Author

البنوك الأجنبية تهدد ربحية المصارف السعودية

|
يبدو أن السوق المصرفية السعودية تتهيأ لدخول مرحلة ما بعد الانضمام لمنظمة التجارة العالمية والسماح للبنوك الأجنبية بمزاولة الأعمال المصرفية في السعودية. عشر رخص جديده لمزاولة الأعمال المصرفية تم إصدارها من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي لبنوك أجنبية. هذه المصارف ستقتطع جزءا لا يستهان به من أعمال المصارف السعودية وستسهم في إعادة تشكيل المنافسة الحالية. الحصص السوقية لن تبقى على ما هي عليه، فالمصارف العالمية أعدت دراسات جدوى دقيقة قبل أن تفكر في دخول السوق السعودية، وهي تمني نفسها، اعتمادا على ما توافر لديها من بيانات وما تمتلكه من قدرات تنافسية، باستقطاع جزء من السوق الحالية ومن ثم التوسع في زيادة حصتها بما يتناسب مع أهدافها وسمعتها العالمية. لا يمكن أن نقارن بين الفترة التي ولد فيها أول مكتب للشركة التجارية الهولندية Netherlands trading society في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1926 وهو المكتب المتخصص في تقديم الخدمات المالية للحجاج القادمين من المستعمرات الهولندية والذي تحول إلى بنك هولندا العام Algemene bank netherland فيما بعد، وبين وضعيتها الحالية. هناك مراحل رئيسية لتأريخ المصارف الأجنبية في السوق السعودية، الأولى يمثلها افتتاح أول مصرف أجنبي لخدمة رعايا دولة أجنبية ثم تطويره لتقديم الخدمات المصرفية من خلال فروع له في جدة, مكة, والدمام، والمرحلة الثانية دخول مصارف أجنبية أخرى إلى السوق السعودية لتقديم الخدمات المالية والمرحلة الثالثة تحول المصارف الأجنبية إلى مصارف سعودية أجنبية مشتركة يمتلك الشريك الأجنبي فيها نسبا لا تتجاوز 40 في المائة من رأس المال. في المرحلتين الأولى والثانية كانت السوق السعودية في حاجة للخبرات الأجنبية وللمصارف العالمية نظرا لافتقار السوق السعودية للمنشآت المصرفية المحلية بسبب ثقافة المجتمع السائدة. في ذلك الوقت، كان التداول التجاري والمالي بسيطا مقارنة بما هو عليه في وقتنا الحالي، لذا كانت المنافسة شبه معدومة. ومع تطور الاقتصاد ونضج المجتمع بدأت البنوك تمثل العصب الرئيس المتحكم في الاقتصاد الوطني فارتأت القيادة السياسية ضرورة تحول المصارف الأجنبية إلى سعودية أجنبية برأسمال مشترك يعطى السعوديون فيها نسبة الأغلبية. كانت موجة التأمييم هي الموجة السائدة في الدول العربية، لكنها لم تكن نهجا للسعوديين الذين اختاروا المشاركة البناءة عوضا عن التأميم القاتل. تطورت تلك المصارف ونمت نموا طرديا مع نمو الاقتصاد المحلي حتى أصبحت تدر أرباحا خيالية على الشركاء الأجانب الذين تمرسوا في السوق السعودية واكتسبوا الخبرة الكافية في القوانين والأنظمة والسوق المصرفية وما تحتويه من أفراد وشركات. بعض الشركاء الأجانب لم يكتفوا بشراكتهم مع البنوك السعودية, بل استغلوا تلك الشراكة لسحب الاستثمارات السعودية إلى مصارفهم الأجنبية في دولهم. أثمرت تلك الجهود عن تحويل استثمارات ضخمة إلى الخارج، وأصبحت تلك البنوك الأجنبية تخصص مديري حسابات للعملاء السعوديين الذين يتم استقطابهم من خلال البنك المشترك، وهي مخالفة صريحة لقوانين مؤسسة النقد العربي السعودي. الآن، وبعد دخول المصارف الأجنبية، ومن ضمنها مصارف لها شراكات سابقة مع بنوكنا المحلية، إلى السوق السعودية فإن المنافسة سترتفع إلى السقف الأعلى وستتحول جميع الأعمال التسويقية الخفية إلى برامج تسويقية مقننة ومدعمة بالحملات الإعلانية ما يعني تضاعف الجهود وزيادة الكسب وسحب القاعدة الذهبية لعملاء المصارف السعودية, بل لعل الأمر يصبح أكثر خطورة إذا ما نظر إليه من زاوية نوعية العملاء، فالمصارف السعودية تئن تحت وطأة حجم كبير من صغار العملاء، وهذا الكم الهائل يحتاج إلى خدمات هائلة ومصاريف إدارية لا يمكن للمصارف تحملها ما يجعل فروع تلك المصارف مكتظة بالعملاء. في حين ستنتقي المصارف الأجنبية عملاءها بحسب الخبرة التي لديها وستطبق نظرية 80/20 التي تقول إن 80 في المائة من كسب المصارف يأتي من 20 في المائة من العملاء، وهم دون أدنى شك سيستقطبون الـ 20 في المائة من العملاء الذين يمثلون الشريحة المستهدفة لتحقيق العائد الأكبر مقابل المصروفات والخدمات الأقل. المصارف الأجنبية لن تتوسع في نشر الفروع، فهذا لا يدخل ضمن خططها الاستراتيجية، ولكن المرجح أن تفتتح فروع متخصصة على مستوى عالي من التميز في المدن الرئيسية، لضمان خفض المصروفات، وستهدف إلى التركيز على القطاعات الأكبر ربحية وهي قطاع الشركات، والاستثمارات، والخدمات الخاصة، وربما القروض الشخصية عن طريق التعامل الإكتروني والمسوقون الجائلون. المصارف الأجنبية ستتمتع بدعم قوي في مجال الاستثمارات وتوفير القروض الضخمة للشركات، والاستشارات الدولية وهو ما لا تستطيع المصارف السعودية مجاراتهم فيها. أحد البنوك الأجنبية، من القارة الهندية، ومستقبلا بنوك أخرى من الفلبين وإندونيسيا، سيتخصص في الحوالات المصرفية مستفيدا من القاعدة العريضة للعمالة الهندية في السوق السعودية. تخصص هذا البنك في الحوالات الخاصة بمواطنيه سيؤثر في ربحية أحد البنوك السعودية التي تعتمد كثيرا على الأرباح المحصلة من الحوالات المصرفية. خبرة المصارف السعودية في السوق والعملاء قد لا تصمد أمام بعض المصارف الأجنبية التي ستستفيد من خبراتها السابقة التي اكتسبتها خلال مشاركتها للبنوك المحلية, بل ربما استفادت من موظفي تلك المصارف بعد نقل خدماتهم لتحقيق الاستراتيجيات التسويقية. أعتقد أن المحافظة على الموارد البشرية المدربة والتي تتمتع بخبرات بنكية واسعة ومنع انتقالها بسهولة إلى المصارف الأجنبية هي الخطوة الأولى لتحقيق الأمن التنافسي، ثم يأتي دور الخدمات والمكننة ونوعية الفروع ومواقع توزيعها الجغرافي. عودا على بدء، يجب ألا نهون من أمر منافسة المصارف الأجنبية نظيراتها السعودية إذا كنا بحق نسعى للمحافظة على مكتسبات المصارف المحلية، بل يفترض أن تكون المصارف السعودية قد أنهت دراساتها الدقيقة للمنافسة المتوقعة من البنوك الأجنبية وأعدت العدة سلفا لمواجهتها واحتواء المخاطر المترتبة على دخولها السوق المحلية. احتواء المخاطر ربما يستوجب اندماج بعض المصارف السعودية وتحولها إلى المصرفية الإسلامية، وهو بحد ذاته هدف استراتيجي يستحق التنفيذ.
إنشرها