الأمن الوطني: البعد الاقتصادي

تأتي إعادة تأهيل مجلس أمن وطني بنظام جديد تحت قيادة جديدة نافذة ذات تجربة معتبرة لتأطير وهيكلة عملية الأوليات في صنع القرار الاستراتيجي. في المعنى العام للأمن هناك النفسي والموضوعي حيث يغلب على الناس الوعي بالهاجس النفسي ومنها المنغصات سواء كانت إرهابية أو إعلامية بما له علاقة بالوطن محليا وخارجيا, للأمن الوطني أبعاد كثيرة تمس جميع نواحي الحياة أفقيا ورأسيا في جميع دول العالم وفي المملكة تعطي الأهمية الدينية والنفطية وتحدي التنمية، الأمن الوطني الشامل درجة حساسية أعلى.
تنظيميا يجب أن يكون هناك فصل بين المخطط والمفكر من ناحية، والأجهزة التنفيذية من ناحية أخرى, لكي نتفادى بعض الجوانب السلبية التي صحبت أداء المجلس الاقتصادي الأعلى.
يرى كاتب هذه السطور أن العمود الفقري للأمن الوطني هو التنمية الاقتصادية في المدى البعيد، في عالم الإعلام الفضائي يكون المدى القصير وما يحمله من إثارة هو الأكثر جاذبية خاصة في مجتمعات تغلب عليها العاطفة على حساب التفكير الهادئ المنطقي, أو في منطقة من العالم قابلة للتدخلات الأجنبية لعدة أسباب. لعل الكثير قد ينسى أنه حتى صاحب القرار قد يخضع لهذه المؤثرات على حساب تركيزه على البوصلة الرئيسية لأمن الوطن.
كما أن الكثير من المراقبين والأكاديميين في المملكة سوف يقارنون سريعا بين هذه المهمة والمنصب في الغرب ولعل هذا خطأ آخر في درجة التركيز على الأولويات لأمن الوطن.
الجانب الاقتصادي في المعادلة الأمنية ذو بعد استراتيجي والنجاح فيه لا يعزز الأمن فقط بل يغير في نمط تفكير المجتمع في خلق بيئة يكون الفكر المصلحي المنطقي هو محور اهتمام الناس على حساب الفراغ الذي عادة ما يجد بديلا في المؤثرات والمنغصات المذكورة أعلاه.
ولعل أهم نقاط التقاطع على المستوى العملي بين الأمن الوطني والاقتصاد هو الصناعة النفطية وما لها من تأثير في الأمن الوطني وما للاقتصاد من تأثير في تعزيز الأوضاع الأمنية, فهذه دائرة خيرة يستحسن الرهان عليها. مركزية الصناعة النفطية في اقتصاد المملكة يجعلها محورا مهما في التعامل مع الأمن الوطني.
أحد جوانب هذه الصناعة هو النمو المتصاعد لاستهلاك النفط في المملكة, فاستهلاك المملكة من النفط يبلغ نحو 1.7 مليون برميل يوميا عدا الغاز, وهذا الاستهلاك في النفط يعادل نحو 20 في المائة من إنتاج المملكة (إذا شمل كل المنتجات النفطية) وهو في نمو متواصل وأعلى من النمو في الإنتاج والتصدير, هذه الزيادة ليست بسبب النمو الاقتصادي ودرجة الرفاه في المجتمع فقط وإنما بسبب الدعم الحكومي المباشر الذي بدوره يقلل التصدير ويسهم في خلق اقتصاد ريعي (معتمدا أساسا على دعم الحكومة). يجب على صناع القرار وقف هذا النزيف قبل أن يتفاقم ويصل إلى أوضاع خطرة كما في إيران, حيث يصل الاستهلاك إلى نحو نصف الإنتاج ويصبح (حقا) يصعب التعامل معه سياسيا, فالزيادة في الأسعار التدريجية أفضل السبل للتعامل مع الدعم الحكومي.
وهناك جانب آخر لا يقل أهمية عن الاستهلاك وهو إيجاد التوازن الأمثل بين المخزون الاقتصادي والجيولوجي للنفط وكمية الإنتاج والتصدير لتأمين وضع اقتصادي متوازن في المدى المنظور.
قبل سنوات قليلة ماضية استطاع القائمون على الصناعة النفطية تحجيم مبادرة الغاز والمحافظة على الاحتكار مما يكرس صناعة أقل قدرة على التنافس. التنافس يبرز الأفضل فينا بما يخدم التنمية والأمن.
لعل وجود مجلس بهذه الأهمية يسهم في الوصول إلى نظرة أعلى وأكثر شمولية لخدمة البلاد. إن التحدي الأهم لجميع دول العالم الثالث هو التنمية, فإذا فشلت في التنمية الاقتصادية فلن تستطيع حماية أمن الوطن. في المملكة تعتبر الصناعة النفطية هي المفصل الأساسي في التركيبة الاقتصادية, فالنجاح في هذه الصناعة سوف يسهل عملية تحول الاقتصاد السعودي إلى مستوى أكثر قدرة على التنافس لمزيد من أمن وطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي