قيمة النفط والوضع القانوني لـ "أوبك"
يفرق فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون بين القيمة والثمن, فقيمة الشيء هي ما يساويه بين الناس, أما الثمن فهو ما تراضى عليه المتبايعان مقابلا للمبيع سواء أكان أكثر من القيمة أم أقل أم مساويا.
والمتابع لمراحل أسعار النفط يجد أن ثمن بيعه كان دائما أقل بكثير من قيمته الحقيقية كمورد ناضب لا يتجدد وسلعة استراتيجية وضرورية ليس لها حتى الآن بديل منافس منافسة خطيرة. ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا الشأن نشير إلى محاضرة ألقاها الخبير النفطي الدكتور أنس بن فيصل الحجي في مركز الخليج للأبحاث في دبي, ونشرت جريدة "الشرق الأوسط" مقتطفات منها في عددها الصادر في يوم الأحد 25 شوال 1426هـ الموافق 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005, حيث لفت نظري أمران في هذه المحاضرة, الأمر الأول المقارنة التي أجراها الدكتور الحجي بين سعر برميل النفط وسعر زجاجة صغيرة من العطر الفرنسي, حيث أوضح أن زجاجة العطر الفرنسي الصغيرة تساوي حاليا 50 يورو, ما يساوي تقريبا سعر برميل واحد من النفط, وأنه في حال تراجع سعر صرف الدولار مقابل اليورو ليصبح مثلا الدولار يساوي نصف يورو فإن زجاجة العطر الصغيرة ستساوي سعر برميلي نفط, هذه المقارنة الطريفة توضح بجلاء مدى رخص النفط على الرغم من أنه مورد ناضب غير متجدد وسلعة استراتيجية لا غنى عنها, وتزداد قيمة النفط بخسا إذا أضفنا إلى معلوماتنا قول الخبير النفطي إنه رغم ارتفاع أسعار النفط حاليا إلى مستويات قياسية إلا أن القيمة الحقيقية لبرميل النفط خسرت حوالي 45 في المائة من قيمتها التي كانت عليها في أوائل الثمانينيات, حيث بلغت أسعار النفط مقدرة بقيمة الدولار في بداية الثمانينيات 61.75 دولار للبرميل في عام 1981 بينما بلغت أقل من 35 دولارا للبرميل في عام 2004, كما أن الإيرادات الحقيقية لدول "أوبك" في عام 2004 مثلت ثلثي إيراداتها في عام 1980, إذ بلغت إيرادات "أوبك" 556.2 مليار دولار عام 1980 مقدرة بسعر الدولار في عام 2004, بينما وصلت الإيرادات إلى 388.4 مليار دولار فقط في عام 2004. وأضاف الدكتور الحجي قائلا "إن الوضع الآن أسوأ مما تصوره هذه الأرقام لأن إنتاج "أوبك" عام 2004 كان أعلى مما أنتجته في عام 1980 بأكثر من 5.5 مليون برميل يوميا".
ولعل من المفيد هنا أن أشير إلى أن الدكتور أنس الحجي سبق أن ذكر في مقاله المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 8/11/2005 أنه على الرغم من وصول أسعار النفط الخفيف إلى 70 دولارا للبرميل في الأسواق الأمريكية فإن عائدات كل دول "أوبك" (11 دولة بما فيها السعودية) عام 2005 تمثل 3 في المائة فقط من الناتج المحلي الأمريكي.
ولعلي لا أتجاوز الصواب إذا قلت إن الاعتقاد أن قيمة النفط مبخوسة يزداد تأكيدا إذا أضفنا إلى ما قاله الدكتور أنس الحجي, الحقيقة المعلومة للكافة وهي أن الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط تحقق إيرادات من الضريبة على النفط أكثر مما تحققه الدول المنتجة من بيع النفط الخام, ويقدر بعض الخبراء الضرائب على النفط في أوروبا بأنها تصل في المتوسط إلى نحو 68 دولارا للبرميل, مما يعني أن الدول الأوروبية تستحوذ على نحو 85 في المائة من الريع النفطي. وتبعا لذلك فإن المسؤولية عن ارتفاع أسعار المنتجات النفطية للمستهلك النهائي تقع على عواتق الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط التي مازالت تصر على مغالاتها في فرض الضرائب على النفط. ولقد دعت دول "أوبك" الدول الصناعية المستوردة للنفط في العديد من المناسبات والمحافل الدولية إلى تخفيض هذه الضرائب, ولعل أحدث هذه الدعوات التي صدرت في الآونة الأخيرة دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, التي جاءت في خطابه الذي ألقاه يوم السبت 17 شوال 1426هـ الموافق 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 بمناسبة افتتاح مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض, حيث طالب الملك عبد الله الدول الرئيسية المستهلكة للنفط بأن تخفف العبء عن مواطنيها بخفض الضرائب على المنتجات النفطية إذا ارتفعت أسعار النفط.
والأمر الثاني الذي يلفت النظر في محاضرة الخبير النفطي الدكتور أنس الحجي قوله إن "أوبك" هي مجرد ناد ولا يمكن النظر إليها باعتبارها منظمة, وإنه لا يؤمن ولم يؤمن أبدا أبدا بأن "أوبك" منظمة وهي لن تكون أبدا منظمة (إنها ناد لمنتجي النفط يلتقون في إطاره دوريا, ودور "أوبك" يظل رهين دور السعودية وحين نتحدث عن تأثير "أوبك" فإننا نتحدث في الواقع عن تأثير المملكة العربية السعودية).
