الاستثمار العقاري وهجرة رؤوس الأموال

يعتبر الاستثمار العقاري من أهم القنوات الاستثمارية ذات العوائد المجزية لمختلف الشركاء سواء المستثمرون أو المطورون أو المساهمون أو المدينة بشكل عام, ومفهوم الاستثمار العقاري هو ما يرتبط بتطوير الأرض والبناء عليها وتوفير مختلف الخدمات والمرافق بها وليس بتقسيمها وبيعها أراضي مخططة فضاء.
يدور اليوم حديث حول هجرة رؤوس الأموال العقارية بسبب الإجراءات التنظيمية التي يتم اعتمادها, ومنها نظام المساهمات العقاري الأخير وكيف أن مثل هذا النظام سوف يؤدي إلى هجرتها إلى الخارج, وهذا المفهوم الخاطئ تعريف الاستثمار العقاري هو أساس الخلل الذي تعيشه التنمية في المملكة.
إن الاستثمار العقاري اليوم في المملكة لا يتجاوز كونه تقسيمات للأراضي وتوفير بعض الخدمات الأساسية والبسيطة بها, ولا يرقى إلى المفهوم الحقيقي للتطوير العقاري المتمثل في إنشاء المشاريع وما يصاحبها من نهضة عمرانية وتطور معماري ينعكس على أرض الواقع من خلال نوعية المشاريع التي تقدم وما توفره من فرص عمل حقيقية, ولا يكون الهدف الحقيقي للمطور هو بيع الأراضي المقسمة غير المطورة.
إن هجرة رؤوس الأموال العقارية التي تتم الإشارة إليها والتذكير بها في كل مناسبة هي هجرة وهمية خصوصاً في موضوع التنمية العمرانية, لأنني لم أسمع حتى اليوم أن هناك من أخذ أرضه وهاجر بها إلى إحدى الدول المجاورة أو غير المجاورة, ولهذا فإن حجة أن الأنظمة هي المنفرة لرؤوس الأموال حجة واهية, حقيقة أن أي نظام يحتاج إلى المراجعة والتطوير بما يخدم متطلبات التنمية وتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة إلا أن الادعاء بأن مثل هذا النظام أو ذاك سبب لمثل هذه الهجرة العقارية فموضوع يحتاج إلى المراجعة والتصحيح.
حقيقة لم أر أي مشروع ذي استثمار عقاري متكامل كما هو الحال في دول الجوار تم التقدم به ولم يجد الاهتمام به وتبنيه, أما فكرة تقسيمات الأراضي وبيعها كأراض فهي ما ترتكز عليه التنمية العقارية اليوم في المملكة والتي أرجو من الله أن ينتهي زمانها في القريب العاجل ويجعل استثمارنا العقاري في إيجاد المشاريع العمرانية المتكاملة التي تحقق النمو والتنمية العمرانية السليمة والمناسبة.

نرى العديد من الإعلانات عن المساهمات العقارية وما يصاحبها من رسومات معمارية وأشكال عمرانية لمبان يتم إيضاحها مع الإعلانات تعطى للقارئ لإيحاء أن هذه المساهمة سوف تقوم على إنشاء مثل هذه المشاريع المهمة والحيوية ويرتبط في الذهن تلك الصورة الجميلة للمشروع محل المساهمة ثم تنعكس تلك الصورة بشكل سلبي على المواطن والمدينة لأن ما رآه في الإعلانات لا يعدو تصورا تخيليا لمكتب الدعاية والإعلان للمساهمة وليس هو المشروع الحقيقي في أرض الواقع, ولهذا يعتقد الجميع وللأسف أن عدم الموافقة على اعتماد المخطط هو عدم الموافقة على هذا المشروع العظيم ولا يعلم أن عدم الموافقة هو على مخطط تقسيمات الأراضي, هذا النظام الذي لم يعد معمولا به في العديد من دول العالم صغيرها وكبيرها وأن أكثر دول العالم تعمل اليوم من خلال تطوير المشاريع العقارية المتكاملة التي تشمل الإنشاء والتطوير.
إن ما نراه اليوم من إعلانات عن مشاريع تقوم بأموال سعودية في بعض دول الخليج, هي مشاريع إنشاء وليست تقسيمات أراض, ولهذا فإن مثل هذه المشاريع هي التي نحتاج إلى أن نراها في المملكة وتستحق منا جميعاً الدعم والمؤازرة وليس ما هو جار الآن من تقسيمات للأراضي فقط.
إن القراءة المتأنية للسوق العقارية السعودية توضح بما لا يدع مجالا للشك أن مستقبل التنمية العقارية مستقبل واعد وأن هناك توجها قويا للعودة إليه بعد استراحة المحارب التي عاشت خلالها فترة الاستثمار في أسواق الأسهم السعودية والخليجية وغيرها, إلا أن هذه العودة إذا كانت بروح المرحلة السابقة نفسها والتي اعتمدت كما قلت سابقاً على مفهوم تقسيمات الأراضي وبيعها فقط فإنها عودة لن تضيف شيئاً جديداً إلى مستقبل العمران في المملكة ولن تستطيع الشركات العقارية صاحبة هذه الفكرة تحقيق الاستثمار الحقيقي وسوف تكون الفرصة والمنافسة الحقيقية للشركات العقارية ذات الرؤية التنموية التي تعتمد على متطلبات السوق التنموية سواء ما يرتبط بمتطلبات الشركات العالمية أو متطلبات السوق المحلية والسكان من مشاريع مختلفة, هذه العودة تتطلب العديد من المتغيرات الأساسية في المنهج والنظام والأنظمة والقيادات التنموية العامة والخاصة, ولعل من أهمها:

أولا: إعادة النظر في الأنظمة والتشريعات وإعطاء المزيد من الصلاحيات في تطويرها وتبنيها وتنفيذها.
ثانيا: الاستعانة بالكفاءات الإدارية التنموية القادرة على اتخاذ القرار وتفعيله بدلاً من القيادات الانقيادية التي لا تقدم جديدا وتنتظر التوجيه في كل صغيرة وكبيرة.
ثالثا: دعم تطوير شركات التنمية العمرانية ودفعها للعمل في مجال التنمية العقارية التي تتطلبها المرحلة القادمة بدلاً من المنهج القديم.

ولن أجد خير دليل على ذلك من تجارب الدول المجاورة وكيف أن بعضها تطورت بشكل مذهل خلال سنوات بسيطة وأصبحت شعوبها تنعم بخير التنمية وعطائها واستغنت عن مد اليد أو الأخذ بالحرام وعكسها دول ما زالت بعد آلاف السنين تعيش في تخلف تنظيمي وتطويري ومعيشي والله من وراء القصد.
وقفـــة تأمـــــل:
"جاء رجل يسأل الإمام: يقول لقد زنيت بامرأة, وقد حملت مني بالحرام, قال له الإمام: لماذا جعلت العقوبة عقوبتين, عقوبة الزنا وعقوبة الحمل, لماذا لم تعزل عنها حتى لا تبوء بإثم الولد فوق إثم الزنا, قال: لقد بلغني أن العزل مكروه قال له: سبحان الله بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغك أن الزنا حرام".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي