عملها وهو حفظ حقوق المتعاملين معها في ظل غياب جهة رسمية أو أهلية لحفظ حقوق المستهلكين أو حمايتها على الأقل.
وسبق أن تطرقت لهذا الموضوع أكثر من مرة إلا أن الحال لم يتغير أو يتبدل وربما أن تلك الجهات وعلى رأسها مؤسسة النقد لا تلتفت لما يكتب أو يطرح من قبل الكتاب وهذا يخالف التعليمات الصريحة من القيادة في هذا الشأن، التي تلزم كل الجهات ذات العلاقة بالتجاوب والرد على ما يطرح في الصحافة عن خدماتها.
وفيما يلي سأتطرق إلى بعض بنود اتفاقية أعدها أحد البنوك لتداول الأسهم بواسطة الإنترنت، لأبين للقارئ الكريم وكذلك المسؤول مدى الظلم الفاضح الذي يقع فيه كثير من العملاء:
- لا يقدم (...) أية تعهدات للعميل فيما يتعلق بالجودة أو السرعة أو الأداء أو الدقة أو الاعتمادية أو الجاهزية المستمرة أو خلاف ذلك بشأن استخدام العميل البرنامج.
- لا يضمن أو يتعهد (...) بأن يتوافق البرنامج مع أي مواصفات يقدمها حول ذلك أو يكون البرنامج خالياً من الأخطاء والعيوب.
- سيكون (...) مسؤولاً تجاه العميل فقط عن الأضرار التي تنشأ من الإهمال الكلي أو سوء التصرف المتعمد.
- لا يقبل (...) تحمل أية مسؤولية عن أية خسارة أو أضرار يمكن أن يتكبدها العميل باستثناء ما هو ناتج عن الإهمال الكلي أو سوء التصرف المتعمد، وبصورة خاصة لن يكون (...) مسؤولاً عن أية خسارة أو تكاليف (ما لم يكن سببها الإهمال الكلي أو سوء التصرف المتعمد).
- لن يتحمل (...) بأي حال من الأحوال أية مسؤولية قانونية تجاه العميل أو أي شخص آخر أو كيان آخر عن الأضرار من أي نوع تنشأ عن استخدام العميل البرنامج أو عدم قدرته على استخدامه بما في ذلك أي تأخير أو إهمال في ذلك أو عن أي انقطاع في توريد الخدمات بصرف النظر عن شكل التصرف (بما في ذلك الإهمال أو المسؤولية القانونية الحصرية) سواء تم أم لم يتم إبلاغ (...) بإمكانية حدوث تلك الأضرار أو يمكن أن يكون قد توقعها بأية طريقة أخرى.
في تلك الفقرات دلالة على حماية البنك نفسه من كل شيء ما عدا الإهمال المتعمد الذي لا يستطيع العميل إثباته بالدليل القاطع لأن البنك في فقرة أخرى لا يقبل أية أدلة غير تلك التي يقدمها هو وليس العميل.
نحن بحاجة إلى أن تدرك الجهات المشرفة على تلك المنشآت التي تقدم خدمات للجمهور وتحتكر تلك الخدمات أن من مهامها الأساسية حماية العملاء من تلك الاتفاقيات الظالمة، وسبق أن اقترحت أن يكون هناك سجل لإجازة العقود العامة التي تتطلبها بعض الخدمات بعد مراجعتها والتأكد من سلامتها وحمايتها كافة أطراف العقد.