الانتخابات الأمريكية.. هل تحمل نتائجها تغيرات حقيقية؟

نشرتُ دراسة في صحيفة "الرياض" الموقرة منذ أكثر من 25 عاما بعنوان: "الولايات المتحدة والصراع العربي – الإسرائيلي" غطت الدراسة عشر حلقات كل منها على صفحتين. وكانت النتيجة خمسة أسطر في النهاية. مفادها أن كل رؤساء أمريكا وكل وزراء خارجيتها وعبر دراسة مستفيضة بالنص والوثيقة يدورون في دائرة واحدة هي ضمان أمن وسلامة إسرائيل والعمل على أن تكون الطرف المتفوق سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
ولا أدري لماذا، أتذكر هذه الحقيقة كلما أزف موعد الانتخابات الأمريكية. كنت في الماضي أنجرف مع الإعلاميين في كل مكان على اختلاف وسائلهم وميولهم وأساليبهم، وأحاول أن أتناول بالتحليل والنقد والتعليق والشرح كافة الأحداث والتطورات. الحقيقة أننا كنا نبتلع الطعم الأمريكي التقليدي باللهث وراء الموضوعات التي يشغلونهم بها وعلى رأسها الانتخابات.
عبر رحلة زادت على 45 عاما في مجال الإعلام أيقنت أن الدول الكبرى عامة والولايات المتحدة خاصة لها مصالح كبرى، تعمل كما علمهم ماكيا فيلي على تحقيقها ولا مجال لعواطف أو انطباعات أو توقعات شاردة.
هناك قضايا قومية وطنية لا يختلف عليها اثنان مثل "الطاقة" و"التفوق العسكري" والتميز الاقتصادي، إضافة إلى قضية إسرائيل كقاعدة أمريكية تعاظمت لتصبح دولة محورية ومؤثرة في المنطقة.
وتأتي الانتخابات كل أربع سنوات لتلقي في ساحتنا بالقضايا الحزبية مثل "سياسة الضمان الاجتماعي" التعامل مع العلاج أو الضرائب المحلية أو القروض أو التعليم.
هنا ينفتح المجال أمام الحزب الوافد ليجرب عكس ما فشل فيه الحزب الذي كان في الحكم. والمسألة بسيطة جدا وتمضي آليتها تلقائيا، ولا تحتاج إلى كل هذه العقول والصفحات والإذاعات والشاشات لتخبرنا بما هو غامض.
ومن عادة الأمريكيين – باستثناء فرانكلين روزفلت لظروف الحرب العالمية الثانية – ألا يسمحوا لحزب يتجاوز مرتين، يقولون الأولى للدراسة والثانية للإنجاز. وإذا عجز عن الإنجاز بعد ثماني سنوات فليفسح الطريق لغيره.
ولأن الولايات المتحدة قارة مترامية الأطراف، فإن العلاقات العامة – وليست الخاصة – تلعب دورا أساسيا. ولذلك فإن وسائل الإعلام تلعب دور البطولة أثناء الحملات الانتخابية.
وقد جرى العرف على إجراء عدد من الممارسات آليا هي:
* حملات إعلامية لها قائد ومايسترو.
* مناظرات بين المرشحين لشحذ همة الناخبين.
* تحريك الناخبين حتى لا يقبعوا في بيوتهم.
* إجراء استبيانات (تحقق بيوت وشركات أرباحا طائلة في هذه الفترة).

ويقبع حكام أمريكا الحقيقيون في أماكنهم ومقاعدهم الوثيرة في الشركات العملاقة ومتعددة الأطراف، ويدفعون تكاليف الحملات ويراقبون رجالهم ونساءهم من الإعلاميين المتحمسين.
ثم يأتي يوم الانتخابات وينجح المرشح المتوقع وهو أوباما هذه المرة لأن بوش قضى مرتين. وإذا بكل الملفات كما هي، وإذا قدر لملف أن ينتهي فإن ذلك لأنه أصبح من مصلحة المؤسسة الحاكم ذلك. ومن ذلك مثلا إنهاء حرب أو بداية حرب فالذي يتحكم فيها التكلفة والعائد والثمن الذي يدفع وكشف الأرباح والخسائر.
ويأتي ساكن جديد للبيت الأبيض يؤدي دوره ويمضي ويكثر الحديث عن اللوبي اليهودي والإيرلندي والمافيا والإسباني ويتكرر الموقف بالحرف الواحد. وأتمنى أن تصبحوا من المسنين لتروا أن مسرحية الانتخابات الأمريكية هي أكثرها مللا ومع ذلك يخفقون فوقها أعلام الحرية والديمقراطية وسلام على فلوريدا التي زوروها ليأتي بوش الابن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي