تحويل صندوق التنمية العقاري إلى صندوق تمويل الإسكان
عندما أسست الدولة صندوق التنمية العقاري قبل أكثر من 30 عاماً, كان البلد في بداية تحول اقتصادي كبير لم يكن له سابقه في تاريخ المنطقة بأسرها, وقد أرادت الدولة أن يكون هذا الصندوق ليس لإعانة المواطنين على الحصول على مساكن حديثة فحسب بل للتأسيس لتنميةه عقارية تنقل البلد إلى مصاف الدول المتقدمة، وللإسراع بعجلة الاقتصاد وفتح مجالات الاستثمار أمام المواطنين ليتمكنوا من المساهمة في صنع قطاع خاص جديد لم يكن موجوداً من قبل, وبالفعل نجحت الدولة آنذاك في تحقيق الكثير من أهدافها, فقد خرج المواطنون من بيوت الطين الضيقة إلى دور فسيحة حديثة يزرعون بها ألأشجار ويلعب أطفالهم في فناءاتها, وبدأت تخرج إلى العيان تجارة جديدة كانت محصورة من قبل في نطاق ضيق جداً، فانتشرت مؤسسات المقاولات ومواد البناء ومصانع الأثاث وازدهرت صناعة الأسمنت والبلاستيك والزجاج والدهان وصناعات أخرى كثيرة, وبذلك ارتفع دخل المواطن ومستواه المعيشي. لم يكن مطلوباً من الصندوق في ذلك الوقت أكثر من الاستعجال في إقراض المواطنين, حتى التحصيل لم يكن أولوية لدى البنك، بل إن نظامه كان لا يعاقب من يتأخر عن سداد أصل الدين ويكتفي بالخصم لمن أدى ما هو مطلوب منه. بعد مرور سنين طويلة على إنشاء الصندوق بدأ الصندوق يترنح تحت ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه بسبب النمو السكاني المتزايد وما نتج عنه من زيادة في طلبات الإقراض. لم يكن الصندوق مهيأ للتعامل مع تلك المتغيرات وقرر تجاهلها والإبقاء على الفهم السابق لمهامه وهو المساهمة في التنمية العقارية، وبدأ الصندوق يفقد تدريجياً تأثيره في مجال الإسكان وأصبحت الفترة التي يستغرقها الحصول على القرض (نحو 15 سنة) مدعاة للسخرية وانتقاصاً من حق المواطن في الحصول على السكن المناسب. لقد كان رد الصندوق دائماً على هذه الانتقادات هو أن الموارد المالية ليست كافية، وأن المواطنين ليس لديهم الوعي الكافي لتسديد ما عليهم من ديون لتمكين الصندوق من الاستمرار في الإقراض. كل هذه السنين الطويلة مرت دون أدنى مراجعة للذات من قبل الصندوق وكيف أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تسمح باستخدام الأساليب والأدوات نفسها التي استخدمت في سنين مضت وتحت ظروف تختلف كل الاختلاف عن الظروف الحالية كما أنه لم يعد مطلوباً من الصندوق تشجيع المواطنين على البناء بأنفسهم حيث أصبح القطاع الخاص قادراً على حمل عبء التنمية العقارية عن البنك. إن التطور الاقتصادي والتغير الاجتماعي اللذين نعيشهما يحتمان علينا أن نكون مفكرين مبتكرين مجددين وألا نقدّس حلول الماضي وكأنها صالحة لكل زمان ومكان. إن على الصندوق الآن أن يتحول من صندوق للتنمية العقارية إلى صندوق للإسكان يعمل على صنع الكثير من أدوات التمويل لمشاريع الإسكان، وأن يُوقف تمويل البناء الفردي للمساكن وأن يمكن المواطنين الراغبين في شراء مساكن لهم بتحقيق هذا الهدف في مدة زمنية لا تتعدى بضعه أشهر.
إن بإمكان الصندوق التعاون مع الكثير من البنوك المحلية في إقراض المواطنين الذين لا يفي القرض الحالي باحتياجاتهم السكنية بأن يضمنهم لديها بمبالغ تتفق وقدرتهم على السداد بفوائد ميسرة وبحد أعلى قد لا يتجاوز المليون ريال مثلاً, أما من أراد منهم الاكتفاء بمبلغ 300 ألف فيجب أن يهيئ البنك مقاولين معتمدين يقومون ببناء مسكن لا تتعدى قيمة بنائه هذا المبلغ تحت إشراف مكاتب هندسية معتمدة بحيث يتم تمويل هؤلاء المقاولين من خلال اتفاقات ثنائية بينهم وبين الصندوق. كما أن على الصندوق أن يسهم بقوة في مجال دعم المشاريع الاستثمارية العقارية السكنية بحيث يكون محفزاً للقطاع الخاص في زيادة المعروض من المساكن الجيدة ذات التكلفة المنخفضة والتي تسهل على المواطنين سرعة امتلاك منازلهم, كما أن على الصندوق أن يعير اهتماما أكبر لتطوير أساليب التحصيل في حالة الإقراض المباشر وألا يعاقب البريء بذنب المخطئ. إن الخطوة الأخيرة التي اتخذها الصندوق لا تفي بالغرض المطلوب منها خصوصاً وأنها تخضع لشروط غير منطقية. إن الصندوق في حال تحوله إلى جهة تمويل وليس جهة تنمية, سيترتب على ذلك ضرورة انتهاج أسلوب مغاير في التفكير والعمل.