منتدى الرياض الاقتصادي.. آمال وتطلعات (1 من 4)
أقيمت فعاليات وأنشطة منتدى الرياض الاقتصادي الثاني في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات خلال الفترة من 2 ـ 4 ذي القعدة 1426هـ, بحضور مشاركة غير معتادة في المنتديات, من قبل القادة الاقتصاديين والإداريين والمهتمين بالشأن الاقتصادي في المملكة, على مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم, وتناولت البحوث والحوارات محاور رئيسة تمثل مختلف الشؤون, كالشفافية والمساءلة, وجاهزية القطاعات الاقتصادية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية, وتطوير العلاقة بين القطاعين العام والخاص, وواقع ومستقبل القوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص, والمساهمة الاقتصادية للمرأة, ومناطق الصناعات التقنية, والسكك الحديدية, والطرق والموانئ.
وسأتناول في مقالي هذا بعض الشؤون المتعلقة بالإعداد والتنظيم ومستوى الطرح والحوار, وما أرى من ملحوظات في هذه الجوانب قد تضيف حُسنا إلى الصورة المتميزة التي ظهر بها المنتدى, وأبرزت بجلاء مستوى الجهود الكبيرة التي قامت بها الغرفة التجارية الصناعية في الرياض, وهي الجهة التي قامت بتنظيم المنتدى الأول, وفي مقالات لاحقة سوف أتناول بعض هموم المواطن العادي المتصلة ببعض محاور المنتدى, وما يعلقه من آمال على مثل هذه اللقاءات انطلاقا من كونه هو المستهدف بالتنمية الاقتصادية المستدامة, وهو ركيزتها ومحورها, وأن الأمر لا يتوقف على حوارات بين الحكومة وقطاع الأعمال تنصب على تحقيق مطالب محددة لفئة دون أخرى, وإنما هو صياغة جديدة لمفهوم الشراكة, والتفاعل والاندماج بين الأطراف الثلاثة: الحكومة, القطاع الخاص, والمواطن العادي, لإعادة قولبة مفهوم التنمية في صورة يجد فيها المواطن نفسه وقد غدا شريكا فاعلا في عملية التنمية لا متفرجا عليها, ومتلقيا لسلبياتها.
إن المواطن العادي في أرجاء المملكة كافة ينبغي أن يكون محور اللقاءات والحوارات المتعلقة بالشأن الاقتصادي, إذ لا جدوى مما يطرح إذا لم يستهدف توفير الحد الأدنى من رفاهية المواطن, والرقي بأسلوب حياته اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
الوضع العقاري مُغيّب
لقد لاحظت أن الوضع العقاري قد غاب عن محاور المنتدى, رغم ما يستأثر به هذه الأيام من اهتمامات لا تخلو من ترقب وقلق لما قد يفرزه من سلبيات ناشئة عن انحسار النهضة العمرانية, وتباطئها, تتمثل في النقص الملحوظ في المخزون الاحتياطي من الوحدات السكنية والمكتبية. وهو ما بدأت آثاره تظهر في صورة ارتفاع في الإيجارات سوف يعاني منه المواطن والمستثمر على حد سواء, فضلا عن ارتفاع معدل التضخم, وإحداث تشوهات في البنية الاقتصادية, وأحسب أن تغييبه ـ أي وضع العقار ـ قد قصد منه أن محورا واحدا قد لا يكفي لإيفائه, ما يستحقه من البحث, وأن الأيام المقبلة ستحمل أنباء عن تنظيم ندوات خاصة حوله.
إن السبب الرئيسي لما هو حاصل في سوق العقار وفي حركة البناء بالذات معروف, وهو تحول معظم الاستثمارات إلى سوق الأسهم, في تسابق محموم لم تقتصر آثاره على قطاع العقار فحسب, الذي وصل الأمر فيه إلى صرف النظر, وإيقاف العديد من المشاريع, والخلاصة أن الوضع بحاجة إلى وقفة جادة لتأمل آثاره وانعكاساته السلبية على الوضع الاقتصادي, ومحاولة تبني بعض الحلول للتقليل من آثاره.
التنفيذ هو الأهم
لقد أظهر الحوار أنه كان هناك بطء في تنفيذ التوصيات التي صدرت عن المنتدى الأول رغم مرور سنتين عليها, ولم يقتصر الأمر على ذلك, بل إن بطء التنفيذ أو انعدامه, قد امتد إلى قرارات حكومية واضحة, موجهة إلى وزارات وأجهزة الدولة, ومنها ما ربط التنفيذ بمدة محددة انقضت, دون أن يحدث شيء, وإذا كان هذا يحدث لقرارات حكومية من أعلى مستوى, فإن التفاؤل بتنفيذ توصيات المنتدى قد يخبو ما لم تكن هناك متابعة جادة, والمرجو ألا يكون من بين أهداف إقامة مثل هذه اللقاءات تجميل الصورة, وإزاحة الهموم, والإبهار إعلاميا, وربما قذف الكرة في الملعب الحكومي.
إن القارب الذي يحملنا في رحلة الصيد المضنية, المملوءة بالتحدي والمغامرة, في بحار مضطربة, هائجة, مائجة, حري به أن يكون محط اهتمام الجميع وعنايتهم, لضمان سلامته, وتجنيبه العواصف والأمواج العاتية, وتوجيهه الوجهة السليمة للحصول على صيد وفير, يكفي للتوزيع على من فيه بالعدل والسوية.
إنشاء أمانة دائمة
لضمان تنفيذ أكبر قدر من توصيات المنتدى, فإن الأمر يستدعي إنشاء أمانة دائمة تتولى متابعة التوصيات التي ترفع عادة إلى القيادة العليا وما يصدر بشأنها من قرارات وأوامر بتبني شيء منها, وتبليغه إلى الجهات الحكومية المعنية بالتنفيذ, كما يكون من مهمات الأمانة قيادة الجهود والاستعدادات للمنتديات المقبة, يؤيد هذا المطلب ما نوه عنه رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية الأستاذ عبد الرحمن الجريسي, في ختام المنتدى, من أن الغرفة ستستمر في إقامته كل سنتين, مع وعد بتحويله إلى مؤسسة فكرية اقتصادية.
ملحوظات تنظيمية
نوهت سابقا بالجهود غير العادية التي بذلت في الإعداد والتنظيم والإدارة لهذا المنتدى, وأعود من جديد لتأكيدها هنا, والتنويه بأن الملحوظات التي سأسوقها لا تقلل من تلك الجهود, بل تتلاقى معها في السعي لكي تكون الصورة أكثر تكاملا, تميزا, إشرافا, وتأثيرا.
وقت المناقشة قصير
إن الوقت المخصص للنقاش العام بين الحضور من جهة, والمحاورين من الجهة الأخرى, ليس كافيا لتغطية الحد الأدنى من المداخلات, لجعل النقاش ثريا, ومثريا, ومثيرا, يضاف إلى ذلك عدم مراعاة بعض المتدخلين الوقت المحدد للمداخلة من قبل رئيس الجلسة, الأمر الذي يضطره أحيانا للتدخل لوقف الاسترسال.
إن أحد الأهداف المهمة لمثل هذه الحوارات, هو معرفة مدى تفاعل الحضور مع البحوث المقدمة, وتعاملهم معها, ومدى توافقهم مع النتائج التي توصلت إليها, وما يضيفونه إليها من رؤى مستمدة من الواقع, ومن ثم فإن الأمل كبير في أخذ هذه الملحوظة في الاعتبار في المستقبل.
منح الإذن بالكلام
اختلف أسلوب منح الإذن للمداخلين بأخذ الكلمة من قبل رؤساء الجلسات, فمنهم من انتهج أسلوبا انتقائيا في منح الفرصة للمتحدث, بحيث تأثر هذا الأسلوب إما بمعرفة سابقة بالمتحدث, أو بمكان جلوسه من القاعة, بحيث حظي الأقرب إلى موقع الرئاسة بالفرصة أكثر من غيره. ومنهم من انتهج أسلوبا أكثر عدلا حين طلب من كل من يرغب المداخلة إرسال ورقة باسمه ورغبته, وهذا هو الأسلوب المفضل لتحقيق التوازن والعدل, وضمان مشاركة شرائح متنوعة من الحضور, خاصة عندما يعقد مثل هذا اللقاء في قاعة ضخمة كقاعة الملك فيصل للمؤتمرات, قد يحول اتساعها دون رؤية كل رافعي الأيدي!
أخيرا, فإن البعض كان يرتعش من البرد من جراء برودة القاعة, ويبدو أن ذلك أيضا حال دون تدفق الكلام والمشاركة من البعض,. رغم رجاءاتنا المتكررة للإخوة المنظمين بتخفيف البرودة, ورغم أن الأمر في حد ذاته مسألة اقتصادية تتوافق مع ما كنا نتحاور فيه.
والله من وراء القصد.
كاتب في الشأن العام
فاكس: 4705374