وهنا لنا وقفة للتعليق على ما قاله الدكتور الحجي بخصوص "أوبك" فنقول إنه يجب عدم الخلط بين دور "أوبك" ووضعها القانوني, فدور "أوبك" يختلف من حيث النوع والتأثير باختلاف الظروف الدولية وأوضاع السوق النفطية العالمية, فمثلا دورها في مرحلة الستينيات إبان سيادة عقود الامتياز وسيطرة شركات النفط العالمية على صناعة النفط في الدول النامية يختلف عن دورها في السبعينيات عندما استطاعت الدول الأعضاء البدء في السيطرة على مواردها النفطية بتطبيق نظام المشاركة مع شركات النفط العالمية, وكذلك مشاركة الدول الأعضاء هذه الشركات في عملية تسعير النفط ثم بدأت "أوبك" مرحلة جديدة عندما استطاعت الدول الأعضاء الانفراد بقرار التسعير عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973, ثم دخلت "أوبك" في مرحلة أخرى عندما أصبح سعر النفط يتحدد وفقا لقانون العرض والطلب وتركز دورها حول تحقيق سعر مناسب لمنتجاتها النفطية. ومن المفارقات الجديرة بالذكر في هذا الصدد أن "أوبك" التي كانت تكافح من أجل وقف تدهور أسعار النفط منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن العشرين حتى بداية القرن الحادي والعشرين, بذلت في السنتين الأخيرتين كل ما في وسعها من أجل كبح أسعار النفط من مواصلة الارتفاع فزادت الإنتاج حتى وصل العرض إلى أقصى حد إلى درجة أن المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية صرح أنه لا يوجد مشترون للاستفادة من عرض "أوبك" بإتاحة مليوني برميل يوميا من النفط الفائض في الأسواق لأن مصافي التكرير لم تبد الرغبة في شراء مزيد من النفط الخام نظرا لأنها تعمل بالفعل بأقصى طاقتها. وعلى الرغم من أن أسعار النفط تراجعت تدريجيا بعد انتهاء الأعاصير المدمرة في خليج المكسيك وزوال القلق بشأن إمدادات وقود الشتاء إلا أن تصريحات المسؤولين في بعض دول "أوبك" أفادت بأن المنظمة لا تفكر في إجراء خفض في الإنتاج الحالي خلال اجتماع مؤتمر "أوبك" المقرر عقده في الكويت في 12/12/2005, علما بأن إنتاج "أوبك" وصل إلى 30.5 مليون برميل يوميا ليمثل بذلك أعلى مستوى له منذ 25 عاما. وأيا ما كانت طبيعة وأثر دور "أوبك" في السوق النفطية العالمية فإننا لسنا هنا بصدد بيان تفصيلات هذا الدور في مراحله المختلفة ولا تقويمه, فالذي يهمنا الحديث عنه في هذا المقال هو الوضع القانوني لـ "أوبك", فنقول إن "أوبك" تعتبر من الناحية القانونية منظمة دولية وليست ناديا دوليا, إذ تتوافر فيها جميع العناصر الأساسية التي يشترطها فقهاء القانون الدولي العام لقيام المنظمة الدولية, وهي:
ـ أن تكون كائنا قانونيا دوليا, أي تجمعا من الدول, وهذا العنصر متوافر ولا شك في "أوبك", فهي تتكون من عدد من الدول المصدرة للنفط.
ـ أن تنشأ المنظمة بموجب اتفاق دولي, وهذا العنصر متوافر في دستور "أوبك".
ـ أن تكون لها أجهزة دائمة, وهذا العنصر متوافر أيضا حيث توجد لـ "أوبك" ثلاثة أجهزة رئيسية وهي المؤتمر الذي يتكون من وزراء النفط في الدول الأعضاء ويعتبر أعلى سلطة في المنظمة ومجلس المحافظين ويتألف من محافظين تسميهم الدول الأعضاء ويصادق المؤتمر على ذلك, والأمانة العامة وتتكون من أمين عام ونائب الأمين العام وما يلزم من موظفين.
ـ أن تكون للمنظمة إرادة ذاتية, وهذا العنصر متوافر في "أوبك" حيث لها إرادة ذاتية مستقلة ومتميزة عن إرادات الدول الأعضاء. وتتجلى هذه الإرادة في أن ما يصدر عن "أوبك" من قرارات ينسب إلى "أوبك" ولا ينسب إلى الدول الأعضاء, والقرارات التي تصدرها المنظمة ملزمة لجميع الأعضاء متى استوفت الشروط المحددة في دستورها. ولا يقدح في هذه الحقيقة أن دستور المنظمة ينص على أن تصدر قرارات مؤتمر "أوبك" بالإجماع في الأمور غير الإجرائية, لأنه بغض النظر عن نظام التصويت في المنظمة الدولية, أي سواء تصدر القرارات بالأغلبية أو بالإجماع, فإن القرارات تنسب في الحالتين إلى المنظمة وليس إلى أعضائها.
ـ أن تكون للمنظمة أهداف معينة تسعى إلى تحقيقها على الصعيد الدولي. وهذا العنصر متوافر أيضا في "أوبك", حيث حددت المادة 2 من دستور "أوبك" أهدافها ومنها تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء وتقرير أحسن السبل لحماية مصالحها منفردة ومجتمعة. وكذلك إيجاد السبل والوسائل التي من شأنها أن تضمن استقرار الأسعار في أسواق النفط العالمية بغية إزالة أي تقلبات ضارة ولا موجب لها.
نخلص مما سبق إلى أن "أوبك" منظمة دولية وليست منتدى ولا ناديا دوليا, وليس من الصواب التشكيك في هذه الحقيقة.