عقوبات هيئة سوق المال ضربات موجعة في حق المخالفين
التأكيد على وضوح النظام لدى المتعاملين في السوق بالشكل الذي لا يقبل الجدل أو التأويل بأن المخالف لأنظمة السوق ولوائحها سيلقى جزاءه عاجلاً أم آجلاً، متى ما تمكنت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية من التحقق من صحة المخالفة وجمع القرائن والدلائل الثبوتية.
قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية المتمثل في إصدار عقوبات ضد ثلاثة من المتداولين في سوق المال السعودية يعمل في الاتجاه الصحيح, لكونه يعمل على تصحيح مسار السوق والتعاملات المالية التي تتم في داخلها، ولا سيما حين النظر إلى فداحة وجسامة حجم المخالفات التي ارتكبها أولئك المخالفون في حق السوق بوجه عام وفي حق المتعاملين والمستثمرين في السوق بوجه خاص، والتي تمثلت في مخالفتهم الصريحة مضمون ومحتوى وفحوى المادة التاسعة والأربعين من نظام سوق المال، والمادة الثالثة للائحة سلوكيات السوق أثناء تداولهم في أسهم عدد من الشركات المدرجة في السوق، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الشركة السعودية للكهرباء والشركة السعودية للصناعات المتطورة، وغيرهما.
وتجدر الإشارة في هذا الخصوص، إلى أن البند الرابع من الفقرة (أ) من المادة الخامسة لنظام هيئة سوق المال، تعمل على حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو حتى التي تنطوي على الاحتيال أو الغش أو التدليس أو التلاعب، كما أعطت الفقرة (ج)، من المادة نفسها، ولأغراض التحقيق واستقصاء الحقائق، الحق في إجراء جميع التحقيقات التي يرى المجلس ضرورتها لتطبيق أحكام هذا النظام واللوائح والقواعد الصادرة طبقاً لأحكامه، كما منح النظام الحق لأعضاء الهيئة وموظفيها، الذين يحددهم المجلس في ممارسة صلاحيات واسعة لأغراض استيفاء التحقيق والوقوف على المخالفات، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، استدعاء الشهود، وأخذ الأدلة، بما في ذلك، طلب تقديم أي سجلات، أو أوراق أو وثائق أخرى، قد تراها الهيئة ذات صلة أو مهمة لتحقيقها، كما تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنه يجوز للهيئة التفتيش على السجلات وغيرها من المستندات أياً كان حائزها، وذلك بغرض أن تقرر ما إن كان الشخص المعنى قد خالف أو يوشك أن يخالف أحكام هذا النظام، أو اللوائح التنفيذية، أو القواعد الصادرة عن الهيئة. إضافة إلى ما ذكر فقد أوضحت المادتان، التاسعة والأربعون، والخمسون من الفصل الثامن من نظام هيئة السوق المالية، على التوالي المخالفات التي تندرج تحت الاحتيال أو التداول بناء على توافر معلومات داخلية، هذا كما حدد الفصل العاشر من النظام، العقوبات والأحكام الجزائية للمخالفات.
إن الغرض الرئيسي من توضيحي المواد التي تحدد المخالفات في نظام هيئة السوق المالية، بما في ذلك العقوبات والأحكام الجزائية المترتبة على تلك المخالفات، هو التأكيد على وضوح النظام لدى المتعاملين في السوق، بالشكل الذي لا يقبل الجدل أو التأويل، بأن المخالف لأنظمة السوق ولوائحها، سيلقى جزاءه عاجلاً أم آجلاً، متى ما تمكنت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، التحقق من صحة المخالفة، وجمع القرائن والدلائل الثبوتية على ذلك، ولعل ما يؤكد صحة ذلك، ما قد حدث بالفعل، حينما كشفت الهيئة المذكورة أن هناك نوعا من التلاعب في تداول أسهم شركة الكهرباء بتاريخ 24 تشرين الثاني (أكتوبر) 2004، وقيدت تبعاً لذلك التغير في سعر السهم بحدود قصوي صعوداً أوهبوطاً بـ 1 في المائة لبعض الوقت لحين التأكد من صحة المخالفة، وعلى الفور باشرت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية التحقيق في الأمر، وبعد أن أمضت قرابة العام في التحقيق وفي تقصي الحقائق والتأكد من القرائن والدلائل، استصدرت الهيئة قرارها بإدانة المخالفين الثلاثة لنظام السوق وأصدرت تبعاً لذلك العقوبات اللازمة في حقهم، المتمثلة في منعهم من العمل في الشركات المدرجة محل ضبط المخالفة، وكذلك منعهم من أن يكونوا أعضاء في مجالس إداراتها لمدة ثلاث سنوات، هذا إضافة إلى تغريم المتداول الأول مبلغ 146.666.629 ريالا، وتغريم المتداول الثاني مبلغ 17.172.672 ريالا، وتغريم المتداول الثالث مبلغ 169.199.169 ريالا.
تعقيباً على مدى تأثير العقوبات التي أقرتها هيئة سوق المال في حق المخالفين الثلاثة للنظام في السوق وبالذات فيما يتعلق بالتعاملات التي تتم في داخلها، أجرت معي قناة تلفزيون CNBC العربية لقاء أثارت خلاله العديد من الأسئلة والاستفسارت الجيدة، التي تدور حول الموضوع نفسه، وبتحديد أكثر تساءلت القناة المذكورة عن مدى تأثير مثل تلك العقوبات في أداء سوق المال السعودية، وهل مثل هذه المخالفات باتت بالفعل خطراً يعكر صفو سوق الأسهم السعودية؟ وكيف تؤثر تلك المخالفات المرتكبة في أداء السوق، وما آثار تلك الغرامات المالية التي توقعها هيئة سوق المال على المخالفين أنفسهم؟ ولعلي لا أجد أفضل من خاتمة لمقالي هذا سوى أن أعيد باختصار شديد جداً إجابتي عن تلك الأسئلة، التي هي أن مثل هذه العقوبات تدلل بشكل قاطع على يقظة هيئة سوق المال السعودية في تعقب المخالفين للأنظمة والسلوكيات التي تحكم التعاملات السليمة والنزيهة في تلك السوق، كما أنها تؤكد أيضاً أن الهيئة المذكورة لن تتوانى ولو للحظة واحدة في تطبيق العقوبات الصارمة والرادعة في حق المخالفين، وذلك في حالة اكتشافها أي نوع من أنواع الممارسات غير المشروعة وغير النظامية، التي تنطوي على التلاعب والاحتيال، وذلك وفقا للمادتين 49 و50 من نظام هيئة السوق، الأمر الذي سيعمل, بإذن الله تعالي, في نهاية المطاف على حماية مقدرات السوق المالية من أن تكون عرضة للممارسات غير القانونية أو غير النظامية، إضافة إلى أن ذلك سيحقق الأمن والأمان والاطمئنان المالي المأمول والمنشود للمتعاملين والمستثمرين في السوق، وبالله التوفيق.