Author

نظام مكافحة الغش التجاري والمحاكم التجارية المتخصصة

|
نشرت جريدة "الاقتصادية" في عددها الصادر يوم الإثنين 24 من ذي الحجة 1426هـ أن مجلس الشورى قد أقر مشروع نظام مكافحة الغش التجاري, الذي سيحل بعد إصدار النظام الخاص به محل نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م /11 ) وتاريخ 29 /5/1404هـ (والذي حل محل النظام الصادر في 14/8/1381هـ), حيث يهدف إلى الردع والحد من عمليات الغش التجاري وخاصة تلك التي تنعكس بالضرر المباشر على صحة الإنسان, كما سيسهم - مع غيره من الأنظمة - في دعم عضوية المملكة التي تمت أخيراً في منظمة التجارة العالمية. ومن أهم ميزات مشروع النظام الجديد أنه يحدد حالات معينة للغش التجاري, ويعطى دوراً وصلاحيات واسعة لموظفي وزارة التجارة والصناعة في متابعة حالات الغش التجاري, ونص على حوافز معينة لهم تصل إلى 25 في المائة من قيمة المواد المغشوشة التي يتم ضبطها؛ كما نص على منح مكافآت معينة لكل من يقوم بالتبليغ عن عمليات الغش التجاري وحماية المستهلك. ويتميز النظام الحالي عن سابقه بما استحدثه من أحكام جديدة موضوعية وإجرائية, اقتضتها الأوضاع الاقتصادية والتجارية والاجتماعية في البلاد, فجرّم أساليب جديدة من الغش التجاري لم تكن مجرمة في ظل النظام السابق, وشدد العقاب على بعض صور الغش التجاري تشديداً يواجه ويقابل التطور الذي طرأ عليها, ونص على إجراءات معينة لكشف المخالفات ومتابعتها, وحدد اختصاصات ممثلي السلطة العامة المنوط بهم تطبيق أحكامه, وكيفية إحكام الرقابة على السلع الخاضعة لأحكامه, فمنحهم الصلاحيات اللازمة لحسن أدائهم لأعمالهم بما يكفل تحقيق الفاعلية والسرعة في ضبط جرائم الغش التجاري التي تتفق وخطورة هذا النوع من الجرائم. وقد أقام النظام توازناً بين اعتبارات تحقيق العدالة واعتبارات السرعة التي يتطلبها هذا النوع من الجرائم, فوازن بين مصلحة المجتمع في الإسراع بتوقيع الجزاء على كل من تُسول له نفسه ارتكاب جرائم الغش التجاري من ناحية ومصلحة المتهم في كفالة حقه في الدفاع وفي تمكينه من إثبات براءته إن كان بريئاً من ناحية أخرى. وفي إطار هذه الأهداف وضع مشروع النظام الجديد, حيث روعي فيه ذات الاعتبارات السابقة, ولكنه تضمن فضلاً عن ذلك فرض عقوبات صارمة يتم توقيعها على كل من يثبت ارتكابه مخالفات تتعلق بخداع المستهلك أو محاولة الشروع في خداعه باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات للفحص مزيفة أو مختلفة أو استعمال البائع طرقاً ووسائل من شأنها جعل عملية فحص المنتج غير صحيحة أو كان المنتج المغشوش أو الفاسد أو المواد المستعملة في غشه مضرة بصحة الإنسان أو الحيوان. ويتميز مشروع النظام بأنه حدد الأشخاص الذين تُعهد إليهم مهمة ضبط مخالفات أحكامه وإثباتها وهم موظفو وزارة التجارة والصناعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للغذاء والدواء. ومما لا شك فيه أن الأخذ بمبدأ تخصص سلطة الضبط والتحقيق في الجرائم الاقتصادية بصفة عامة يفيد في إضفاء صفة الضبط الجنائي على موظفين يتوافر لديهم قدر من الخبرة الفنية في مجال الجرائم التي يختصون بضبطها, وهو أمر لا يتوافر بالضرورة لرجال الضبط الجنائي ذوي الاختصاص العام بضبط الجرائم كافة. ومن ثم فالحاجة إلى التخصص الدقيق فيمن يُعهد إليهم البحث والتحري عن الجرائم الاقتصادية آتية من أن اكتشاف هذا النوع من الجرائم وجمع الاستدلالات عنها والتحقيق فيها يتطلب خبرة ومعرفة بالتنظيم الصناعي أو التجاري أو الزراعي. ولم يكتف مشروع النظام بذلك بل أسند مهمة المحاكمة عن جرائم الغش التجاري إلى موظفين متخصصين. وهذا يتفق مع الاتجاهات الحديثة في القانون المقارن نحو الأخذ بالتخصص في المحاكم. وهو ما يتجه إليه المنظم السعودي حيث سبق أن أعلن عن الاتجاه نحو إنشاء محاكم استئنافية ومحاكم متخصصة. مما يدعونا إلى التساؤل عن مدى إمكانية إنشاء محاكم تجارية متخصصة, تتولي - من بين اختصاصاتها - الفصل في جرائم الغش التجاري. فنرى أن فاعلية مشروع نظام مكافحة الغش التجاري لا يمكن أن تتحقق على النحو المطلوب ما لم تُسند مهمة تطبيقه إلى محاكم تجارية متخصصة, يراعى في تشكيلها أن تضم عدداً من القضاة المتخصصين, مما سيكفل تحقيق العدالة. كما نرى ضرورة أن يتطرق إليها مشروع النظام أو لائحته التنفيذية إلى مسألة تعويض المضرور من جرائم الغش التجاري, حيث إن هذا النوع من الجرائم بطبيعته يترتب عليه ضرر يلحق بالأفراد, كالمشتري للسلعة المخدوع أو الذي تضرر من استهلاك السلعة المغشوشة أو الفاسدة, أو المنتج للسلعة الذي اعتدى على حقه في الملكية أو في احتكار إنتاج السلعة. ومن المعلوم أن النظام الحالي ولائحته التنفيذية لم ينصا على حق المضرور من جرائم الغش التجاري في المطالبة بتعويضه عما لحقه من أضرار بسببها. ولهذا نرى أهمية أن يتضمن مشروع النظام الجديد أو لائحته التنفيذية تنظيماً لهذا الموضوع ولا سيما أن هناك بعض الأنظمة التعزيرية في المملكة قد قررت صراحة الدعوى المدنية للمضرور من الجريمة مثل نظام العلامات التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 4/5/1404هـ الذي ينص في مادته 54 على أنه: "يجوز لكل من أصابه ضرر نتيجة ارتكاب إحدى المخالفات المنصوص عليها في هذا النظام أن يُطالب المسؤول عن هذه المخالفة بالتعويض المناسب عما لحقه من ضرر..", وهذا ما أخذت به كذلك المادة 119 من نظام الأوراق التجارية.
إنشرها