قبل فوات الأوان.. اهتموا بالصين والهند
"إذا استمرت دول الخليج في تجاهلنا سنقوم باستيراد النفط النيجيري عبر أنبوب النفط الإسرائيلي إلى خليج العقبة ثم نشحنه من هناك إلى الهند" بهذه الكلمات، وبامتعاض وأسى واضحين، أشار مسؤول هندي كبير، في حديث خاص، إلى تجاهل العرب بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، الهند. وجدت صعوبة كبيرة في البداية في وضع هذه العبارات في إطارها الصحيح، فهل هي نوع من التهديد، أم أنها حالة من اليأس الشديد؟ واستنتجت فيما بعد أنها حالة من اليأس لأسباب عدة، أهمها: التاريخ الحافل لهذا المسؤول في مناصب دبلوماسية عدة في الدول العربية، ودفاعه المستميت عن القضايا العربية. لماذا وصل هذا المسؤول الهندي ذو الميول العربية إلى هذه الدرجة من اليأس؟ هل التقارب الهندي - النيجيري مفيد لدول الخليج؟ هل التقارب الهندي - الإسرائيلي مفيد لدول الخليج؟ وهل استخدام أنبوب النفط الإسرائيلي المنافس لقناة السويس مفيد للعرب؟
التقارب الهندي - الأمريكي يمضي على قدم و ساق. وعلى الرغم من المعارضة الأمريكية، فإن الهند مصرة على المضي قدماً في التعاون مع إيران لبناء أنبوب غاز من إيران إلى الهند عبر باكستان. الهند مستعدة حتى للتعاون مع عدوتها اللدودة باكستان للحصول على الغاز، ولكنها لم تستطع التعامل مع دول الخليج! أين الخطأ؟ مسؤول هندي آخر قال لي إن قطر رفضت طلبات هندية متكررة لتوقيع عقود غاز مسال طويلة المدى مع الهند، رغم العروض الهندية المغرية. لهذا فإن الهند مستعدة حتى لمعارضة الولايات المتحدة للحصول على الغاز الطبيعي من إيران. هل التقارب الهندي - الإيراني يصب في مصلحة دول الخليج؟
الأمر لا يقتصر على الهند. فعلى مأدبة عشاء ذكر لي نائب رئيس شركة صينية نفطية ما مفاده "نستثمر كميات هائلة من الأموال في شتى أنحاء العالم، ولكن للأسف أقل استثمارات لنا في دول حلفائنا الطبيعيين: الدول العربية في الخليج. والعرب يستثمرون في الدول الغربية، ولكن لا يستثمرون عندنا رغم الفرص الاستثمارية المتعددة". وأكد لي العديد من المسؤولين في شركات النفط الصينية أن الصين مستعدة لضخ استثمارات ضخمة في قطاعي النفط والغاز الخليجيين إذا سنحت لها الفرصة. هذا الوضع حصر استثمارات الصين في المنطقة في إيران وآسيا الوسطى، فهل التقارب الصيني - الإيراني، والتقارب الصيني مع قازاخستان وأذربيجان مفيد لدول الخليج؟
الثقافة والإعلام
عدم الاهتمام بالهند والصين يعود إلى أسباب عديدة بعضها يتعلق بالعرب وحكوماتهم، والآخر يتعلق بحكومتي الهند والصين.
على الصعيد العربي، الاهتمام الثقافي بالهند والصين شبه معدوم، ويكاد يقتصر على مشاهدة بعض العرب الأفلام الهندية. ما عدد المتخصصين في العالم العربي في شؤون الهند والصين؟ كم عدد الدراسات العربية التي ركزت على الصين والهند في المجالات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية؟ ما عدد الأقسام التي تركز على الدراسات الهندية - الصينية في الجامعات العربية؟ هل تجاهل الصين والهند نتيجة طبيعية لهذا الفراغ الثقافي؟ في المقابل، هل هناك اهتمام هندي وصيني بالبلاد العربية؟ الجواب قد يذهل البعض لأن عدد المراكز البحثية في الهند التي تركز على العالم العربي أكثر من عدد المراكز البحثية في العالم العربي كله. فما من جامعة إلا ولديها مركز أو قسم مختص بالدراسات العربية الاستراتيجية، إضافة إلى العديد من مراكز البحوث المشهورة عالمياً مثل مركز تاتا للطاقة ومؤسسة المُراقب. عدد الكتب التي نشرت عن العالم العربي في الهند كبير إلى حد لا يمكن تصديقه. فخلال الشهور الستة الماضية فقط صدر ما لا يقل عن عشرة كتب أهمها "الإصلاح في العالم العربي" الذي ألفه السفير الهندي السابق لدى السعودية تلميذ أحمد. والأمر نفسه ينطبق على الصين. الفرق أن عدد المراكز أقل من الهند مع تركيز كبير على أوضاع العالم الإسلامي بشكل عام.
ماذا عن الهند والصين في الإعلام العربي المنشور بالعربية؟ وماذا عن العالم العربي في الإعلامين الصيني والهندي؟ لم أتابع الأمر بدقة، خاصة بعد الأسبوع الأول من المراقبة، ربما بسبب الفارق الكبير في التغطية الإعلامية. فالصين والهند لا تذكران في الإعلام العربي إلا نادراً ومن منظور عالمي على الغالب، على عكس الإعلام الهندي الذي يخصص مساحات كبيرة لأحداث العالم العربي وتصريحات المسؤولين فيه. أما في الإعلام الصيني فإن تغطية أخبار العالم العربي أكبر بكثير من تغطية الإعلام العربي للصين، ولكن أغلب الأخبار ترتبط بالنفط بطريقة أو بأخرى.
لا شك أن بعض اللوم يقع على عاتق الحكومتين الهندية والصينية. فقد فشلت الحكومتان وسفاراتهما في دول الخليج في تقديم الصورة الجديدة للصين والهند. صورة الهند في ذهن كثير من العرب لا تتعدى صورة السائق والخادمة أو ما تقدمه الأفلام الهندية، وصورة الصين مقترنة بألعاب الأطفال والبضائع الرخيصة. كم من العرب يعرف حقيقة مدينة بانغلور؟ كم من العرب يعرف أن كثيراً من الشركات الأمريكية يعتمد اعتماداً كلياً على مراكز الخدمات في هذه المدينة؟ كم من العرب يعرف أن واحدة من كل ثلاث شركات للحاسب الآلي في وادي السيليكون في الولايات المتحدة أسسها خبير هندي؟ كم من العرب يعرف أن أكثر من 35 في المائة من الأطباء في الولايات المتحدة هم من الهنود؟ كم من العرب يعرف أن رواتب المدرسين وأساتذة المعاهد والجامعات في الهند أعلى من رواتب المدرسين في أي دول عربية غير خليجية؟
كم من العرب يعرف أن أغلب الحواسيب المصنعة في العالم الآن تصنع بأيد صينية؟ كم من العرب يعرف أن أغلب السيارات في الشوارع الصينية من صناعة محلية؟ كم من العرب يعرف أن شوارع شنغهاي أنظف من شوارع أي مدينة عربية وأن فرص مقابلة متسوّل في شوارع المدن العربية أكبر بكثير من فرص مقابلة متسول في الشوارع الصينية رغم العدد الهائل لسكان الصين؟
إن فرص الهند والصين في الاستثمار في دول الخليج ستتضاءل ما لم تقم حكوماتها بتوضيح الصورة الحديثة لهذين البلدين. وفي الوقت نفسه فإن العرب هم الخاسرون في النهاية إذا لم يتم الاهتمام بهاتين الدولتين اهتماماً يليق بما ستكون عليه هاتان الدولتان في المستقبل. لدينا النفط، وهما يحتاجان إليه الآن، وعلينا الاهتمام بهما قبل فوات الأوان. الخوف أن يأتي اليوم الذي قد ندفع فيه ثمن تجاهلنا هاتين الدولتين. يوم تصبح فيه الصين دولة عظمى في زمن ينضب فيه النفط أو يتم فيه الاعتماد على مصدر طاقة بديل. عندها ستصبح الدول العربية على هامش الجغرافيا والتاريخ!