الشركات العقارية.. هل هي فخ المساهمات الجديد؟

إعلانات متواصلة لمدة أسبوعين أو أكثر ، تدعوك بل وتشدك شداً للحضور حيث تأسيس الشركة المساهمة العقارية وبرأسمال يتجاوز مئات الملايين ، كيف لا تحضر وحلم جميل يتراءى بين ناظريك فستكون أحد المؤسسين في الشركة العقارية المساهمة ( وعبارة المساهمة هذه تكفي ، حيث إنها الكلمة السرية التي تجعل الحليم حيرانا وتحول الخشب إلى ذهب والزجاج إلى ألماس)؟
تدخل قاعة المحاضرات في إحدى الغرف التجارية الصناعية حيث أشارت الدعوة لمكان الاجتماع، ها أنذا الآن في الاجتماع التأسيسي، حيث تصدر القاعة وعلى المنصة الرئيسية ثلاثة مشالح موشحة بالزري الأخاذ، بداخلها ثلاثة رجال، يفترض أنهم من سيتحدث عن المشروع الجبار، وعلى المقاعد ملف باسم الشركة: مكتوب عليه اسم الشركة ورأسمالها وشعارها وهو "رؤية استراتيجية للاستثمار العقاري"، بداخل الملف: برنامج الحفل ونموذج للتأسيس موجه لسيدات ورجال الأعمال، ونموذج شهادة مؤسس نقدي ونموذج شهادة مؤسس عيني وفي جميع هذه النماذج تمت الإشارة إلى احتساب 10 في المائة مصاريف تأسيس إدارية، ويتضمن الملف نموذج تثمين الأصول، وإقرارا به يتضمن تحمل المستثمر تكاليف التقييم المقررة وهي 2.5 في المائة (أكرر اثنين ونصف في المائة من قيمة الأصل !!!) وطبعا يحتوي الملف على كرت سعادة رئيس مجلس الإدارة.
بدأ الحفل، وبعد مقدمة قدمها المذيع المعروف...، الكلمة لرئيس مجلس الإدارة .. رؤية الشركة.. استراتيجيتها.. أهدافها.. كلام لا يقدم ولا يؤخر ومستهلك للغاية وبعيد كل البعد عن الشعار المكتوب على الملف، والزبدة لا جديد باستثناء المشروع الساحر الذي أشار إليه وهو " شراء أو الاستفادة من المساهمات المتعثرة "، انتهت كلمته العبقرية وعرضه المشوق !!! أعطيت الراية إلى ممثل شركة التقييم، الذي تحدث عن شركته وسابقة الخبرة . . . لم يتحدث الثالث ... انتهى العرض.
بدأت المناقشة مع الحضور:
أحد المستثمرين: استقبال المساهمات المتعثرة من قبل الشركة قد يؤدي إلى تعثر الشركة نفسها، حيث إن هذه المساهمات فيها ما فيها من المشاكل ووو .
رد سعادة الرئيس: إن اختيار هذه المساهمات سيتم بناء على دراسات مستفيضة واختيار متشدد وواضح وانتقائي للمساهمات المفيدة ووو .
توالت الأسئلة والاستفسارات حول المساهمات المتعثرة فقط ، ففوجئ الحضور خلال سؤال أحدهم بصوت رئيس المجلس الذي نسي الميكرفون مفتوحاَ وهو يلتفت إلى جانبه " أشغلونا بالمساهمات . . . أعطونا الدراهم هالحين ويصير خير".
توالت فصول المسرحية الهزلية بسؤال أحد المستثمرين الموجه إلى شركة التقييم مبدياَ اعتراضه على تكلفة التقييم ، وأنها غير عادلة وهي 2.5 في المائة (أكرر اثنين ونصف في المائة من قيمة الأصل !!!) مقترحاً عدم سدادها مقدماَ واستقطاعها من قيمة الأصل عند قبوله كمساهمة، فأحال ممثل شركة التقييم السؤال إلى فارس الجلسة / سعادة رئيس مجلس الإدارة الذي بادر بقوله: انتهينا. هذا موضوع قررناه وانتهينا منه.
ما ذكر ليس فصلاَ من مسرحية هزلية ولا فيلما كرتونيا ، ولكنه حقيقة واقعية حصلت فصولها على مرأى ومسمع جمع من الحاضرين الأكارم الذين حضروا هذه المسرحية طمعاً في استثمار حقيقي ومستقبلي واعد ، وأخوف ما أخاف على المستثمرين الصغار من هذا الفخ الذي ينصب لهم عبر أملهم في الدخول في شركات مساهمة كمؤسسين وحصولهم على الأسهم التي ستتضاعف قيمتها خلال أسابيع ، وستصبح أرقاماً فلكية وسيصبحون مليونيرات بعد إدراج أسهم الشركة في السوق .
هذا الحادث ذكرني أيضا بحادثة فعلية حصلت قبل أشهر، حيث فوجئت بالعديد من المستثمرين يتصلون بي، يستفسرون عن إحدى الشركات المساهمة الاستثمارية تحت التأسيس التي يبلغ رأسمالها مليار ريال، وسبب سؤالي أنا، أن مكتبنا هو من أعد دراسة الجدوى الاقتصادية لها وأسمنا موجود ضمن ملف الترويج، اتصلت بالشركة وطلبت الملف التي يروج للمساهمة في الشركة بناء عليه ، فوجدته ملفاً هزيلا من حيث الشكل والمضمون، ووضع فيه زخم كبير من المكاتب الاستشارية والاقتصادية المحلية والعالمية، بدون ذكر واضح لمهام كل منهم حتى إن أسم أحد هذه المكاتب وضع باسمه القديم الذي تغير منذ ما يزيد على خمس سنوات، وبعد اتصالات سريعة مع زملائنا في هذه المكاتب وجدت حقيقة أن بعضهم لا يعرف عن المشروع شيئاً، ولا عن المستثمر، والأدهى والأمر في الموضوع أن مؤسس ذلك المشروع طلب من كل من يرغب في التأسيس دفع 50 في المائة من قيمة المساهمة كعلاوة إصدار !!!! ومن باب اطمئنان المساهمين ذكر أن هذه العلاوة ستدرج كاملة في رأسمال الشركة لصالحه طبعاَ !!! أي استغلال هذا وأي استغفال، شركة لم تبدأ بعد ولا تتمتع بأي ميزة نسبية تطلب مقابل المساهمة فيها 50 في المائة (أكرر خمسين في المائة) أنا متأكد أنه لا توجد أي ظاهرة مشابهة لهذه الظاهرة في أي مكان في العالم.
شركات مساهمة مقفلة عديدة شرع في تأسيسها، وهي لا شك ظاهرة صحية في الجملة، ولكن رجائي الحار إلى المستثمرين أولاً وخاصة صغارهم بألا ينزلقوا أمام هذه الدعوات دون دراسة كافية لها، وللمسؤولين ثانياَ بألا تتكرر عمليات توظيف الأموال أو المساهمات المتعثرة تحت ستار الاستثمار واستغلال حاجة الناس إلى أوعية استثمارية آمنة لأموالهم، ويستمر المسلسل بنفس النهاية ولكن بأبطال جدد وسيناريو مطور وحبكة إبداعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي