واقع سوق الأسهم ومستقبلها.. رسالة لمن بيده القرار

<a href="mailto:[email protected]">fax2752269@yahoo.com</a>

لا يزال معظم المستثمرين الصغار في سوق الأسهم يعانون آثار الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم جراء الانخفاض الكبير في أسعار الأسهم الذي استمر نحو ثلاثة أسابيع بدأت يوم الأحد 26 شباط (فبراير)، فقد خسر مؤشر الأسعار العام خلال هذه الفترة القصيرة نحو 32 في المائة من قيمته الإجمالية، في حين فقدت بعض الشركات المدرجة في السوق أكثر من 70 في المائة من أعلى أسعار حققتها قبل بدء النزول الكبير.
ولعل ملايين المستثمرين يتساءلون اليوم عن الأسباب الحقيقية التي جعلت المؤشر يفقد كل تلك النقاط في مدة قصيرة وبشكل شبه عمودي يومياً ويشاركهم في تلك التساؤلات بعض المحللين الماليين والفنيين والمتابعين لسوق المال، الذين فوجئوا بضخامة حجم الانخفاض في وقت جزم البعض منهم أن المؤشر لن يكسر حاجز الـ 18 ألف نقطة وأن النزول لا يعدو كونه جنياً للأرباح أو تصحيحا معتادا، إلا أن المؤشر العام كسرها ومضى إلى نقاط دعم أخرى دون اعتبار لأي من أساسيات التحليل الفني المعمول بها لتحديد اتجاهات السوق المالية.
وكان لتدخل خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، دور كبير في إعادة الثقة للسوق بعد سلسلة قرارات تصحيحية شجعت المستثمرين لدخول السوق مرة أخرى، إلا أن السوق شهدت انخفاضا حادا يومي الإثنين والثلاثاء 10 و11 نيسان (أبريل) خسر المؤشر خلالها نحو 2425 نقطة أي نحو 14 في المائة من قيمته ولولا عمليات الشراء في آخر دقيقة لكانت الخسائر أكبر بكثير، وحينها ربط كثير من المحللين والمتابعين الانخفاض الأخير بإعلان الهيئة عن توقيف ثلاثة من المستثمرين في وقت لم تكن فيه معنويات المستثمرين تحتمل مثل هذا الإعلان.
لا شك أن سوق الأسهم لدينا تعاني تأثير العديد من العوامل التي تؤثر في قوتها وسلامتها ومعنويات المستثمرين فيها، منها ما هو تنظيمي ومنها ما هو اجتماعي واقتصادي، وقبل أن أسترسل في تناول هذا الموضوع لا بد من الوقوف على سمات سوق الأسهم السعودية لأن ذلك سيساعد على فهم آليات عملها ولاسيما أن سوقنا، للأسف، تتميز بخصوصية لا تشاركها فيها باقي الأسواق العالمية المعروفة، وسأتناول بعد ذلك توصيات أراها مهمة لاستقرار السوق في الفترة المقبلة وهي بنيت على ما تم رصده من ثغرات أسهمت مجتمعة في وصول السوق إلى ما وصلت إليه.

سمات سوق الأسهم السعودية
مع نهاية العام الماضي تبوأت سوق المال المحلية مرتبة متقدمة عالمياً من حيث القيمة السوقية للأسهم المفترض أنها تتداول من خلالها رغم قلتها العددية وقلة الشركات المدرجة فيها وحققت أيضا مرتبة متقدمة من حيث قيمة التداولات التي تتم من خلالها ونسب النمو لمؤشرها العام، وهذا في نظري لا يعتبر مؤشر عافية لعدة أسباب: أهمها أن القفزات الكبيرة في الأسعار والتي جعلت السوق تقفز قفزا إلى تلك المراكز المتقدمة لم تقترن بمعطيات قوة حقيقية على الأرض تبرر تلك الأسعار المبالغ فيها، لدرجة تجعلني أميل إلى تصنيف أغلب التعاملات التي تتم من خلال السوق قبل انخفاض آذار (مارس) إلى المقامرة بدلاً من المضاربة أو الاستثمار.
وربما أن كثيرا من متابعي سوق المال والمستثمرين يتعاطون معها على أساس أنها سوق ناضجة تنطبق عليها خصائص الأسواق العالمية العريقة في حين أنها تختلف عنها من حيث هيكل السوق والإجراءات المتبعة فيها والظروف المحيطة بها ونمط التعاملات التي تتم من خلالها وسلوكيات المستثمرين وأخلاقياتهم والأعراف المجتمعية المنتشرة والتي تؤثر بشكل مباشر في توجيه التعاملات اليومية، وهذا هو السبب الرئيس الذي أعزو إليه الانهيار الكبير في الأسعار ومؤشر السوق، لأن السوق السعودية ومعها باقي الأسواق العربية أسواق ناشئة تحيط بها ظروف تؤثر عليها ليست موجودة في باقي الأسواق العالمية الكبيرة ما يستدعي أن تتعامل الجهات الحكومية المنظمة لتلك الأسواق ومنها السوق السعودية مع تلك الخصائص والسمات بجدية إذا ما أرادت بناء أسواق مالية قوية تسهم في تحقيق الازدهار الاقتصادي و الأهداف والوظائف المهمة لأسواق المال في الاقتصاد الكلي.
وفيما يلي سأستعرض سمات سوق المال السعودية التي تتميز بها عن باقي الأسواق العالمية المنظمة:
1- سوق المال المحلي سوق ضيقة جدا فمعظم الأسهم المدرجة فيها لا يتم تداولها مطلقاً لسبب معروف للجميع وهو أن معظم أسهم الشركات القيادية مسيطر عليها من قبل صناديق الدولة مثل شركة الاتصالات، سابك (70 في المائة)، شركة الكهرباء (74 في المائة)، بنك الرياض (42 في المائة)، ومعظم شركات الأسمنت ما بين ( 20 و 40 في المائة ) وغيرها كثير، أما الجزء المهم الآخر فهم محتكر على عدد محدود من رجال الأعمال ممن يسيطرون على بعض الشركات المهمة منذ التأسيس، وزاد الطين بلة احتفاظ المؤسسين في الشركات الجديدة والمطروحة للاكتتاب العام بنحو 70 في المائة من الأسهم، وهذا ما جعل تلك السيولة الكبيرة التي دخلت السوق في الفترة الأخيرة تتقاتل، إن جاز لي التعبير، على عدد محدود من الأسهم ما أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى درجة غير مقبولة، وهنا لا ألوم المستثمرين بقدر ما ألوم الجهات المختصة مثل هيئة السوق ووزارة المالية لتأخرها في تنفيذ برامج التخصيص، أو طرح شركات جديدة كثيرة تنتظر دورها لدى هيئة سوق المال مع اشتراط رفع عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب العام عن 30 في المائة، فمتى ما تحقق لكبار المضاربين وسائل التلاعب في الأسعار ويأتي في مقدمتها ارتفاع حجم السيولة فلا يلامون على قراراتهم الاستثمارية ولا سيما أن هناك عدم تنسيق واضح بين الجهات المالية، المعنية مثل مؤسسة النقد وهيئة سوق المال ووزارة المالية فالأولى على سبيل المثال سمحت للبنوك التجارية بمنح تسهيلات ضخمة بكل المقاييس لصغار المستثمرين وكبارهم مما زاد الطين بلة، في حين كان من الواجب تقييد التسهيلات بأكبر قدر ممكن من الإجراءات، والثانية لم تنسق مع باقي الجهات للمحافظة على السوق منذ وقت مبكر، أما الأخيرة فهي تأخرت في طرح أو تخصيص الكثير من الأسهم والشركات التي تمتلكها الدولة، فالواضح أن السوق تعاني تضخم السيولة فيها وهي متى ما ارتفعت أصبحت مثل السيل الذي يجرف معه كل شيء حتى أدوات التحليل المالي المعروفة أو المنطق الاستثماري السليم، ما جعل معظم المستثمرين لا يستثمرون في ورقة مالية لها قيمة دفترية وحقيقية بل في ورقة مالية لها سعر محدد يعرفون أن عمليات المضاربة ستضاعفه خلال مدة قصيرة ومثل تلك التعاملات أشبه بالمقامرة منها للاستثمار.
2- السوق المحلية رغم قلة عدد الأسهم المتداولة فيها تسيطر عليها أعمال المضاربة بشكل كبير في ظل وقوف صناع السوق الحقيقيين وهم ممن يمتلكون أسهما لم يتم تداولها مطلقاً كمتفرجين على تلك الارتفاعات المستمرة وأعني بهم صناديق الحكومة، وكان من الممكن تدخلهم عند حدود سعرية معينة لكبح جماح الارتفاعات المتتالية وبطريقة سلسة ومنهجية وفي وقت مبكر، وهذا لم يحصل للأسف، ولعل سيطرة أعمال المضاربة على أغلب تعاملات السوق نذير شؤم على مستقبلها وهذا ما لم تنتبه إليه هيئة السوق ولا وزارة المالية ومؤسسة النقد إلا أخيرا.
3- معظم المتعاملين في السوق هم من فئة صغار المستثمرين الذين لا يمتلكون في الغالب ثقافة استثمارية كافية للتعامل مع السوق فأصبحوا وسيلة لكبار المضاربين في رفع الأسعار عن طريق الشائعات وتسريب المعلومات، و كان الأجدى أن يتم التعامل مع هذا الواقع باهتمام يوازي مخاطره على استثماراتهم التي جاء معظمها عن طريق قروض شخصية برهن رواتبهم ومصاريف أولادهم (وصل حجم القروض الاستهلاكية للأفراد إلى نحو 165 مليار ريال)، حيث إن معظمهم دخل السوق كمضاربين عند مستويات سعرية عالية وغير مقبولة في الأعراف الاستثمارية وجنوا نتيجة ذلك خسائر جسيمة جراء الانخفاض الحاد الذي حدث أخيرا، وهم في ذلك عكس المستثمرين الكبار الذين كانت أسعار الشراء لمعظمهم بالقيمة الاسمية أو قريب منها، فلم يلحقهم الضرر كما لحق الصغار.
4- يمكن وصف سوق الأسهم بأنها سوق شائعات بامتياز فهي المحرك الرئيسي للتداولات اليومية وأرجع السبب في ذلك إلى نقص الشفافية والإفصاح الكافيين من قبل معظم الشركات المدرجة فيها وكذلك للأخطاء التي ترتكبها من حين إلى آخر ولا سيما بيانات النفي التي لا تصدق ويثبت عكسها مع مرور الأيام إضافة إلى تسريب المعلومات عن المشاريع والقرارات المستقبلية من داخل الشركات، كل هذا يحدث في ظل تغاضي الهيئة عن تطبيق عقوبات صارمة على إدارات الشركات المخالفة بالرغم من بذلها جهودا إعلامية كبيرة ومتواصلة لرفع ثقافة المتعاملين الأفراد وربما أنها تعتبر أن الإفصاح يعني نشر البيانات المالية في وقتها فقط دون إيضاح وإعلان أية مستجدات جوهرية تؤثر على الأسعار قبل انتشارها في السوق واستفادة المتنفذين منها، أو تطبيق العقوبات على الشركات المخالفة مثل تلك التي تنفي شائعات رفع رأس المال أو الاستثمارات الجديدة ومن ثم تعتمدها بعد مدة قصيرة.
5- تظل العوامل النفسية من أهم العناصر المؤثرة على حركة السوق ولعل الانخفاض الأخير الذي حدث يومي 10 و11 نيسان (أبريل) دليل على ذلك وهذا أمر لا يخدم متانة السوق وقوتها في ظل ثبات العوامل الأخرى التي تؤثر في مستويات الأسعار وربما أنها تسير بالسوق إلى مستويات أسعار منخفضة في ظل ظهور عوامل مشجعة للغاية تتعلق بالذات بمزايا الاقتصاد الكلي، وربما أن سيطرة العامل النفسي يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها سيطرة أعمال المضاربة على السوق وتدني ثقافة معظم المتعاملين فيه، إلا أن النتيجة المؤكدة أنها تسهم اليوم في ارتفاع وتيرة التذبذب بشكل كبير وخطير أيضا.
6- في مثل بيئتنا الاجتماعية لا يمكن عزل أخلاقيات وسلوكيات المتعاملين ونمط العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع عن أحداث السوق اليومية لأنها تعتبر لاعبا رئيسا في توجيه السوق عن طريق أساليب مختلفة مثل الشائعات والتكتلات أو المجموعات أو (الفزعات) بين كبار المضاربين أو تسريب المعلومات بحسن نية أو بدونها، وكذلك الهلع والخوف والتدافع على البيع، وأيضا ظهور شركات أو أفراد يعملون على استثمار أموال الأفراد بنسب محددة مسبقاً ودون ضمانات وغيرها كثير، جميعها تسهم في التأثير على السوق سلباً وإيجاباً وجميع تلك الظواهر الاجتماعية، إن جاز لي التعبير، لا تستطيع لوائح هيئة المال أن تحد منها فهي وإن اكتشفتها لا تستطيع في الغالب إثباتها.
7- على الرغم من وجود نحو ثلاثة ملايين محفظة نشطة في السوق إلا أن قلة قليلة من المضاربين الكبار الذين يستثمرون بشكل مباشر أو غير مباشر يسيطرون عليها تقريباً فهم يتقاسمون أعمال المضاربة في معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويتبع كل واحد منهم أتباع أصغر منهم حجماً وتأثيراً إلا أنهم يأتمرون بأوامرهم مما يقوي تأثيرهم في السوق، وهذا الأمر يخل بقوى العرض والطلب ويجعلها في الغالب مصطنعة بمساعدة الشائعات وعوامل أخرى، لذا فالسوق اليوم تعتبر سوقاً غير كفؤة لأن قوى العرض والطلب ليست حقيقية وهي نتاج طلبات تتصف بنوايا سيئة، إذا جاز لي التعبير.
8- من أهم عيوب السوق المالية أن المؤشر العام للأسعار يضلل المتعاملين والمحللين وأيضا الإحصاءات المتعلقة بالسوق، وهو لا يعكس الواقع الحقيقي للتعاملات اليومية بسبب ما ذكرته في البند رقم (1) أعلاه، فهو اليوم يضم أسهماً كثيرة لا تتداول ولا سيما للشركات المؤثرة وذات الثقل الكبير مثل "سابك"، "الكهرباء"، "الاتصالات"، "الراجحي"، و"سامبا" ويبين الجدول المرفق نسبة تأثير تلك الشركات على المؤشر العام التي تتجاوز 60 في المائة بينما تشترك نحو 73 شركة في الـ 40 في المائة الباقية، والدليل على ذلك أقفال يوم الأربعاء 12 نيسان (أبريل) حيث إن كثيرا من الشركات أغلقت على النسبة الدنيا ومع هذا ظل المؤشر العام على ارتفاع، لذا أعتقد أن من الواجب أن يكون المؤشر شفافا وأن يعكس الواقع الحقيقي للسوق، فاستمرار هذا الحال يترتب عليه سلبيات كثيرة لعل أهمها التأثير السلبي على العامل النفسي للمتعاملين والتلاعب في المؤشر برفع أسعار الشركات الخمس بكميات بسيطة بينما معظم أسعار الشركات تقفل على النسب الدنيا وهذا ما تكرر أكثر من مرة.

الشركات الخمس المؤثرة في مؤشر الأسهم
م الشركة نسبة التأثير في مجمل المؤشر
1 سابك 24.93 في المائة
2 الراجحي 13.54 في المائة
3 الاتصالات 12.2 في المائة
4 سامبا 5.08 في المائة
5 الكهرباء 5.02 في المائة
الإجمالي 60.77 في المائة

9- أصدرت هيئة السوق المالية عددا من اللوائح التنفيذية مثل لائحة أعمال الأوراق المالية ولائحة الأشخاص المرخص لهم ولائحة سلوكيات السوق ولائحة طرح الأوراق المالية وقواعد التسجيل والإدراج، وهي جهود مشكورة خصوصاً أن إنجازها كان في فترة قصيرة إلا أنه يلاحظ في تلك اللوائح وخصوصاً لائحة سلوكيات السوق عدم أخذها بالاعتبار خصائص بيئة الاستثمار في المملكة التي تتداخل فيها عوامل كثيرة منها اجتماعي، نفسي، اقتصادي، ومالي وهذا ما جعل الهيئة تعجز فعلياً من ضبط مستويات الأسعار في ظل ظهور كثير من الثغرات التي تمكن من خلالها كبار المضاربين من تحقيق أهدافهم السعرية بطريقة سريعة للغاية ولا تنسجم مع سلوكيات أسواق المال العالمية، فقد التف المضاربون على نسبة التملك الدنيا عن طريق القروبات أو المجموعات وعملوا على رفع الأسعار بطرق لا تستطيع معها الهيئة معاقبتهم وهذا ما لم تعالجه تلك اللائحة.
10- مع أن السوق تعج بالمخالفات من قبل كبار المتعاملين إلا أن ما تكتشفه الهيئة مقروناً بأدلة إثبات معقولة يظل قليلاً جداً، وهذا راجع إلى سببين الأول هو ما تطرقت إليه في الفقرة السابقة ويتعلق بلائحة سلوكيات السوق وقصورها عن ملاحقة ابتكارات المضاربين وطرقهم المتجددة التي يلتفون من خلالها على اللائحة، والثاني له علاقة بقرارات الهيئة نفسها التي تتأخر في إعلانها وتتخذ عقوبات لا تتواءم مع خصائص سوقنا المالية وخصوصاً تلك التي تتعلق بإعلان إيقاف متعاملين عن شراء أسهم شركات محددة تعلن أسماءها وتمتنع عن إعلان أسماء المضاربين المخالفين أو المشتبه في مخالفتهم، فقد كان جديراً بالهيئة ألا تصدر أية قرارات من هذا النوع إلا بعد صدور الأحكام القضائية ضدهم وأن تكتفي بحجز نسبة تعادل 20 في المائة من إجمالي محافظهم سواء كانت مالاًُ أو أسهما، لأن هذا الإجراء ينسجم مع طبيعة السوق المالية لدينا التي تتأثر سلباً بأي قرارات من هذا النوع تعلنها الهيئة.

أهداف الهيئة.. الاختيار بين التنظير أو الواقع
تأسست هيئة السوق المالية كما جاء في موقعها الرسمي بموجب "نظام السوق المالية" الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/30) وتاريخ 2/6/1424هـ. وهي هيئة حكومية ذات استقلال مالي وإداري وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. وتتولى الهيئة الإشراف على تنظيم وتطوير السوق المالية، وإصدار اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة لتطبيق أحكام نظام السوق المالية بهدف توفير المناخ الملائم للاستثمار في السوق، وزيادة الثقة به، والتأكد من الإفصاح الملائم والشفافية للشركات المساهمة المدرجة في السوق، وحماية المستثمرين والمتعاملين بالأوراق المالية. 
وتتمتع الهيئة بالصلاحيات التالية:
* تنظيم وتطوير السوق المالية، وتنمية وتطوير أساليب الأجهزة والجهات العاملة في تداول الأوراق المالية.
* حماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة وغير السليمة التي تنطوي على احتيال أو خداع، أو غش، أو تلاعب، أو التداول بناءً على معلومات داخلية.
* العمل على تحقيق العدالة، والكفاءة والشفافية في معاملات الأوراق المالية.
* تطوير الضوابط التي تحد من المخاطر المرتبطة بتعاملات الأوراق المالية.
* تطوير وتنظيم ومراقبة إصدار وتداول الأوراق المالية.
* تنظيم ومراقبة أنشطة الجهات الخاضعة لإشراف هيئة السوق المالية.
* تنظيم ومراقبة الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية والجهات المصدرة لها.
ومن الصلاحيات السابقة فإن الهيئة تعتقد أن من أهم أهدافها حماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة وغير السليمة التي تنطوي على احتيال أو خداع، أو غش، أو تلاعب، أو التداول بناءً على معلومات داخلية وكذلك العمل على تحقيق العدالة، والكفاءة والشفافية في معاملات الأوراق المالية، وهي في هذه الأهداف تنطلق من أهداف البورصات العالمية التي أكرر أنها تختلف في ظروفها والبيئة المحيطة والمؤثرة بها عن سوقنا المالية، لذا فإن الوسائل التي اتبعتها الهيئة لتحقيق أهدافها المهمة هي موضوع الخلاف بينها وبين معارضيها، فهم يسوقون أنها لم تتدخل في السوق منذ وقت مبكر عندما كانت الأسعار معقولة وقبل أن يتورط الملايين من المستثمرين الصغار بأموالهم الخاصة وأموال أقاربهم وأموال أخرى جاءت من قروض شخصية ستثقل كواهلهم لسنوات طويلة مع الخسائر التي لحقتهم في الانخفاضات الأخيرة، وهي من جهتها تسوق أنها لا يمكن أن تتدخل في قوى العرض والطلب أو أن تحد من بعض الممارسات التي تؤثر في مستوى الأسعار لأنها لا تمتلك الإثباتات اللازمة لتفعيل ذلك.
تلك في نظري هي عقدة سوق المال الحقيقية والمتمثلة في طريقة التعاطي التي تنتهجها الهيئة لمراقبة السوق فهي طريقة لا تنسجم مع خصائص سوقنا المالية بالمرة وأسهمت في حدوث الأزمة الأخيرة التي فقد فيها معظم المتعاملين وخصوصاً الصغار مئات المليارات من أموالهم.
كان ينبغي أن تتدخل الهيئة ووفقاً لنظامها الأساسي ولوائحها التنظيمية في السوق منذ وقت مبكر لتعقيل مستوى الأسعار وكان عليها أن تستعين بخبرات المختصين والمتابعين للاستماع إلى آرائهم في جميع الخطوات التي تتخذها مع بقاء القرار لمجلسها الموقر على كل حال، كان ينبغي عليها أيضا أن تقتنع أن هناك ألف طريقة وطريقة للالتفاف على لوائح الهيئة من قبل كبار المضاربين وهذا يتطلب من جهتها أن تكون إجراءاتها أكثر مرونة واستباقية وقبل وقت كاف وبشكل مدروس من حيث آثاره الجانبية التي ربما تكون أكثر عنفاً في سوق تسيطر عليها الشائعة وتتحكم فيها العوامل النفسية.
على كل حال لقد حدث ما حدث وسيتكرر في ظني أكثر من مرة إذا لم تتغير قناعات الهيئة والمبادئ التي تحكم تصرفاتها مثل القول إن التدخل في السوق خط أحمر وهو في الحقيقة قول ينطوي على فهم غير كامل لأوضاع سوقنا المالية، فالتدخل كان ينبغي أن يكون منذ أشهر طويلة وهو بطبيعة الحال لن يكون بشكل مباشر.

مقومات بناء سوق قوية غير قابلة للابتزاز
حتى تستطيع الهيئة أن تكمل جهودها الضخمة في تنظيم السوق المالية ينبغي عليها أن تنظر بواقعية وشفافية وبعين ناقدة إلى عيوب السوق الحالية لكي تتمكن من إكمال المسيرة دون اجتهادات مكلفة ومقلقة في أوسط المتعاملين كما حدث خلال الفترة الماضية، والاجتهادات التي أتحدث عنها تتعلق بتفسير اللوائح التنظيمية والاستحقاقات التي تتطلب تنفيذها وهي ليست محصورة في زاوية ضيقة من القرارات أو الإجراءات بل بالإمكان توسيعها إلى حدود أرحب، ولعل الهيئة لم تراع الخليط الواسع للمتعاملين وفئاتهم عند تفاعلها مع مستجدات السوق عندما ركزت على الكبار فقط طوال الفترة السابقة.
وفيما يلي سأتطرق إلى مقترحات يمكن أن تساعد الهيئة في بناء سوق مالية وطنية قوية لا تخضع لابتزاز القلة أو لسيطرتهم، سوق جاذبة ومجدية استثمارياً للصغار والكبار بأدنى مخاطر ممكنة، سوق تعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد الوطني دون تهويل أو إسراف:
1- من المهم وضع خطة محكمة من قبل هيئة السوق وبالتعاون مع وزارة المالية لاستيعاب السيولة الفائضة التي تضغط على الأسعار سواء عن طريق طرح المزيد من الاكتتابات الأولية أو طرح حصص من الأسهم التي تمتلكها الدولة في كثير من الشركات المدرجة في السوق وخصوصا تلك التي يمتلك فيها صندوق الاستثمارات العامة، على أن يكون الطرح بأسعار تفضيلية ومشجعة، كما أن هذه الخطة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار مقدار السيولة الفائضة المستهدف لأن الإسراف في الطرح يمكن أن يقود السوق لموجة انخفاض قوية، وأشير كذلك إلى أن من المهم أن تبادر الهيئة لوضع مزيد من الضوابط بخصوص علاوة الإصدار ونسب الأسهم المطروحة للعامة التي تعتمدها الهيئة اليوم لأن موضوع علاوة الإصدار على قدر من الأهمية بسبب طابور الشركات العائلية والحكومية التي بدأت فعليا في تغيير أشكالها النظامية من شركات تضامنية وذات مسؤولية محدودة إلى شركات مساهمة مقفلة، على أمل أن يتم طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام في فترة لاحقة، وأغلبها شركات ناجحة في مجالها ولها باع طويل في السوق، وهذا يعني أنها ستطرح بعلاوة إصدار. إلا أن الأمر الملح هنا هو التقييم العادل لتلك الشركات على قاعدة ''لا ضرر ولا ضرار'' عن طريق علاوة إصدار أكثر دقة وموضوعية، وهذا لن يتأتى بواسطة الجهات المعنية فقط، بل عن طريق المحللين المستقلين.لا فائدة من الحديث عن رأس المال إذا كانت علاوة الإصدار أضعاف أضعافه، لا معنى أن تنشر الشركات ومستشارها المالي نشرة للاكتتاب توضح فيها بعض المتطلبات الضرورية التي تهم المكتتب إذا كانت علاوة الإصدار التي تم تحديدها عن طريق المستشار المالي وبموافقة هيئة سوق المال، أو بالتنسيق بينهما لا تفصح عن الأسس المالية التي اعتمدت لتحديدها. فعلى فرض أن رساميل الشركات المنتظر طرحها للاكتتاب العام تتجاوز عشرة مليارات ريال، فإن علاوة الإصدار ستكلف المكتتبين نحو 50 إلى 100 مليار وهي مبالغ كبيرة للغاية تحتم أخذ كل التدابير اللازمة لحماية المكتتبين من المبالغة فيها، وفي الحقيقة، أنا أستغرب إلزام الشركات بإعلان نشرة الاكتتاب وعدم إلزامها بنشر ملخص الدراسة التي في ضوئها تم تحديد علاوة الإصدار، فالمكتتب لا يعنيه نشاط الشركة أو اسمها أو متى تأسست بقدر ما يعنيه ما هو المبلغ الذي سيدفعه لملاكها نظير امتلاكه عددا من الأسهم، وربما أن بيوت الخبرة تتفاوت في تقديرها لبند الشهرة الذي ربما يقدر بأكثر من قيمته الحقيقية أو يبالغ فيه، كما أن المنح الحكومية والمعونات ينبغي أن تعالج بدقة، فليس من العدل أن تحاسب شركة ما ترغب في طرح أسهمها للاكتتاب العام المكتتبين فيها على منح أو إعانات قامت الدولة بمنحها إياها مثل الأراضي إذا كانت تستحوذ على نسبة مهمة من الأصول.
2- ينبغي الإسراع في بناء مؤشر جديد للأسعار يأخذ بعين الاعتبار الأسهم المتاحة للتداول فقط ويستبعد تبعاً لذلك الأسهم غير المتداولة سواء كانت مملوكة للصناديق الحكومية أو لرجال الأعمال، لأن من شأن هذا الإجراء عكس التطورات في سوق المال بشكل شفاف وإفصاح كامل، فاستمرار المؤشر الحالي يعتبر من وجهة نظري تضليلاً تؤاخذ عليه الهيئة ولا يخدم مستقبل السوق وقوتها بسبب ما ذكرت عن تضليله لأحداث السوق ولأنه يستخدم اليوم لأهداف غير مشروعة عن طريق شراء أو بيع كميات قليلة من أسهم الشركات المؤثرة فيها مثل "سابك"، "الاتصالات"، و"الراجحي" للتأثير على السوق في مجملها.
3- انسياق معظم المستثمرين لأعمال المضاربة على حساب الاستثمار أمر بالغ الخطورة ولا سيما إذا قرن ذلك بأعداد مهولة من المتعاملين الذين لا يملك أغلبهم الأصول الاستثمارية التي تجنبهم المخاطر، وأيضا تفشي ظاهرة الإشاعات وغيرها، وهذا أمر غير صحي ونذير شؤم لمستقبل السوق، لذا فمن المهم أن تشجع الهيئة المتعاملين على الاستثمار بدلاً من المضاربة وأن تعتمد إجراءات تشجع على ذلك مثل التسريع بالتصريح لشركات الوساطة المالية واشتراط تقديم النصح للمستثمرين، وربما في فترة لاحقة قصر التعامل في السوق على الوسطاء فقط دون الأفراد.
4- من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع السيولة في السوق هو توجه البنوك التجارية لمنح القروض الشخصية للأفراد والتسهيلات الائتمانية للمستثمرين بضمان أسهمهم، والبنوك عندما تقوم بذلك فهي لا تلام لأنها تبحث عن تحقيق أعلى الأرباح، لذا فمن المهم أن تنسق هيئة السوق مع مؤسسة النقد لوضع المزيد من الاشتراطات التي تحد من تدفق السيولة على السوق عند ارتفاعها والتخفيف منها عند نقصها، أي أن تكون الاشتراطات الإقراضية أداة اقتصادية يستفاد منها لضمان توازن السوق والمحافظة عليها بدلاً من أن تكون أداة إضرار بها.
5- قامت الهيئة بحملة إعلامية كبيرة تحت عنوان (لا تكن وعاء للشائعات) حاولت من خلالها تحذير المستثمرين من الاعتماد عليها في قراراتهم الاستثمارية، إلا أن تلك الحملة وبالرغم من ضخامتها لم تستطع أن ترفع الوعي الاستثماري لشريحة واسعة منهم, والدليل على ذلك أن القنوات التي تستخدم لتسريب الشائعات لا تزال تحظى بحضور قوي من مجتمع المستثمرين سواء أكانت منتديات إنترنت أو رسائل جوال أو غيرها. لذا لا غرابة أن يسعى المستفيدون من ترويج تلك الشائعات إلى كل السبل الممكنة لكي يضمنوا على الأقل استمرار الوضع على حاله، لأن ذلك سيجعلهم يحافظون على أرباح كبيرة يحصدونها من أولئك الذين ينجرفون لتصديقها وهم في الغالب من فئة الصغار، لذا فمن المهم في نظري أن تبدأ الهيئة بمعاقبة كل من يروج مثل هذه الشائعات وأن تواصل جهدها لغلق هذا الباب عن طريق التفاعل الفوري والجدي مع كل إشاعة ووضع هاتف لتلقي استفسارات المستثمرين يعمل على مدار الساعة وأن تكون بيانات الهيئة وإجراءاتها أكثر وضوحاً ودقة.
6- حتى تستطيع الهيئة أن تحد من التذبذب الكبير للمؤشر ينبغي أن تعمل على علاج الأسباب التي تؤدي إلى حدوثه، ومن ذلك التأثير المبالغ فيه للعوامل النفسية على مؤشر الأسعار وقوى العرض والطلب، وكذلك السيطرة على قوى العرض والطلب من قبل كبار المضاربين، وهذا يجرنا إلى الحديث عن الطرق الالتفاتية التي يستخدمها مضاربو الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل إيجاد انطباع غير صحيح لتعاملات تلك الشركات، فالسبب الأول لن يتم علاجه إلا بعلاج السبب الثاني وهذا الأخير يحتاج إلى مزيد من الضوابط المرنة غير المعلنة - وأشدد على غير المعلنة - أي أن الهيئة مطالبة بتتبع جميع العمليات التي تنطوي على غش أو تدليس ومعاقبة المتسببين فيها دون الإعلان الرسمي عن أسمائهم أو أسماء الشركات التي يتعاملون فيها، مع أهمية مراجعة مسألة إعلانات التملك وإيقاف الشراء على الأسهم لمتعاملين متهمين بالتضليل لأنها تعطي مؤشرات سلبية على السوق وتضر الصغار أكثر من الكبار.
7- حسب النظام فإن هيئة السوق المالية جهة اعتبارية مستقلة ترتبط بشكل مباشر برئيس مجلس الوزراء، وهي لا تأخذ في الاعتبار أية توصيات أو تمنيات من جهات أخرى تتعارض مع المهام الموكلة إليها لأن العلاقة بين الجهات الحكومية المستقلة إدارياً تحكمها الاختصاصات الموكلة لكل منها والأهداف المعلنة لها، لذا فمن الطبيعي أن تكون هيئة السوق المالية ذات شخصية اعتبارية مستقلة، وهذا لا يعني عدم التنسيق مع جهات أخرى قد تتطلب طبيعة عملها ذلك مثل مؤسسة النقد ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة، إلا أن هذا التنسيق ينبغي ألا يتعدى حدود الأهداف المعلنة لكل جهاز على حدة، قصدت بهذا الكلام أن هناك أحاديث تتداول اليوم عن تأثير وزارة المالية أو مؤسسة النقد على قرارات الهيئة وهذا إذا كان صحيحا ينبغي علاجه، لأن الهيئة اليوم تراقب وتدير سوقاً ضخمة تتجاوز أهميتها مقتضيات المجاملة الإدارية - إذا جاز لي التعبير.
8- يعاب على الهيئة خلال عمرها القصير تجنبها الحديث لوسائل الإعلام، مع استثناء الجهود التي يبذلها الناطق الإعلامي باسمها الدكتور عبد العزيز الزوم في الفترة الأخيرة، وعندما أقول التعاطي مع الإعلام أقصد به خروج الصف الأول من مسؤولي الهيئة المتمثلين في مجلسها الموقر للحديث بتفصيل دقيق وبصراحة وشفافية تواكب طموح ملايين المتعاملين في السوق والمحللين والمتابعين، مع قناعتي التامة أن الحديث عن دقائق أمور السوق أمر خطير، إلا أن ثقتي في أعضاء مجلس الإدارة تجعلني أطمئن لمثل هذا العمل، فمثل هذا السلوك له إيجابيات تتعدى سلبياته بكثير، فهو يقضي على الشائعات ويطمئن المتعاملين ويفسر لهم الكثير من الأحداث وهو يتطلب قدراً عالياً من الشفافية لأن الخوض في العموميات على حساب التفاصيل لا فائدة منه، وفي هذا الخصوص أدعو الهيئة لتخصيص هاتف لتلقي شكاوى واستفسارات المتعاملين والتعاطي معها بإيجابية.
9- لا أشك أن الكفاءات التي تضمها الهيئة على قدر كبير من الخبرة والممارسة والإخلاص كذلك، إلا أن هذا لا يمنعها في رأيي من الاستعانة بفريق استشاري من خارج الهيئة يتكون من عشرة إلى 20 فردا في تخصصات مختلفة ولهم علاقة قوية بنشاط سوق المال من أجل تقديم النصح والمشورة في كثير من القضايا المؤثرة على مستقبل السوق، فإجراء مثل هذا يُطلع متخذي القرار على مزايا وسلبيات أي قرارات يعتزمون إصدارها أو أي مشاريع يرغبون في تبنيها، فدائماً المسؤول يكون محكوماً ببيئة عمله فهي تؤثر على قراراته، بينما أعمال الهيئة تحتاج لاستطلاع آراء خبراء لم ينغمسوا في أعمالها ولهم اطلاع واسع على مجريات نشاط السوق بما في ذلك الرؤية الاستراتيجية لمستقبلها ومتطلباتها.
10- عملياً مازالت الهيئة تعتبر أن الإفصاح المطلوب من الشركات المدرجة في السوق يعني نشر القوائم المالية خلال المدة النظامية التي حددها نظام الشركات، وكذلك إصدار البيانات التي تنفي أو تؤكد الشائعات في السوق، وهذا في نظري لا يعبر بالضبط عن متطلبات الشفافية والإفصاح الكافيين، لأن ذلك يتضمن مبادرة الشركات بالإعلان عن خططها ومشاريعها المستقبلية وتوقعات أرباحها والتطورات المهمة في أعمالها سواء كانت إيجابية أم سلبية وعدم تسريب أي معلومات عن ذلك بطرق غير نظامية، وتطبيق العقوبات على كل شركة أو مسؤول يثبت مخالفته لذلك، وأعترف هنا بأن أدلة الإثبات غير متاحة اليوم على مسؤولي الشركات إلا أنها متاحة لإدانة الشركات نفسها، فعلى سبيل المثال لم تصدر الهيئة أي عقوبات على أية شركة خالفت متطلبات الإفصاح والشفافية عدا ما يتعلق بالتأخر عن نشر البيانات المالية، في حين أن هناك أمثلة كثيرة على بيانات نفي ما تلبث أن تتأكد، وكان حرياً بالهيئة أن تعلم أن الدخان لا يكون بلا نار، وأن مثل تلك البيانات أو التسريبات تؤدي إلى أرباح بملايين الريالات وتستحق أن يعاقب من قام بتسريبها، وإذا لم يعرف تعاقب الشركة نفسها لكي تعمل في المستقبل بأسباب الإفصاح الكامل من تلقاء نفسها وبطريقتها.
11- لا بد للهيئة أن تدرس بشكل عاجل الدور الذي تؤديه البنوك التجارية في سوق المال، فهي اليوم تعمل كوسيط وكمستثمر مباشر وأيضا تقوم بتقديم الاستشارات وأعمال تنظيم الاكتتابات والإدراج للشركات الجديدة، وهذه الأدوار مجتمعة لا شك أن كثيرا منها يتسم بالتعارض ويتناقض مع مبدأ فصل المهام والمسؤوليات لما له من آثار سلبية على السوق، وهذا يستدعي أن تمنع البنوك التجارية من أعمال الوساطة المباشرة وأعمال الاستشارات المالية، لأن تلك الأعمال ينبغي أن توكل لشركات أخرى غير البنوك، كما أن الهيئة وخلال المدة الماضية لم تقم بمراجعة العقود التي تجبر البنوك عملاءها على توقيعها بغرض التداول عن طريق الإنترنت وهي عقود مجحفة بكل معنى الكلمة، وتحتاج إلى مراجعة عاجلة، ولم تقم كذلك بمعاقبة أي بنك عن سوء الخدمات المقدمة منه ولم تعالج البطء الشديد في الشبكة رغم أنها تتقاضى عمولاتها كاملة دون نقص.
12- تعتبر العمولات التي تتقاضاها البنوك التجارية اليوم عالية جداً فالتوقعات تشير إلى أنها تتجاوز الستة مليارات ريال سنوياً وهي عمولات يدفعها المشترون والبائعون للأسهم، ومعروف أن هيئة السوق المالية تحصل على نسبة من هذه العمولات فإذا أخذنا في الاعتبار الأرباح الصافية التي حققتها البنوك التجارية في العام الماضي لوجدنا أن إيراد العمولات يمثل جزءا مهما من مجمل تلك الأرباح, التي لا تكلفها سوى مصروفات متواضعة قياساً بمجمل مصروفاتها العامة، لأن هيئة السوق المالية ما زالت تصر على أن تحسب قيمة العمولة على أساس قيمة الصفقة لا على أساس الصفقة نفسها, وهذا أمر ينبغي الوقوف عنده ودراسة أثره على مستقبل السوق, إلا أن الأهم هو طريقة احتساب العمولة التي يدفعها اليوم المشتري والبائع وهذا يخالف الأعراف المعروفة في المعاملات التجارية. فإذا كان الجهد اللازم لإتمام عملية بيع حجمها على سبيل المثال 50 ألف ريال هو الجهد نفسه اللازم لإتمام عملية بيع حجمها 100 مليون ريال, وهذا ما تعمل به البنوك نفسها في عمليات التحويل المالي فإن العمولة التي تحصل عليها البنوك التجارية في عملية البيع الثانية تزيد بألفي مرة على عمولة عملية البيع الأولى بالرغم من أن الجهد هو نفسه، لذا ينبغي المسارعة في مراجعة العمولات التي يتقاضاها الوسطاء بشكل عاجل.

* عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحاسبة.
<p><a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي