Author

تجزئة الأسهم.. هل تكون انتقائية أم شاملة؟

|
بدهاء كبير يحور بعض كبار المضاربين المعلومات الصادرة عن سوق الأسهم السعودية لمصلحتهم الخاصة من أجل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية في عمليات البيع والشراء. هم يمتلكون القدرة الفائقة على قلب الحقائق وتطويعها من أجل محاكاة عقول صغار المستثمرين الذين أصبحوا يشكلون مجتمعين قوة شرائية لا يستهان بها. معلومة حقيقية يتم تفريغها من جميع معانيها الثابتة وتتحول إلى شائعة ليس لها علاقة البتة بالمعلومة الأولى. الأمر لا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل خداع المستثمرين من أجل دعم مصالح فئة محددة من كبار المضاربين في سوق الأسهم. يمكن أن يطلق على هذه الشائعة مصطلح "الشائعة المركبة". في المقابل هناك شائعة أخرى لا تعتمد على قاعدة معلوماتية محددة، خلقت من عدم كالنبتة الشيطانية التي لا أصل لها، تنسج في الخفاء ثم تبث عبر وسائل محددة لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من صغار المستثمرين. السوق تمضي في ديناميكية سعرية متقلبة بين مراحل الصعود والهبوط والاستقرار، والمضارب الحذق هو الذي يستطيع أن يصنع أرباحه، بتوفيق من الله، خلال هذه المراحل المتقلبة، أو على أقل تقدير حماية رأسماله من الخسائر المتراكمة معتمدا على الواقع دون أن يرخي أذنيه للشائعات المدمرة. آخر هذه الشائعات، شائعة قرب موعد تجزئة الأسهم السعودية، وهي شائعة مركبة ومعقدة أيضا, حيث بنيت على توجه حقيقي نحو تجزئة الأسهم، ثم ربطت بإعلانات إيداع شهادات الأسهم في المحافظ والتي نشرت من خلال نظام التداول الرسمي نيابة عن الشركات المعلنة، ثم قويت بعد تصريحات معالي رئيس هيئة سوق المال الأخيرة. إعلانات ليست لها علاقة بتوقيت عملية التجزئة، ولكنها طوعت، من قبل مروجي الشائعات، كي تكون كذلك. الشائعة بدأت في التضخم يوما بعد يوم، خصوصا مع قرب نهاية العام، حتى أصبحت عامل جذب لصغار المستثمرين الذين يمنون أنفسهم بأرباح خيالية تعقب عملية تجزئة الأسهم. هذه الشائعة دفعت الكثير ممن هم خارج السوق، يتحينون فرص جني الأرباح أو التصحيح، نحو الدخول الفوري خشية ضياع الفرصة المتوقعة، كما أنها، في الوقت نفسه، منعت معظم صغار المستثمرين من جني أرباحهم، طمعا في تحقيق مكاسب إضافية قد تجلبها لهم عمليات التجزئة أو على الأقل صدور إعلان رسمي يحدد موعدها. الأستاذ جماز السحيمي حاول أن يلمح إعلاميا عن استراتيجية تجزئة الأسهم المنتظرة, حيث أشار إلى أن "التجزئة يجب أن تأخذ الوضع الحالي للسوق بعين الاعتبار ولعدد المستثمرين في السوق", ومؤكدا في الوقت نفسه أن "الهيئة ستضع طريقة محددة لتطبيق التجزئة حال صدور الموافقة الرسمية على إقرارها، حيث إن تجزئة الأسهم لا يمكن تطبيقها على جميع الشركات". وعلى الرغم من أن تصريح الأستاذ جماز السحيمي كان كافيا لرفع اللبس عن جزء من القرار المنتظر إلا أن هناك شريحة من المتداولين لم تستطع حتى اليوم استيعاب ما هدف إليه رئيس هيئة سوق المال. يؤخذ على التصريح السابق أنه لم يطرح كموضوع مستقل وبطريقة واضحة يفهمها جميع المتداولين في السوق بغض النظر عن ثقافاتهم ومستوى تعليمهم، خصوصا وأن قرار التجزئة سوف يمثل مرحلة مهمة من مراحل سوق الأسهم السعودية ولعله يكون من أكثر القرارات المتوقع تأثيرها في مجريات السوق. وما يستشف من التصريح أن تجزئة الأسهم المنتظرة لن تشمل جميع شركات السوق ولكنها ستطبق على شركات محددة اعتمادا على شروط خاصة قد تصدرها هيئة سوق المال لاحقا. هذه الآلية الانتقائية قد تنصف أسهم العوائد وترجع لها حقها الذي يحاول بعض المضاربين تضييعه لمصلحة أسهم المضاربة ذات العوائد المعدومة والقوائم المالية الضعيفة. لذا حري بالمستثمرين أن يجعلوا نصب أعينهم تصريح رئيس هيئة سوق المال وألا ينجرفوا مع الشائعات التي تهدف إلى تسويق الأسهم الضعيفة وبيعها عليهم بأسعار مضاعفة لا تعكس قيمتها العادلة في السوق. هناك أمر لا يمكن تجاوزه في موضوع التجزئة ولعله يحتاج إلى تصريح توضيحي من هيئة سوق المال وهو إمكانية تجزئة الأسهم ذات الأسعار المتضخمة وشمولها بالقرار اعتمادا على سعرها في السوق دون النظر إلى مركزها المالي، وهو أمر خطير لا يمكن القبول به وقد يكون في ثناياه تضليل لصغار المستثمرين الذين يعتمدون على المقارنة بين الأسعار في تحديد جاذبية السهم السعرية عوضا عن تحديد القيمة العادلة بناء على عوائد السهم ومركز الشركة المالي والإداري. مثل هذا الأمر قد يدخل المستثمرين في دوامة أخرى من التأويلات والشائعات ما قد يضر بكثير من المستثمرين. لذا ينتظر من هيئة سوق المال أن تطرح تصورها الشامل المتعلق بقرار تجزئة الأسهم إعلاميا وشرح حيثياته وآلياته المتوقع تنفيذها, إضافة إلى موعد التجزئة المقترح. ونشدد على كلمة "المقترح" كي لا نواجه باعتذارات الهيئة المبنية على عدم صدور الموافقات النهائية على المشروع. السوق تبحث عن الإطار العام لبنود استراتيجية تجزئة الأسهم، أو ما يمكن تسميته الدراسات والتوصيات المطروحة كي يكون الجميع على اطلاع بالخطط المستقبلية. الوضوح والشفافية في موضوع تجزئة الأسهم كفيلان بحفظ حقوق المستثمرين وإيقاف الشائعات وحماية السوق من الاستغلال. فهل تتكرم هيئة السوق المالية بإصدار بيان إعلامي شامل يتضمن جميع ما يتعلق "بمشروع" تجزئة الأسهم.
إنشرها