صندوق الأجيال
كنت في زيارة للكويت خلال إجازة الربيع، تجاذبتني فيها دعوات كريمة من العديد من الأصدقاء هناك، وكان حديثنا في غالبه عن الوطن الكبير حباً ومدحاً وعشقاً.. وبالطبع انتقاداً. شدني في الكويت مشروع أطلق عليه صندوق الأجيال، وهو اسم على مسمى، ففي كل عام تقتطع الحكومة جزءا من ميزانيتها السنوية وتحوله إلى هذا الصندوق، وهذا الصندوق للأجيال على اسمه يخزن من الأموال والفوائض الحالية ما ينفع الأجيال المقبلة، وبالطبع يستثمر الصندوق أمواله في العديد من الاستثمارات المحلية والعالمية، ويقوم على إدارته نخبة من الخبراء في التجارة والمال، لكي يتوافر للصندوق أفضل الاستثمارات الممكنة بأقل المخاطر المحتملة، فكرة رائعة من عقول مخلصة مبدعة.
هذا الموضوع يجرنا إلى الطفرة غير المسبوقة التي نعيشها في بلادنا (أدامها الله)، بدأت بشائرها مع ميزانية العام الماضي، وستستمر بإذن الله متى ما شكرنا الله عليها.
إن عوائد النفط التي صرفناها سابقاً ونصرفها حاليا هي ما جمعته الأرض في ملايين السنين واكتنزته هذه الأرض المباركة على مدى عمر الحياة فيها، وهو في الحقيقة وان كان لنا وبين أيدينا وتحت تصرفنا، إلا أننا لا نملكه ملكا مطلقا وصرفه يجب أن يخضع للقيود التي تفرض على أي مال أو مورد محدود، فهو قابل للنفاد، كما أن قيمته لا يضمن أحداً أن تستمر على هذا المنوال.
لست أطلب الكنز أو البخل ولكن أرى العدل في توزيعه بين الأجيال، والفكرة المبدعة التي قام بها أشقاؤنا في الكويت هي أحد أمثلة هذا العدل الذي أشير إليه.
اقتراحي هنا أن يتم تأسيس صندوق استثماري للأجيال المقبلة، برأس مال خمسة مليارات ريال، يضخ فيه سنويا 2 في المائة من إيرادات الدولة، كإضافة لرأسماله، وتتم إدارة هذا الصندوق على أسس تجارية بحتة، ويتم استثمار أمواله وفقاً للقواعد الاستثمارية المهنية لأي بنك استثماري، وتشغل أمواله داخل المملكة وخارجها في جميع المجالات الاستثمارية الممكنة، وأركز هنا على الصناعة والعقارات والخدمات وتأسيس الشركات، وقد يساهم الصندوق في شركات رأس المال المخاطر.
لنحلم قليلا كم سيكون لهذا الصندوق من عظيم الأثر على الاقتصاد وتوظيف الشباب ودعم المدخرات، وكيف سيكون هذا الصندوق واحداً من كبريات الشركات الاستثمارية، ليس في الشرق الأوسط فحسب وإنما في العالم أجمع.
مرة أخرى وثالثة ومستمرة.. أن يتم تشغيله وإدارته وفق أسس تجارية واستثمارية بحتة، توافق بين الأرباح والمخاطر، وعلى أسس استثمارية طويلة الأجل .. نعم طويلة الأجل فلا تنسوا أنه للأجيال المقبلة، والأهم من ذلك أن يكون الصندوق بعيداً عن السياسة والتدخلات الحكومية، وبعيدا عن صندوق الاستثمارات العامة.
أما الصرف منه فيخضع للمجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الوزراء وفق ضوابط معينة تدرس بعناية وتوضع بحذر.
مثل قديم.. احفظ القرش الأبيض لليوم الأسود .. جعل الله أيامكم كلها بيضاء.