"ينساب" وأثرها في سوق التداول

أصبح البعض يتشاءم مع بداية تداول أسهم الشركات حديثة الإدراج بسبب ما ينتاب السوق من تشنجات وردود أفعال متباينة لا يمكن القبول بها أو إدراجها ضمن ردود الأفعال المنطقية. يعتقد أنها ردود أفعال مبرمجة جيشت من أجل استغلالها للتأثير في مجريات السوق. إشاعة الرهبة بين المتداولين تؤدي بشكل تلقائي إلى إدخالهم في دائرة الخوف والضغط النفسي، ما يفرض عليهم اتخاذ القرارات المصيرية تحت عوامل نفسية حرجة، تقودهم نحو الخطأ اللاإرادي. ببساطة متناهية، لا يمكن لأية شركة حديثة التداول أن تستأثر باستثمارات السوق ذات الحجم المرتفع، ويرجع ذلك إلى حجم الشركة النسبي مقارنة بحجم السوق، ومحدودية الأسهم المعروضة في الأيام الأولى وهو أمر يحد كثيرا من كميات الأسهم المنفذة في أيام التداول الأولى. محدودية التنفيذ، وتوافر الفرص البديلة، يحولان دون إقدام المستثمرين على تسييل محافظهم من أجل اقتناء أسهم الشركة الجديدة، ولعلهم يبادرون إلى توفير جزء بسيط من السيولة لشراء ما أمكن من كمية الأسهم المحدودة مع بداية التداول. إضافة إلى ذلك، فمن التجارب السابقة، يجد السهم حديث الطرح قوة طلب عالية يقابلها نقص في المعروض مما يؤدي إلى ارتفاع قيمة السهم بشكل مبالغ فيه، ما يجعل عملية الاستثمار فيه ضربا من أشكال المخاطرة. مثل ذلك الأمر حدث بعيد طرح أسهم بنك البلاد للتداول، فسعر البنك الحالي يقل بأكثر من 150 ريالا عن سعره في أيام تداوله الأولى، بل إن السهم وصل إلى مستويات متدنية أصابت كل من أقدم على شرائه في أيامه الأولى بالندم. ونستثني من هؤلاء كل من أقدم على تجميع السهم من أجل تحقيق خطط استراتيجية لا تدخل من ضمنها مستويات الشراء السعرية، فهدفهم الأساسي كان يتمحور حول اقتناء السهم بغض النظر عن التوقيت الأمثل للشراء. لذا يفترض ألا تتعرض السوق لتأثيرات سلبية جراء إدراج أسهم الشركات حديثة الطرح، بل أبعد من ذلك، يفترض أن تكون هناك تأثيرات إيجابية في الشركات المساهمة في تأسيس شركة ينساب. هذا جانب من التحليل المنطقي، لكن الواقع ربما خالف المنطق، وهو ما يمكن حدوثه في حالة رغبة صناع السوق في الضغط على الأسعار من أجل جمع أكبر قدر من أسهم المحفزات بأسعار متدنية.
التأثير السلبي الذي قد يحدثه تداول شركة ينساب يفترض أن يكون تأثيرا تقنيا بحتا ليس له علاقة بالسيولة وتوجهات المضاربين وصناع السوق. تداول شركة ينساب يعني تدافع أعداد مهولة من ملاك الأسهم من أجل بيع أسهمهم في اليوم الأول لضمان أفضل الأسعار، وهم يعتمدون على خبراتهم السابقة في عمليات بيع أسهم الاكتتاب. تلك الأعداد المهولة تعني أوامر بيع ضخمة، وأوامر شراء ربما يقل حجمها عن أوامر البيع، ولكنها تمثل مجتمعة حزمة أوامر لا يمكن لنظام تداول من استيعابها دون أن تحدث مشاكل تقنية جانبية. وبإضافة الأوامر الطبيعية المنفذة يوميا فإن الأمر يصبح أكثر سوءا، وربما يؤدي إلى تعطل بعض أجهزة البنوك أو بطء شديد في عمليات الإدخال والتنفيذ ما يعني تأثيرا مباشرا في الكميات المنفذة وفي مؤشر الأسعار. وهو ما يدفع بعض الخبراء إلى القول إن تذبذب المؤشر لا يمكن أن يعتد به في مثل تلك الأوقات، فهو يتحرك بناء على مؤثرات خارجية ليس لها علاقة بالأوضاع الطبيعية للتداول.
ولعل هيئة السوق المالية أدركت بفطنتها حجم نظام التداول فآثرت أن تبدأ تداول "ينساب" قبل الموعد الرسمي للتداول اليومي تخفيفا على خادم النظام (السيرفر) وتسهيلا للوسطاء والبنوك في آن واحد. هذا الإجراء يقودنا إلى اقتراح لعله يكون مناسبا لمواجهة المشاكل التي تنتج عن طرح الأسهم الجديدة في السوق وزيادة حجم الأوامر بصورة لا يمكن لنظام التداول من تحملها. يمكن أن نعتبر الفكرة المقترحة امتدادا لقرار تقديم موعد التداول لشركة ينساب، وتجربة لقرار الهيئة المتعلق بـ "السوق الثانية". بحيث تكون هناك فترة مستقلة لتداول "ينساب" تبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى العاشرة، ثم يتوقف تداول الشركة مع بدء تداول السوق الرسمي. ثم يعاد لساعة أخرى من الثانية عشرة وحتى الواحدة ظهرا أو يرحل الموعد إلى الفترة المسائية بحيث يكون قبل افتتاح السوق أو بعده. بهذه الطريقة تكون لدينا فترتا تداول مستقلتان لتداول الشركات الجديدة لمدة أسبوع على سبيل المثال، يمكن تخفيض المدة بحسب عدد الأسهم المطروحة، بحيث نضمن سهولة التنفيذ وكفاءة نظام التداول وعدم تعرضه لأية مشكلات قد تؤدي إلى تعطيله وتعريض المستثمرين لخسائر لا يمكن حصرها.
في اعتقادي الخاص، أن تأثير "ينساب" التقني أكثر خطورة في السوق من تأثيرها المالي، ولعل صناع السوق يكونون أكثر واقعية وحرصا على السوق في هذا الوقت بالذات من أي وقت مضى نظرا لحساسية الموقف في وقتنا الحالي. فالإصرار على أخذ أسهم صغار المستثمرين بأسعار بخسة قد يقود السوق بأكملها إلى الانهيار، لا قدر الله.

المزيد من الرأي