منافذ: في انتظار يناير

من الآن وحتى نهاية الشهر المقبل، عندما يلتئم وزراء النفط الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، وقت طويل. وإذا كان الأسبوع في عالم السياسة وقتا طويلا كما يقول الزعيم العمالي البريطاني الأسبق هارولد ويلسون، فإن الأمر كذلك في عالم النفط، حيث يتدافع الكثير من العوامل التي تلقي بثقلها للتأثير على الأسعار وعلى سياسات الإنتاج.
الوزراء الذين اجتمعوا في الكويت أخيرا علقوا العمل بمقترحهم الكريم القاضي بجعل مليوني برميل يوميا، هي أقصى ما يملكون من طاقة إنتاجية فائضة، متاحة أمام المستهلكين. والسبب الرئيسي يعود إلى أن تلك الكميات لم تجد بائعا في المقام الأول. وهكذا وبعد تجربة ثلاثة أشهر أثبتت "أوبك" أنها قادرة على تحمل المسؤولية، وأن أحدا لم يعد خالي الوفاض في بحثه عن إمدادات نفطية.
الاجتماع التالي الذي حدد له الحادي والثلاثين من كانون الثاني (يناير) يأتي بعد أكثر من ستة أسابيع من الاجتماع الأخير، وحيث يفترض أن تكون الصورة قد اتضحت فيما يخص فصل الشتاء، الذي يفترض أن يكون قطع نصفه حتى ذلك الوقت، وكذلك حجم الطلب ومعدلات الأسعار. كما أنه سيأتي قبل شهرين من بداية فصل الربيع وذوبان الثلوج، بكل ما لذلك من انعكاسات على الطلب ومن ثم على الأسعار.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية استبقت اجتماع الوزراء من خلال تقريرها الخاص بتوقعاتها قصيرة الأمد، وتوصلت فيها إلى احتمال أن يراوح سعر الخام الخفيف من نوع وست تكساس الأمريكي في حدود 63 دولارا للبرميل من 57 دولارا لهذا العام. الوكالة أرجعت هذا السيناريو المتفائل إلى عدة عوامل على رأسها استمرار النمو في الطلب، وعدم توسع حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى "أوبك" بصورة كبيرة، إذ ترى أنها يمكن أن تضيف لها مليون برميل خلال العام المقبل لتراوح بين مليونين ومليونين ونصف المليون برميل يوميا. هذا إضافة إلى العوامل الأخرى المؤقتة مثل تلك المتعلقة بالطقس أو الأعاصير أو التوترات السياسية والأمنية في بعض الدول المنتجة.
البيان الختامي لـ "أوبك" أعلن عن التزام المجموعة بالقيام بكل الخطوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار في السوق وعلى هيكل الأسعار في معدلات معقولة، والالتزام الأخير هو مربط الفرس الذي يحتاج إلى المزيد من الخطوات المدروسة لتحقيقه.
القرار بعقد اجتماع قبل شهرين من بداية الربع الثاني من العام يعطي فرصة للإعداد لما يمكن أن يكون عليه وضع الطلب وقتها، لكن أي قرار سيظل بحاجة إلى مؤشر يستند إليه، وهي الخطوة التي تتعلق بالنطاق السعري الذي ترغب فيه "أوبك"، ويمكن على أساسه تحديد حجم الضخ والإمدادات النفطية إلى السوق.
فترة العامين الماضيين كانت مريحة للمنظمة من ناحية أنها كانت تنتج بأقصى ما لديها من طاقة إنتاجية في معظم الأحوال، وهو ما أسهم في تعاظم مداخيلها المالية، وأهم من هذا كله أن الدول الأعضاء لم تكن مطالبة باتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق بتحديد معدل الأسعار الذي يرغبون فيه أو تحديد حصص إنتاجية لذلك الغرض.
ولا يستبعد الكثير من مراقبي تطورات السوق وتحركات الدول الأعضاء أن التعمية فيما يخص معدل الأسعار كانت مطلوبة، لأنها تبعد الدول الأعضاء عن مناطق نزاعات ليست هناك ضرورة ملحة للدخول فيها.
على كل لا تزال الفرصة متاحة للوصول إلى تفاهمات تستفيد من حالة الاسترخاء التي تعيشها السوق والدخول العالية التي تحققت للدول الأعضاء، وذلك بهدف تحديد نطاق سعري جديد يمكن أن يلبي حاجيات الأعضاء المالية ويتواءم مع واقع السوق وفي الوقت ذاته الذي لا يشكل خطورة فيما يتعلق بدفع المستهلكين للبحث عن بدائل أخرى للطاقة أو يسهم في إيجاد حالة من الكساد الاقتصادي.
التداول يجري في الوقت الحالي حول سعر يراوح بين 40 و50 دولارا للبرميل، ولو أن البعض يرى أن امتصاص الاقتصادات العالمية للأسعار المرتفعة خلال العامين الماضيين يجعل من اليسير تحديد رقم أعلى يساعد موازنات المنتجين ويعطيهم الفرصة للإنفاق على برامج توسعة الطاقات الإنتاجية للعديد من الدول الأعضاء في "أوبك".
خلال الفترة الماضية سجلت "أوبك" حضورا ملحوظا لجهة تعاملها مع المستهلكين، خاصة فيما يتعلق بطمأنة السوق وتوفير كل ما يحتاج إليه المستهلكون من إمدادات، وهو ما يضع الأساس لحوار ثرّ يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية فيما يتعلق بعلاقات الطرفين، ولو أن الضبابية التي تتعلق بوضع الطلب يجعل من العسير الوصول إلى تقديرات دقيقة حول ما ينبغي على المنتجين فعله.
على أن نجاح هذا الحوار حتى لو اتضحت الصورة الخاصة بوضع الطلب ستعتمد على ترتيب البيت الداخلي لـ "أوبك" واتفاق الأعضاء على موجهات رئيسية على رأسها النطاق السعري الذي يمكن أن تستهدفه سياسات الإنتاج وبصورة عامة العلاقة مع المستهلكين. وحبذا لو استغلت حالة الاسترخاء التي تعيشها السوق في الوقت الحالي لتحقيق اختراق يستند إلى إرادة سياسية ورؤية جماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي