الصندوق العقاري يمشي الهوينى

أُعلن الأسبوع الماضي عن موافقة صندوق التنمية العقاري على السماح بنقل القروض التي تم الموافقة عليها إلى تمويل شراء مبان سكنية جاهزة. إن مثل هذا القرار يعتبر خطوة إلى الأمام تُشكر عليها إدارة الصندوق ولكنها لن تكون ذات أثر يذكر إذا لم يتخذ الصندوق خطوات كثيرة أخرى. لقد ساهم الصندوق منذ إنشائه مساهمة كبيرة في مساعدة الكثير من المواطنين على تحقيق حلمهم بامتلاك منزل, ولكن إدارة الصندوق - منذ سنوات طويلة - اكتفت بأمجاد الماضي وسمحت لنفسها أن تفخر بما أنجزه الذين من قبلها دون أدنى محاوله لتلمس الأخطاء والبحث عن طرق جديدة للتعامل مع المسؤولية الملقاة على عاتقها. لقد كتبت قبل بضعة أشهر, أن شروط الحصول على القرض التي وُضعت قبل أكثر من ثلاثين عاماً أصبحت عديمة الفائدة منذ سنين طويلة، بل إنها بدل أن تكون أداة لمساعدة المواطنين على تملك مساكنهم أصبحت عائقاً لهم ولنمو عمراني صحيح في جميع مدن وقرى المملكة، واقترحت فيه أن يسمح الصندوق للمواطنين بالشراء بدلاً من إلزامهم بالبناء. إن صندوق التنمية العقاري بحاجة ماسة إلى مراجعة كاملة لأنظمته واشتراطاته بما يتوافق والمرحلة الحالية, فهذه الخطوة الصغيرة لن توصل الصندوق إلى تحقيق أي من أهدافه التي رسمتها له الدولة. إذا نظرنا إلى حجم الدعم المادي الذي حظي به الصندوق منذ تأسيسه وقارنا ذلك بما حققه الصندوق من إنجازات خلال السنوات العشر الماضية فإنه يصبح جلياً أن الصندوق قد توقف منذ سنين عن العطاء الذي يبرر وجوده.
إن رأس مال الصندوق يضاهي بحجمه أكبر البنوك المحلية والعالمية, ولديه من المرونة الإدارية ما ليس لدى معظم القطاعات الحكومية أو حتى الخاصة, ومع ذلك فقد فشل الصندوق في التعامل مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على مر السنوات الماضية. لقد آن الأوان للصندوق أن ينفض عن نفسه غبار الماضي ويبدأ في ابتكار طرق وأساليب جديدة تساعد المواطنين على الحصول على المسكن المناسب دون الحاجة إلى الانتظار سنين طويلة. إن هذه الخطوة التي خطاها البنك بالرغم من صغرها إلا أنها لم تكن خطوة كاملة أيضاً, فقد أصر البنك على أن يكون الطلب قد استوفى شروط الماضي العتيق التي من ضمنها أن يكون المتقدم مالكاً لقطعة أرض وأن يكون المبنى متوافقاً مع الاشتراطات الفنية التي لم تعد مبررة.
إن هذا التناقض العجيب بين هدف هذا القرار الجديد وبين شروط تنفيذه لا يمكن أن يكون غائباً عن أحد, وهو دليل واضح على عدم جدية الصندوق في التعامل مع احتياجات المواطنين والوضع الراهن لاقتصاد البلد. إن هناك العديد من الحلول المتاحة للصندوق لتطوير أدائه للرفع من المستوى المعيشي للمواطنين, كما أن التطور السريع الذي يشهده اقتصادنا المحلي يجب أن يكون فرصة لا تفوت من قبل الصندوق للتعاون مع القطاع الخاص لوضع طرق تمويل جديدة لجميع شرائح المجتمع.
إن أول خطوة يجب على الصندوق عملها هو إلغاء اشتراط تملك الأرض للحصول على قرض, فمثل هذا الشرط عديم الفائدة ولا يمكن تبريره لمن يرغب في شراء مسكن كما أن الآثار السلبية العمرانية التي نتجت عن ذلك من جراء امتلاك المواطنين أراضي وتركها بيضاء لسنين طويلة أملاً في الحصول على قرض يساعدهم على بنائها, قد تفاقمت في الكثير من المدن ورفعت من تكاليف تقديم الخدمات وزادت في أسعار الأراضي، وتسببت في أثار بيئية سلبية بسبب بقاء تلك الأراضي بين المنازل مجمعاً للأتربة والأوساخ, كما أسهم هذا الشرط في التوسع غير المنطقي في تخطيط الأراضي البيضاء ومن ثم تفتيت الملكية, الأمر الذي أصبح الآن عائقاً أمام المشاريع السكنية الكبيرة نظراً لعدم توافر أراض كافية غير مخططة على أطراف المدن.
إن إصرار الصندوق على مشي الهوينى في طريق التطوير والتمسك بشروط الماضي البعيد لحاضر مختلف, وعدم اهتمامه بتطوير أسلوب جديد للتمويل العقاري يعتمد على المعطيات الحالية ويستفيد من الفرص المتاحة, لن يمكن الصندوق من تحقيق هدفه ولن يجدي معه نفعاً أي دعم مالي من الحكومة مهما بلغ حجمه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي