فن تحويل المستثمرين السعوديين إلى عمالة !!!

إعلان بحجم ربع صفحة نشر في جميع الصحف السعودية، على شكل حملة إعلانية، تتم للمرة الثانية، تنم هذه الحملة عن حس رفيع وعال بالمواطنة الصادقة والمخلصة، المعلن هو وزارة العمل والمستهدف هو المستثمر السعودي، وفيما يلي مقاطع من الإعلان وهي زبدته: المقطع الأول " تود الوزارة أن توضح للعموم بأن قيام أي شخص بتجهيز أو استئجار محل تجاري وتهيئته لممارسة أي نشاط اقتصادي أو حصول ذلك الشخص على سجل تجاري أو رخصة بلدية لا يعطيه حقاً تلقائياً لاستقدام عمالة وافدة، فالأنشطة التجارية والاقتصادية يجب أن تقام ومنذ البداية على أساس توظيف مواطنين سعوديين وليس تحت فرضية الاعتماد على عمالة وافدة، ولذلك فإن مجرد الحصول على السجل التجاري أو الرخصة البلدية أو تجهيز محل تجاري لا يعتبر بأي حال مبرراً"، يقول الإعلان في مقطع ثان "إن قرار إنشاء أي منشأة أو إقامة أي نشاط تجاري هو قرار شخصي يتخذه المستثمر، وليست الوزارة طرفاً فيه ولا تتحمل أي تبعات تنجم عن ذلك القرار فيما يتعلق بالاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة وإنما يتحملها المستثمر نفسه"، وفي المقطع الثالث "الوزارة لن تنظر في طلبات الاستقدام إلا من منطلق الحاجة الفعلية لأنشطة ذات قيمة اقتصادية مضافة وبعد أن يثبت صاحب الطلب أنه بحث قبل تقديم طلبه عن عمالة سعودية ولم يجدها".
هذا الإعلان المتجلي أرى في ظاهره الرحمة ومن باطنه العذاب، أي إحباط وأي حرص تبديه الوزارة على مواطنيها، وأي تشجيع هذا للمواطنين للاستثمار في بلدهم وضخ أموالهم وخدمتهم وتنميتهم له، ففي خضم حرص وزارتنا العزيزة الغالية على توظيف مواطنيها تجد على النقيض تماما حرصها على استثماراتهم، لماذا في بلادنا كل يغني على ليلاه، ولماذا هذا التنسيق المتخبط بين الجهات الحكومية، هذا الإعلان بالتأكيد سيؤدي إلى هروب المستثمرين السعوديين ليس إلى خارج المملكة حتى لا يودعهم أحد في المطارات ولكن بالتأكيد سيؤدي إلى هروبهم من عالم الاستثمار والتجارة إلى عالم الموظفين الكادحين.
تفكرت كثيراً في المقطع الثالث من الإعلان المذكور الذي يركز على قيام الوزارة بدراسة طلبات الاستقدام من خلال الحاجة الفعلية لأنشطة المستثمر والتأكد من أن نشاط المستثمر يضيف قيمة اقتصادية، وأتساءل ببراءة تامة جدا: من الذي يقرر القيمة الاقتصادية المضافة للنشاط؟ ومم يتكون جهاز الوزارة الذي يستطيع الدراسة واتخاذ القرار!!! وسؤالي الأكثر براءة هو: هل عمل الوزارة هو إقرار القيمة الاقتصادية المضافة أم أن هذا هو عمل الجهات صاحبة الاختصاص التي أعطت التراخيص للمستثمرين وخاصة وزارة التجارة والصناعة.
المشكلة الأكبر ليست في هروب المستثمرين إلى خارج الوطن، فالعالم كله يجب أن يكون وطناً للمستثمر الطموح، ولكن المشكلة العظمى تكمن في تحويل طموحات الشباب بل ومنتهى طموحاتهم وأحلامهم في الحصول على وظيفة تعطيه معاشاً شهريا يعيش عليه، هل هذا ما نطلبه ونأمله من الشباب السعودي، إذا كانت الوزارة تريد ذلك فنحن معشر الشباب لا نريده، بل نريد أن نشارك في نهضة الوطن من موقع التأثير وليس من موقع المتلقي، الطفرة الحالية التي نستمتع بها ونتلذذ بنعيمها هل نضمن استمرارها؟ إن استمرار التوظيف وبقاء العمالة السعودية في سوق العمل مرهون باستمرار الطفرة، وإذا ما انتهت، سيبقى المبادرون وأصحاب الأعمال فقط، وسيتجه الموظفون الكادحون مرة أخرى إلى سوق العمل للبحث عن وظيفة جديدة ومعاش يكفيه حاجات يومه، والأيام دول وتعلموا من تجارب غيركم، إذا أصبحت الوظيفة ثقافة في المجتمع فإن تغييرها لن يتم بقرار أو بتوجيه أو بمرسوم، إن كان هدم البيت يتم في يوم فإن بناءه يستغرق سنوات.
إنني اطرح تساؤلا فنياً على إخواننا وأساتذتنا الكرام في الوزارة هل المصلحة النهائية والمقاصد الرئيسية والغاية من هذه الإعلانات و القرارات هو القضاء على البطالة؟ أم القضاء على العمالة الأجنبية؟ وهناك فرق كبير بين المقصدين، فالقضاء على البطالة يجب أن يتم من خلال خلق فرص عمل جديدة، وخلق الفرص لا يتم من خلال التضييق على المستثمرين، وإنما من خلال تحفيز المستثمرين على فتح الأسواق واستحداث الفرص الجديدة، فتحفيز شاب جاد على الاستثمار واستقدامه ثلاثة أجانب يستحق الإشادة والتشجيع أكثر من الشاب الذي همه الأول والوحيد البحث عن عمل ويوكل الدولة لمساعدته في ذلك، يكفينا من الشاب المستثمر أنه كفى الدولة عناء البحث عن وظيفة له، وخفف الازدحام في طابور البطالة، وحل محله شاب آخر لا يملك مقوماته ولا إمكانياته.
أعرف شخصياً بعض الشباب كان يفكر في الاستثمار، وبموجب التنظيمات الجديدة الخاصة بالعمل، فإنهم لا يزالون يجلسون في مقاعد الموظفين، أو يقفون في طابور البطالة بانتظار منحة وزارة العمل بإيجاد وظيفة لهم، الأدهى والأمر أن بعض الشباب تحولوا من مستثمرين إلى عماله بعد أن عقدتهم الوزارة وأغلقت الأبواب أمامهم في سبيل الاستقدام الذي هو عصب المنشآت الصغيرة، وبالتالي زادت نسب البطالة بهم، والبقية في الطريق.
إنني أوجه نداء إلى كل شاب لديه القدرة الشخصية والمالية والمهارات اللازمة بألا يخضع ولا يستسلم لقرارات وزارة العمل، التي ستدمر عقلية وفكر وطموح المبادرة والحماس وستنحسر على إثر ذلك المنشآت الصغيرة التي هي عماد أي اقتصاد، بل أدعوه إلى أن يستثمر داخل الوطن أو خارجه في كل مجال يناسبه، وألا يلجأ للوظيفة إلا مضطراً مهما كلفه ذلك الأمر، فسيبقى الوطن لكل مواطن محب ومخلص بإذن الله.
كما أنني أوجه رسالة إلى كل مسؤول في وزارة العمل: إن كل تعقيد مهما صغر حجمه فلا بد أن يثمر عن فساد يكون ناجما عنه ونتيجة له.

أسأل الله أن يحفظ لنا الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي