المرور مسؤول عن الحوادث
يتحول السائق السعودي إلى سائق مثالي وخلوق حين يقود سيارته خارج المملكة، ولكنه داخلها يكاد يقود بمعزل عن الأنظمة المرورية، وهذه تحتاج إلى وقفة تحليل ومراجعة. لا يخفى على أحد فوضى المرور التي تعيشها مدن المملكة، وانعدام الحس المروري والوعي حين يجلس السائق خلف المقود، وتتكشف أخلاقيات القيادة لدينا حين نسافر لدول قريبة منا ونرى أسلوب قيادة سيارات يختلف عما عهدناه وتعودناه. ولا أفشي سراً حين أقول إن إدارة المرور تتحمل مسؤولية هذا التدهور المريع في أخلاقيات السائقين السعوديين، تحملاً أخلاقياً يندرج تحته من باب اللزوم تحمل المسؤولية الأخلاقية للحوادث التي تودي بحياة عشرات الآلاف سنوياً من أبناء هذا الوطن وساكنيه.
إن عدم قدرة المرور على تطبيق أنظمته لهو مؤشر خطير يشي بحاجة المرور إلى قطاع آخر يتحمل عنه مسؤولية تطبيق هذه الأنظمة، والمحافظة عليها.
من يشكك في هذا عليه أن يتجه لأي طريق سريع أو دائري في مدينته، وسأضرب مثلاً بالطريق الدائري في الرياض، حيث تتكشف عيوبنا ومهاراتنا في القيادة، فضلاً عن الإفلاس الأخلاقي الكثير ممن يجلسون خلف المقود. لا نستغرب السرعات المهولة على الطرقات، ولا المضايقات وإلصاق السيارة بالتي أمامها، ولا التجاوز الخطير من اليمين واليسار، ولا اللعب بالأنوار، ولا حتى التلاعب بالسيارة بين المسارات، وكأن السيارة لعبة (بلي ستيشن) بيدي طفل مرفه. ويحفل موقع اليوتيوب بعشرات الأفلام لمثل هذه الممارسات الخطيرة على طرقات المملكة، ويشاهدها ملايين الزوار حسب عداد المشاهدة، بل إن فلمين (تفحيط في طريق رئيس، والتزلج على الطرقات) شاهدهما أكثر من خمسة ملايين مشاهد في أنحاء العالم بروابطهما المختلفة بعدة لغات، وبالإمكان قراءة التعليقات (التي تجاوزت عشرة آلاف تعليق) ولا يسر أكثرها الغيور على سمعة هذا البلد.
تقع المسؤولية الأخلاقية في ذلك على المرور، لأنه هو الجهة التي يفترض أن تقف بحزم لهذه الممارسات، وتطبق الأنظمة بحذافيرها، وبشكل مضطرد، ومستديم.
فرحنا كثيراً باستحداث إدارة المرور السري، والحقيقة أنها أسهمت كثيراً في الحد من السرعة الهائلة على الطريق الدائري، ولكن يمكن تطويرها لتكون أكثر تأثيراً وفاعلية، فهي مثلاً ليس لها وجود يذكر في أماكن أخرى من الرياض غير الطريق الدائري وأطراف طريق الملك فهد (حسب الرؤية المجردة). بل إنها حتى في الطريق الدائري تكاد تحصر عملها في السرعة فقط، دون المحاسبة على التجاوزات الأخرى التي من أخطرها التلاعب بالسيارة بين المسارات لتجاوز أكبر قدر ممكن من السيارات. ولو تطلعنا على أغلب حالات الإيقاف في الطريق الدائري التي يقوم بها المرور السري، لوجدنا أنها سيارات شركات، أو سائقين مقيمين أو عمال، وأشك أن هؤلاء كانوا يقودون سياراتهم بسرعات عالية، وبذلك تضيع هذه الإدارة وقتها في مخالفات انتهاء الاستمارة والرخصة في طريق يعاني مشكلات أخطر من ذلك بكثير، ويتعرض الناس فيه لأخطار المتهورين العابثين. بل إن سيارات المرور السري نفسها لا توجد إلا في أوقات معلومة، وهي غالباً ابتداءً من بعد العصر، لذلك لا تستغرب من تزايد السرعة في الصباح، أو بعد الظهر، ومن مشاهداتي يقل أن أرى حالات إيقاف في هذه الأوقات.
كلنا أمل في صدور نظام المرور الجديد، وأقترح أن يصاحبه تطبيق حاسم ومستديم في جميع الأوقات، لتطوير مهارات وأخلاقيات قيادة السيارات في المملكة. لا يلام المراهقون (سناً وفكراً) حين يتهاونون في حياتهم وحياة الآخرين إذا لم يجدوا رادعاً حازماً ونظاماً صارماً. ولا نريدها على شكل حملة تخف ثم تتلاشى مع الأيام، مثل حملات الفحص الدوري، والحزام، والسرعة، بل أن تكون هذه طبيعة المرور وآلية عمله. إن الحزم والصرامة في تطبيق الأنظمة المرورية هما الحماية المثلى لملايين المواطنين والمقيمين الذين يستخدمون الطرقات، ويعاني كثير منهم تبعات ذلك.
أقترح أن يعتمد المرور استراتيجية متوسطة المدى تطبق كل ثلاث أو خمس سنوات للتركيز على أهم المخالفات المرورية، واستئصالها، كأن يحدد المرور أهم خمس مخالفات مرورية تسبب الحوادث، ويتم التركيز عليها في فترة تطبيق هذه الاستراتيجية، وبعد ثلاث أو خمس سنوات، يعاد ترتيب المخالفات حسب السجلات والحوادث، وبذلك يعالج المرور مشكلات موجودة بالفعل، ويتجاوب معها بناءً على الاحتياج الفعلي، والتجربة الميدانية.