أيهما أهم .. مجمعات تجارية أم مدارس وجامعات؟
أعيد وأكرر السؤال: أيهما أهم.. مجمعات تجارية أم مدارس وجامعات؟ وأتمنى أن نكرره حتى نحصل على الإجابة المقنعة.
لماذا نشاهد دول العالم تتسابق في بناء المدارس، المعاهد، الجامعات، ومراكز الأبحاث بينما نحن نتسابق في بناء المجمعات التجارية الاستهلاكية؟
في الهند، التي كان البعض منا يتندر بها إلى عهد قريب، ويتهم "الهندي بالغباء" لدرجة أنه يتساءل: هل أنت هندي؟ عندما لا يستطيع عقلك أن يهضم سذاجة وفوقية وتخلف بعض من يتهم الهنود بالغباء، لا تكاد تمشي على الطريق دون أن تشاهد الكثير جدا من المعاهد التقنية، الجامعات، المدارس المتخصصة، ومراكز الأبحاث التي مازالت تحت البناء والتشييد. فانظر ماذا فعل الهنود وكيف نهضوا بوطنهم ونهض بهم؟
لا أعرف إن كان هذا السؤال مشروعا أم لا، لكنه يفرض نفسه على المتابع والمهتم بالشأن التعليمي وكل ما يتعلق بمستقبل هذا الوطن الحبيب.
لماذا توجد أراض ومساحات شاسعة أو يتم توفيرها، لبناء المجمعات التجارية، بينما لا توجد أراض وأماكن تشيد عليها المدارس النموذجية في الأحياء والمدن، ليتم استئجار البيوت لتعاد التسمية من منزل إلى مدرسة؟ لماذا هذا التسابق على بناء المجمعات التجارية وهذا التهافت على الاستهلاك والدعاية لها؟
لم نعد نطلب ونطالب بالبحث العلمي، لأن القائمين عليه مازالوا يديرون البحث العلمي والأبحاث ويعاملون الباحثين على أنهم عمال.
فقط، كل ما نريد العودة إلى الوراء خطوات كثيرة وتأسيس، ترميم، وإعادة تأهيل مدارس وجامعات بالشكل الصحيح والمتقن كيلا تتكرر مآسي الأجيال بفقدان الهوية والانتماء والحرمان من الحياة المدرسية، بدلا من التهافت على بناء المجمعات التجارية التي تهدف إلى الاستهلاك وترسيخ الثقافة الاستهلاكية التي تفشت بشكل كبير لدينا.
لماذا التركيز على بناء الأسمنت والتفاخر به، وتجاهل بناء الإنسان والاستثمار فيه؟
ثلاثة نماذج من العلماء الباحثين ممن لهم مساهمات عالمية وقد أسس بعضهم حقلا جديدا في علمه وإبداعاته، أعرفهم جيدا، ويعملون في إحدى شركاتنا الكبرى ممن كلفت نفسها عناء وبناء (أسمنتيا) وتكاليف مركز أبحاث وتطوير، لكنها كلفت بإدارة هذا المركز العملاق المكلف أشخاصا مازالت تسيطر عليهم عقلية "العامل" ومازال عالقا وراسخا في عقولهم "إدارة العمال"، ولم يكتبوا في حياتهم بحثا علميا واحدا أو يشاركوا في أي أبحاث، أيا كان حجمها، فكيف لهم أن يعرفوا كيف يديرون الباحثين والعلماء؟
النماذج التي سبق الإشارة إلى أنني أعرفها، تتمثل في التالي:
الأول: استقال وذهب إلى دولة أجنبية منذ ما يقارب العامين سجل خلالها عشر براءات اختراع ودرجات علمية عالية أخرى.
الثاني: مقيد ويبحث عن سبيل للهجرة وقد أتته عروض ويبدو أنه بدأ في حزم الأمتعة.
الثالث: بدأ بالتململ وبدأ يتغزل في الأماكن التي تقدر البحث والتطوير.
هذه النماذج أعرفها جيدا وقريبة مني للغاية، وهناك الكثير، علما بأن هذه النماذج كانت مبدعة ووئدت أفكارها، وعندما أتيحت لها الفرصه أطلقت عنان العقل والعلم.
في حال استمرارنا في هذا النهج، فإنني أزعم أننا سنفقد معظم طاقاتنا البشرية، وتتغير سلوكياتنا إلى أسوأ مما بدأت نواقيس التحذير تدق به حاليا.
هل مازالت عقولنا تخطط للتنمية والكسب المادي وتفكيرنا يتركز في التنمية الأسمنتية؟
أما زلنا نعتقد أن شراءنا أحدث الأجهزة وجهلنا بتشغيله وصيانته ومبادئ عمله، يعني امتلاكنا التقنية؟
متى نلتفت إلى التنمية في الإنسان نفسه ونرسم لها الخطط ونذلل العقبات التي تقف عائقا في طريق تطوره وتقدمه؟
هذا كي لا يفاجأ أجيال ما بعد النفط والطفرات المادية بتحول المجمعات التجارية إلى "أفران صيفية" تستظل بها إبل وأغنام البدو الرحل.
أخيرا، متى نتوقف عن الاستثمار في المجمعات التجارية ونستثمر في الإنسان نفسه؟ ومتى تتغير نظرتنا إلى البحث العلمي والتطوير من "إدارة العمال" إلى إدارة العقل والعلم، وفتح آفاق الفضاء الرحب للتطوير والاختراع.