هل تكفي التوعية لترشيد استهلاك الكهرباء؟ أم يمكن إصدار نظام؟
تُعد قضية ترشيد الاستهلاك بصفة عامة من أهم القضايا التي يهتم بها الاقتصاديون, بالنظر إلى أهميتها الكبيرة في تحقيق التوازن بين الموارد المتاحة والاحتياجات بما يكفل إشباع هذه الأخيرة على النحو المطلوب دون إفراط أو تفريط. وتزداد هذه الأهمية فيما يتعلق باستهلاك الكهرباء, سواء في فصل الصيف أو فصل الشتاء, وسواء فيما يتعلق بالاستخدام اليومي للفرد أو باستخدامها في المجالات التجارية والصناعية؛ لأن قضية استهلاك الكهرباء تُعد من أهم القضايا التي تواجه الإنسان في حياته اليومية كون الطاقة تُعد عاملاً أساسياً في التصنيع والتعمير والبناء والنماء. كما أن المبالغة في استهلاك الكهرباء وهدرها بشكل عشوائي وغير منظم يترتب عليه إلحاق الأضرار بالاقتصاد الوطني, لأن زيادة الطلب على الكهرباء من شأنه أن يؤدي إلى تحميل الخزانة العامة للدولة تكاليف كبيرة، كما أنه يتطلب القيام باستثمارات جديدة لمواجهة عمليات الإحلال والتجديد والتوسع في هذا القطاع الحيوي الذي يقدم خدمات مستمرة وضرورية لجميع القطاعات الإنتاجية والخدمية. ومن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات في هذا القطاع 200 مليار ريال سعودي (53.3 مليار دولار) بحلول عام 2015، وذلك تماشياً مع خطط التوسع في البرامج اللازمة لتلبية متطلبات قطاع الكهرباء، الذي يشهد ازدياداً مطرداً في عدد المشتركين، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن عدد المشتركين سيصل خلال الـسنوات السبع المقبلة إلى سبعة ملايين مشترك، الأمر الذي يتطلب أحمالاً كهربائية بمقدار 54 ألف ميجاواط كحد أقصى. (الاقتصادية 19/10/2008).
وأرى أن مواجهة عملية الإسراف في استهلاك الكهرباء يُمكن أن تتم بثلاث وسائل، الأولى الوقاية من خلال توعية المستهلكين، الثانية إنشاء هيئة عليا لترشيد الاستهلاك تتولى مهام استراتيجية تتعلق بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه، وتضع الضوابط والاشتراطات اللازمة لتحقيق الترشيد، وتتابع تنفيذها، وذلك في إطار ما يشهده العالم في هذه الآونة من كوارث طبيعية وأزمات مالية واقتصادية، والوسيلة الثالثة الأخذ بسياسة التجريم والعقاب، وذلك بتجريم المخالفات التي تتعلق بالإسراف المتعمد في الاستهلاك، وتوقيع العقاب على مرتكبيها.
ففيما يتعلق بالوسيلة الأولى يُمكن تحقيق الوقاية من خلال توعية المستهلك بخطورة الإسراف في استهلاك الكهرباء على ميزانيته الخاصة وعلى ميزانية الدولة، وفي هذا الصدد يُمكن أن يقوم خطباء المساجد بدور مهم في التوعية، كما يمكن أن تتم التوعية للطلاب والطالبات في المدارس والجامعات، والموظفين في الأجهزة والهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، ومن خلال الإعلانات في وسائل الإعلام المختلفة وفي الأماكن العامة.
من المعلوم أن حكومة المملكة قد اهتمت على مدى السنوات العشر الماضية بتنفيذ برامج ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية في معظم المباني الحكومية والقطاع الخاص، وأصدرت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تعاميم إلى أئمة الجوامع والمساجد لترشيد الاستهلاك في الطاقة الكهربائية، وهناك دور مهم يقع على عاتق وسائل الإعلام المقروءة، المسموعة، والمرئية.
في هذا الإطار انطلقت يوم السبت 18 شوال الماضي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الكهرباء، التي اتخذت شعار "أوفر لك"؛ حيث ستستمر هذه الحملة في جميع مناطق المملكة لمدة خمس سنوات، تُقسم إلى مراحل كل منها عام كامل، وهي تهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة، رفع كفاءة استخدامها من أجل خفض معدلات الاستهلاك، تقليل الهدر إلى أدنى المستويات، الارتقاء بمستوى الوعي العام لدى المواطنين والمقيمين، والتفاعل مع برامج الحملة وفعالياتها ومفاهيم الترشيد التي تعود بالنفع على المستهلك من ناحية، وعلى الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى. وتستهدف الحملة جميع شرائح المجتمع ومختلف القطاعات ذات العلاقة بالكهرباء والمؤسسات التعليمية بكل مراحلها. وتختلف الوسائل التعليمية التي تستخدمها الحملة وفقاً لاختلاف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية والمستويات التعليمية والثقافية وفقاً لأهمية كل شريحة وفاعليتها في الاستجابة لرسائل الحملة وبرامجها. يأتي ضمن الفئات المستهدفة من الحملة مصنعو وتجار المنتجات ذات الصلة باستهلاك الطاقة الكهربائية، ومصنعو ومستوردو المعدات الكهربائية الثقيلة وأجهزة التكييف، فضلا عن مجمعات ومحال بيع الأجهزة الكهربائية.
تأتي هذه الحملة في إطار الخطة الوطنية لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية التي وضعتها وزارة المياه والكهرباء بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا" وشركة كهرباء طوكيو، حيث ستُسهم حال تنفيذها في تقليل الزيادة المتوقعة في الأحمال القصوى "الذروة" للاستهلاك بنسبة 50 في المائة سنوياً. وقد وضعت هذه الخطة لمواجهة التزايد الملحوظ لاستهلاك الكهرباء من قبل سكان المملكة، في الوقت الذي لم تتغير فيه معدلات إنتاج الكهرباء، حيث زادت الأحمال الكهربائية في بعض مناطق المملكة الصيف الماضي بنسبة 10 في المائة.
وتم تخصيص 30 مليون ريال (8 ملايين دولار) كميزانية للحملة الوطنية، التي تعد الأولى والأضخم على مستوى دول الخليج العربية لترشيد استخدام الكهرباء، رفع مستوى كفاءة استهلاكها، رفع مستوى الوعي، غرس مفهوم الترشيد لدى الأسرة والمجتمع، الحث على نبذ الإسراف، والتعريف بالتقنيات المرشدة من أجهزة ومعدات ذات كفاءة عالية في ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية. ومن المتوقع أن تُسهم هذه الحملة في خفض الهدر في استهلاك الكهرباء إلى 30 في المائة، إذ إن شركة الكهرباء تعاني كثيرا من الهدر في الاستهلاك، ومن ثم فإن أي عملية ترشيد لاستخدام الطاقة الكهربائية ستحقق المكسب والفائدة للمستهلك والشركة على حد سواء.
يظل هناك سؤال مهم مفاده: هل تكفي حملات التوعية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، أم أنه من الممكن الأخذ بسياسة التجريم والعقاب بإصدار نظام يجرم الإسراف في استهلاك الكهرباء ويقرر عقوبات على مرتكبي مخالفات الإسراف المتعمد في الاستهلاك؟ هذا ما سأتناوله في مقال لاحق، إن شاء الله.