شراء الشركات أسهمها من الوجهة القانونية

تطالعنا الصحف المحلية بين الحين والآخر بآراء يطرحها بعض الكتاب والمحللين الماليين تدعو إلى السماح للشركات المساهمة المدرجة في سوق المال السعودية بشراء أسهمها لأن ذلك, في رأيهم, سيساعد على إصلاح الخلل في سوق الأسهم ويدعم استقرار السوق, التي ما زالت تعاني آثار الانهيار الكبير الذي حدث عام 2006 وتشهد بين الحين والآخر تراجعا حادا في الأسعار.
وأسرف بعض الكتاب في تبرير هذا المطلب بالقول إن المعمول به في كل أسواق العالم هو السماح للشركات بشراء أسهمها بلا قيد أو شرط, وهذا قول غير سديد وسيظهر ذلك جليا من السطور التالية في هذا المقال.
قد يكون من المفيد أن أسلط بعض الضوء على هذا الموضوع من الوجهة القانونية, فأقول إن شراء الشركة بعض أسهمها يبدو من الناحية المنطقية المجردة أمرا غريبا لأن من شأن شراء هذه الأسهم أن يجعل الشركة شريكة في ذاتها, أي أنها تكون هي والمساهمون الآخرون شركاء في ذاتها, ولا يستقيم بمنطق العقل أن يكون الشخص شريكا مع آخرين في نفسه. ولذلك فقد اختلفت اتجاهات قوانين الشركات المقارنة حيال هذا الموضوع, فبعض القوانين تحرم شراء الشركة المساهمة أسهمها والبعض الآخر يجيز ذلك لأغراض معينة وفقا لشروط محددة. فمثلا القانون الفرنسي كان يحظر شراء الشركة المساهمة أسهمها ثم أدخل المشرع الفرنسي تعديلات في سنة 1967 أجازت للشركة المساهمة المقيدة في البورصة شراء أسهمها في حدود 10 في المائة من مجموع أسهمها والاحتفاظ بها لفترة محددة تختلف بحسب الأحوال والمقاصد من شرائها ووفقا لضوابط وشروط تستهدف درء الأضرار التي قد تترتب على عمليات شراء الشركة أسهمها.
كما حدد القانون المذكور الحالات التي يجوز فيها للشركة شراء بعض أسهمها ومنها حالة شراء الأسهم بقصد إلغائها وتخفيض رأسمال الشركة, وحالة الشراء بقصد توزيعها على العاملين والشراء بقصد إعادة التوازن لأسعار أسهم الشركة, ولعل هذا المقصد الأخير من أهم المقاصد التي يسمح من أجلها للشركة بشراء بعض أسهمها لأنه يمكن الشركة من التدخل في السوق المالية (البورصة) بقصد تصحيح أسعار أسهمها والحيلولة دون انخفاضها بسبب انكماش السوق لانخفاض أوامر الشراء والبيع على نحو غير معتاد.
ونظام الشركات السعودي الصادر في سنة 1385هـ أجاز للشركة المساهمة أن تشتري أسهمها وحددت المادة 105 من النظام المذكور الحالات التي يجوز فيها للشركة المساهمة أن تشتري أسهمها, وهي كما يلي:
أولا: إذا كان الغرض من الشراء استهلاك الأسهم بالشروط المبينة في المادة 104 من نظام الشركات, حيث قررت هذه المادة أنه يجوز أن ينص في نظام الشركة على استهلاك الأسهم أثناء قيام الشركة إذا كان مشروعها يهلك تدريجيا, أو يقوم على حقوق مؤقتة ولا يكون استهلاك الأسهم إلا من الأرباح أو من الاحتياطي الذي يجوز التصرف فيه ويقع الاستهلاك تباعا بطريق القرعة السنوية أو بأية طريقة أخرى تحقق المساواة بين المساهمين, ويجوز أن يكون الاستهلاك بشراء الشركة أسهمها بشرط أن يكون سعرها أقل من قيمتها الاسمية أو مساويا لهذه القيمة, وتعدم الشركة الأسهم التي تحصل عليها بهذه الطريقة.
ثانيا: إذا كان الغرض من الشراء تخفيض رأس المال.
ثالثا: إذا كانت الأسهم ضمن مجموعة من الأموال التي تشتريها الشركة بما لها من أصول وما عليها من خصوم, ولا تكون للأسهم التي تحوزها الشركة أصوات في مداولات جمعيات المساهمين.
ويتضح مما تقدم أن نظام الشركات السعودي حدد على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها للشركة المساهمة أن تشتري الأسهم الخاصة بها, لكن النظام لم يحدد الجزاء الذي يترتب على مخالفة القواعد المذكورة أعلاه, وفي تقديري أنه طالما أن تلك القواعد جاءت في صيغة آمرة, حيث بدأ نص المادة 105 بالعبارة التالية: "لا يجوز أن تشتري الشركة أسهمها إلا في الأحوال التالية..", فإنه يترتب على هذا النهي بطلان شراء الشركة أسهمها إذا كان في غير الأحوال المحددة نظاما. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن قوانين بعض الدول مثل القانون الفرنسي لا تبطل شراء الشركة أسهمها بالمخالفة لأحكام القانون بل توجب عليها أن تتنازل عن هذه الأسهم للغير أو للعاملين لديها خلال مدة سنة اعتبارا من تاريخ شرائها وإلا فإنها تعد ملغاة بعد انقضاء هذه المدة دون التنازل عنها. ويتم هذا الإلغاء بقوة القانون دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء خاص من قبل إدارة الشركة سوى أن تقوم بتسجيل تخفيض رأسمال الشركة, ولا تجوز إعادة بيع الأسهم الملغاة وإطلاقها مرة أخرى للتداول. ومن ناحية أخرى يعاقب القانون الفرنسي مديري الشركة الذين قاموا بعمليات الشراء المحظورة وذلك بإلزامهم بدفع غرامة مالية محددة وإذا تمت عملية الشراء المخالفة لأحكام القانون عن طريق أحد الوسطاء باسم مستعار فإن القانون ألزم هذا الشخص الذي أعار اسمه الشركة بأن يقوم بالوفاء بقيمة الأسهم المكتسبة فورا, وذلك بالتضامن مع أعضاء مجلس إدارة الشركة.
ومن ناحية أخرى, فإن بعض القوانين المقارنة ومنها القانون الفرنسي حددت الآثار التي تترتب على تملك الشركة أسهمها وهي إيقاف الحقوق والمزايا الخاصة بهذه الأسهم, فلا تعطي هذه الأسهم الشركة الحق في الأرباح وأن الشركة لا تستطيع بموجب هذه الأسهم أن تصوت في الجمعيات العمومية, كما أنها لا تدخل في الاعتبار عند حساب النصاب القانوني والأغلبية المطلوبة لصحة اجتماعات الجمعيات العمومية, كما أنه ليس لهذه الأسهم أي أفضلية في حالة زيادة رأسمال الشركة بإصدار أسهم جديدة. ونظام الشركات السعودي لم يحدد الآثار التي تترتب على شراء الشركة أسهمها سوى أنه لا يكون لهذه الأسهم أصوات في مداولات جمعيات المساهمين.
ومن نافلة القول إنه عندما صدر نظام الشركات السعودي قبل أكثر من 40 عاما لم يكن عدد شركات المساهمة شيئا مذكورا, فضلا عن أنه لم تكن توجد في السعودية سوق أسهم منظمة لذلك, فقد حان الوقت أن يعيد المشرع السعودي النظر في هذا الموضوع بحيث تضاف إلى الحالات المنصوص عليها في النظام حالات أخرى يسمح فيها للشركة المساهمة بشراء بعض أسهمها مثل حالة رغبتها في التدخل في سوق الأسهم من أجل تثبيت وإعادة التوازن إلى أسعار أسهمها. والحالة التي يكون القصد من شراء الأسهم إعادة توزيعها على العاملين في الشركة وتحويلهم إلى مساهمين فيها ووضع الضوابط والقواعد التفصيلية اللازمة في هذا الشأن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي