الحوار الوطني الخامس.. تجربة انفتاح
عقد الأربعاء الماضي في الرياض اللقاء الحواري التحضيري الثالث عشر للقاء الخامس لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, الذي سيعقد في أبها في الحادي عشر من شهر ذي القعدة المقبل. وقد ضم اللقاء 62 مشاركة ومشاركا بالتساوي في فندق الإنتركونتننتال، كنت إحداهن. وموضوع الحوار الخامس هو "نحن والآخر: رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية" من خلال ثلاثة محاور: الشرعي، الذي يعنى بتوضيح الأسس الشرعية لفهم "الآخر" والتعامل معه. الحضاري- الثقافي الذي يبين أثر التعامل بين الثقافات المتنوعة مع توضيح الأساليب والمنطلقات التي يبنى عليها الحوار الحضاري بين الأمم. والمحور السياسي - الاقتصادي ويناقش الإطار السياسي والمصالح المشتركة والتعاون على الخير في علاقتنا بالثقافات الأخرى وأسس التعامل مع الكيانات والدول المعاصرة.
وعلى هامش اللقاء أقيمت كذلك ورشة عمل للتدريب على الحوار خاصة بالشباب والشابات، 30 من كل جنس. وهو إجراء اتبعه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني خلال جميع جولاته الـ 12 السابقة للرياض والخاصة بالحوار الخامس. وتمتد المرحلة العمرية والدراسية لورشات الشباب من الأول ثانوي وحتى خريجي الجامعات. وهو تقليد جديد يجعل من دور المركز أكثر فاعلية وترسيخاً من خلال وصوله إلى الفئات الشابة ومن خلال تعميم ثقافة جديدة في مجتمعنا هو في أمس الحاجة إليها.
وهذا التقليد على أهميته وتميزه في اعتقادي واستجابته للمؤمل من هذا المركز، إلا أني أرى أنه كان أكثر فائدة لو أننا تركنا هؤلاء الشباب يشهدون جلسات الحوار ويسجلون ملاحظاتهن وملاحظاتهم عليها ومن ثم تعقد الورشة لتكون مبنية على تجربة واقعية يمكن أن تثبت مفاهيم الحوار (ليس بالضرورة أن المتحاورين سيلتزمون مبادئ الحوار الصحيح، لكن على الأقل ستتوافر للشباب مادة لينطلقوا منها على المستوى النقدي على الأقل)، ومن جانب آخر يمكن أن يكون موضوع الحوار محور التطبيق فتصبح الورشة تدور حول نحن والآخر لكن من وجهة نظر الشباب. ولعل هذا هو المطلوب كأحد مخرجات الحوار الرابع الذي كان خاصاً بهم. فإنه على الرغم من أننا كنا سوياً مع هؤلاء الفتيات في الفندق نفسه إلا أننا لم نر ظل أي منهن، وأعتقد أن في هذا تفويتاً لفرصة كانت يمكن أن تكون ثمينة لنا ولهن. فنحن كذلك بحاجة إلى أن نرى شاباتنا وأن تتاح الفرصة لنا ولهن للاستماع والحوار، على الأقل في دقائق الاستراحة. إن عقد ورش العمل هذه لتتزامن مع الحوارات الرئيسة ينتفي غرضها في هذه الحال وأرجو أن يستدركها المركز.
من الملاحظ أن مركز الحوار الوطني استجاب للملاحظات التي أثيرت في اللقاءات الحوارية الماضية حول سلبية غلق الباب دون الصحافة والتنبيه على المشاركين والمشاركات على سرية ما يدور، فنجده فتح الباب اليوم للصحافة على مصراعيه ولم يجر أي تنبيه للمشاركات والمشاركين، إلا بالتزام الأمانة في النقل والحرص على عدم ربط الأفكار بالأسماء حتى لا يتحول الحوار إلى المستوى الشخصي. وهذه درجة من الانفتاح تحسب للحوار وتحاصر الصحافة التي تقاعس جزء منها عن أداء دوره بعد أن خلت الساحة من الممنوعات وعاد عدد منهن ومنهم إلى عادة انتظار البيان الختامي ومسودة نص الحوار دون أن يكونوا حاضرين بأنفسهم. أو تجد من الصحافيات من تأتيك وجلسة الحوار دائرة وتطلب الإفادة حول ما داخلتُ به لأنها لم تكن موجودة، ويا حبذا لو استطعتُ تزويدها بالنص قبل مضي نصف ساعة لأنها لا يمكنها البقاء لما بعد الساعة الثانية عشرة! وأخرى تترك لي ورقة أسئلة على أوراقي دون أن تتابعها، فأجد نفسي أجيب عن أسئلة من باب التعاون معهن، ولا من يسأل عنها.
كما لاحظت أن أبواب الحوار لم تكن موصدة أمام من تريد الحضور، وإن كان الإعلان عن ذلك لم يحدث، فوجدت عددا من المهتمات بالشأن العام ممن طلبن الحضور من إدارة الحوار وسمح لهن بذلك, وهي نقطة تحسب كذلك للمركز.
إن توسيع دائرة المتحاورين لتشمل جميع محافظات المملكة الـ 13 وبتمثيل نخبتها من النساء والرجال في اللقاءات التحضيرية للحوار الخامس في عدد بلغ 700 مشاركة ومشارك، هذا فضلاً عن نحو 400 شابة وشاب يخضعن ويخضعوا لورش عمل مكثفة حول مهارات الحوار والاتصال، يعني شمولية في الحصول على أفكار ممثلة لأطراف متعددة قدر الإمكان, تجعل من تجربة مركز الحوار تجربة جادة إذ يسعى لتطوير نفسه مستفيداً من كل ما يصله من ملاحظات نقدية، وربما لا يتبقى إلا القليل لتتحول هذه الجولات إلى جولات مفتوحة.
كان الحوار مباشرا وجريئاً وساخناً منذ البداية، ولكني سأتوقف هنا وأترك الخوض فيه إلى الأسبوع المقبل حتى لا أطيل عليكم اليوم.