هل اقترب ميلاد منظمة الدول المصدرة للغاز؟
خالد أحمد عثمان
قبل أكثر من عام، تناولنا في مقالات سابقة بالدراسة والتحليل احتمال إنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) وانتهينا إلى القول إنه ليس من المستبعد في المستقبل القريب أن تخرج إلى حيز الوجود منظمة دولية للغاز للدفاع عن مصالح مصدري الغاز والتأثير في أسواق الغاز العالمية. وفي يوم الثلاثاء 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2008م، تناقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن اجتماعا انعقد في طهران ضم كلا من غلام حسين نوذري وزير النفط الإيراني وعبد الله العطية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الطاقة والصناعة القطري، واليكسي ميلر رئيس شركة غاز بروم الروسية. وبعد انتهاء مباحثاتهم عقد المجتمعون مؤتمراً صحفياً أعلنوا فيه إنشاء لجنة ثلاثية تضم مسؤولين كبارا من الدول الثلاث وصفوها باسم (ثلاثي الغاز الكبير) وأنها ستصبح كياناً دائماً يعقد اجتماعات دورية. وقال وزير النفط الإيراني إن ثمة توافقاً بين الدول الثلاث على تأسيس منظمة للدول المصدرة للغاز على غرار منظمة (أوبك)، وإن اللجنة المكونة من مندوبي الدول الثلاث ستتولى متابعة هذا الموضوع وأضاف قائلاً (هناك مطلب بتشكيل "أوبك" للغاز وتوافق على إقامتها).
وأكد وزير الطاقة والصناعة القطري أن الاجتماع المقبل للدول المصدرة للغاز الذي من المقرر عقده في موسكو في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م سيشهد تأسيس هذه المنظمة. أما رئيس شركة غاز بروم الروسية فقد صرح بأن (لجنة ثلاثية مهمة في قطاع الغاز قد تكونت، وأن هذا التجمع للدول المصدرة للغاز يعطي تطمينات للعالم بشأن إمدادات الطاقة).
وجدير بالذكر أن منتدى الدول المصدرة للغاز قرر في اجتماعه الذي انعقد في الدوحة بتاريخ 9/4/2007م تكوين لجنة فنية رفيعة المستوى برئاسة روسيا من أجل وضع خطة شاملة لدعم وظائف المنتدى وتحديد كيفية تحقيق التطور المستقبلي للمنتدى، وقد اعتبر بعض الخبراء إنشاء هذه اللجنة خطوة نحو تحويل المنتدى إلى منظمة دولية للغاز على غرار منظمة (أوبك). ويثور هنا التساؤل، هل اللجنة الثلاثية الجديدة جبت اللجنة السابقة التي كونها المنتدى؟ أم أن اللجنة الثلاثية ستكون القائد المحرك لأعمال اللجنة السابقة؟ أغلب الظن أن الاحتمال الثاني هو الأرجح.
طبقاً لتقديرات بعض الخبراء فإن روسيا وإيران وقطر تملك مجتمعة أكثر من 60 في المائة من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي حيث تملك روسيا أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم تليها إيران، فقطر، ومن حيث التصدير فإن روسيا هي أكبر دولة مصدرة للغاز تليها قطر أما إيران فتصدر كميات ضئيلة للغاية من الغاز نتيجة لنقص الاستثمارات بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي. ولذلك لم يكن غريباً أن يؤدي الوفاق الثلاثي الجديد الذي تملك دوله أكبر ثلاثة احتياطيات من الغاز على مستوى العالم، إلى إحداث قلق لدى الاتحاد الأوروبي حيث صرح (فيران تاراديلاس) المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة بأن المفوضية تعارض تجمعات بيع وتسويق المنتجات، والنفط والغاز ليسا مستثنيين من ذلك، وأن أفضل الأوضاع لبيع منتج مثل الغاز هو سوق حرة وشفافة. وأضاف قائلاً إن تجمعاً مثل هذا التجمع قد يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة سياستها للطاقة. وأن المفوضية الأوروبية لا تعترض على التعاون بين منتجي الغاز في البحث والتطوير دون أن يوضح كيف أن إقامة تجمع لمنتجي الغاز يمكن أن يؤثر في سياسة الطاقة للاتحاد الأوروبي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل اقترب ميلاد منظمة الدول المصدرة للغاز؟ بعض التقارير الإعلامية تفيد بوجود خلاف بين الدول المنتجة والمصدرة
للغاز حول أهداف هذه المنظمة المراد إنشاؤها، فإيران ترغب في أن تكون هذه المنظمة على غرار منظمة (أوبك) بحيث يكون هدفها تحديد حصص استخراج الغاز والتحكم في أسعاره عالمياً، ولذلك استخدم وزير النفط الإيراني في تصريحه الصحافي مصطلح (أوبك للغاز) بينما تعارض روسيا هذا الاتجاه وترغب في تركيز أهداف المنظمة الجديدة في تبادل المعلومات والتنسيق بين الدول الأعضاء من أجل إقامة وتنفيذ مشاريع مشتركة في قطاع الغاز، ومعالجة قضايا نقله وتوزيعه. ولذلك صرح رئيس شركة غاز بروم الروسية بأن الهدف هو ضمان إمدادات يمكن الاعتماد عليها للجميع. أما قطر التي تعتبر من صغار منتجي النفط لكنها ثاني أكبر دولة مصدرة للغاز في العالم كما أنها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم فإنها ترغب في زيادة حصتها من السوق من خلال فك الصلة بين الغاز والنفط الخام لأن آلية تحديد أسعار الغاز مرتبطة حتى الآن بأسعار النفط ومشتقاته لأنه لا توجد سوق عالمية للغاز. ولذلك فقطر كما يبدو ترغب في أن يكون لمنظمة الغاز المراد إنشاؤها دور مؤثر في إنشاء سوق عالمية للغاز منفصلة عن سوق النفط العالمية ويكون للمصدرين القدرة على التأثير فيها.
ويرى بعض الخبراء أن عدم وجود سوق عالمية للغاز سيجعل تجمع المصدرين غير ذي جدوى لأن ارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط ومشتقاته من جهة، وتحديد أسعار بيع الغاز في عقود طويلة الأمد من جهة أخرى لن يوفر للمنظمة المراد إنشاؤها أي إمكانات للتأثير في أسعار الغاز عن طريق تحديد حصص الإنتاج. وأن إحداث تغيير في الوضع الحالي لهيكل سوق الغاز وتحويل الغاز إلى سلعة متداولة كالنفط يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل.
وتفيد بعض التقارير الإعلامية بأن قلق الدول الأوروبية من إنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز ليس سببه احتمال قيامها بتحديد حصص إنتاج الغاز بين الدول الأعضاء في المنظمة، كما هو الحال بالنسبة للنفط، حيث تقوم منظمة (أوبك) بتحديد حصص الإنتاج النفطي للدول الأعضاء، وإنما سبب هذا القلق يرجع إلى أن تضمين ميثاق إنشاء المنظمة هدف تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء سيترتب عليه التزام هذه الدول بتبادل المعلومات المتعلقة بأسعار الغاز مما سيسهم في توحيدها ويقضي على هامش المراوغة الذي تتمتع به الدول الغربية حالياً.
ويبدو لي أن تحرك روسيا وإيران وقطر واتفاقهم على إنشاء (ثلاثي الغاز الكبير) يدل دلالة واضحة على رغبتهم في تعجيل الوصول إلى صيغة مناسبة لجميع الأطراف بشأن مبادئ وأهداف تجمع مصدري الغاز وبالتالي تقريب موعد ميلاد منظمة الدول المصدرة للغاز لتكون وسيلة فعالة لتحقيق التنسيق والتعاون بين الدول المصدرة وأداة لتغيير الوضع الحالي لسوق الغاز. والله أعلم.