المنغلقون !!

أحيانا يطالني ضعف من نوع غريب، هو ليس ضعفا يعبر عن انهزامية، ولا ينتمي إلى فقر في الحصيلة اللغوية أو الحالة الصحية أو حتى تلك التي تخص المواجهة من أي نوع كانت.
هذا النوع من الضعف يتملكني حين التحاور مع قارئ أو حتى زميل أو صديق أرى أنه يريد أن يثبت أنه يملك الحقيقة كاملة، انطلاقاً من تأويل ضعيف يخلط بين الهدف من الحوار والاستعراض المجاني، وفي حالتنا القائمة انطلاقاً من أن ما تلقّاه هو الصحيح وما لدى الآخرين خاطئ !!.يحدث معي مثل ذلك كثيراً بعد كل مرة أكتب فيها موضوعاً يتطرق إلى حال اجتماعية لها ارتباطات دينية أو عاداتية.
ولعل في المقال الأخير الذي عنون بـ "دباشة شرائية" وقبله "مشايخ الفضائيات" معاناة أكثر من غيرها حين استوقفني أحدهم ناصحاً بأنني أخوض فيما ليس لي به علم... وحسبنا الله ونعم الوكيل!!.
لكن ما ألقاه من بعض قراء آخرين يستحق الإشارة إليه بل وتأمله لأنه يجسد تقديرهم لدور الكاتب والأمانة المناطة به، "وحسبي أن هذا يمنح البدن والعقل كل ما هو ضد الضعف المذكور"، أحدهم أشار إلى أن الفكر أو الرأي المطروح جدير بأن يكون أحد شأنين إما أن تجده مفيداً فتأخذ به وإما أن تجد فيه ما يسرك دون عناء العمل به، وآخر يصيبك بالغثيان وتجنبه أفضل، بعيداً عن التصادم ولي الذراع بأن للحقيقة مكانا واحدا لا تتجاوزه !!.. ويشير هذا القارئ الكريم إلى أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يقرأ وعليه أن يفرّق بين ما يقدم له حتى لا يصاب بالوجع الدماغي !!.
وأقول إن مجتمعنا ما زال في إطار تقييم كل شيء، وكأن معظمه قادر على فعل ذلك، فالرفض قائم لكل ما هو مخالف للمعمول به، والحقيقة موقعها واحد.. لا تحيد عنه!!.. وكأن حمى النفاق لا بد أن ترفض كل مضاد حيوي يريد أن يئدها، والكاتب مثله مثل القارئ يعبر عن هموم مجتمعه، أو وصف حالته القائمة، وقد يصيب، وقد يخفق. وأؤكد أيها القارئ العزيز أن حال الكاتب مثل حالك ذو فضول قرائي يورطه أحيانا بما ليس يستحق أن يقرأ ليصاب بحال من الغثيان، لكن ذلك لا يعني مصادرة رأي الآخر أو محاولة منعه من التعبير عن رأيه، وأحيانا أخرى تجد في ما كتبه أحدهم نبراساً تتمنى تعميمه، بل والعمل به، ولك أن تفرق بين ما تفعله النحلة، وما يفعله الدبور، رغم أن لكليهما الصفات الشكلية نفسها، وأقول كما قال الشافعي رحمه الله " - ألا يمكن أن نكون إخوة؛ وإن لم نتفق في مسألة؟".
وهذا لا يعني أنني أعتذر عما كتبته في مقالة الأسبوع الماضي، وحتى إن لم أكن كذلك فالاعتذار للقراء أمر واجب خاصة أولئك الذين يقيمون الأمور بميزان الإنصاف، لكن وجب القول لمن تصيبهم الكلمات الصريحة بالغثيان الفكري، ممن آثروا إغلاق كل النوافذ المؤدية إلى عقولهم: "لا عزاء للمنغلقين".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي