ضحايا فوبيا الجديد !
يميل الكثير من الناس من ذوي الأفكار التقليدية في جميع المجتمعات إلى نبذ كل جديد في كل مجال من مجالات الحياة لأسباب متعددة كالمحافظة على الهوية والأصالة والعادات والتقاليد ونمط الحياة, مع أن هذا الجديد ربما ليس له أي علاقة بكل تلك الشماعات, وإنما يتخذ هؤلاء الناس موقفاً مرتاباً أو عدائياً منه بسبب مرض نفسي جمعي يُسمى (فوبيا الجديد)!
والفوبيا كما يعرفها الكثير من المصادر هي مرحلة متقدمة من الخوف المتواصل والشديد وغير المعقول من شيء أو موقف معين يؤدي إلى تجنب ذلك الشيء أو الموقف وقد يتضمن ذلك التجنب درجة من العجز.
وتنتج الفوبيا بعد تجربة سلبية لأمر ما تنعكس على موقف الشخص من هذا الأمر والتشدد في عدم الخوض فيه مرة أخرى.
ومجتمعنا ليس بمنأى عن الفوبيا, بل إنه ولخصوصيته الشديدة في إرثه الفكري والحضاري يعد من أكثر المجتمعات إصابة بـ (فوبيا الجديد), لدرجة أننا أنتجنا لا شعورياً مصطلحات تصوّر العالم كمتربص بعاداتنا وتقاليدنا وديننا وثقافتنا كتعبير (الغزو الفكري) الذي ساد في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وكان يطلق على كل شيء حسب مزاج مستخدمه لدرجة أنني وغيري من أبناء هذا المجتمع الذين عاصروا تلك الفترة توقعنا أننا في حالة حرب فعلية مع العالم ككل، وأن هذا العالم يتربص بنا الدوائر, ويكيد لنا بكل سبيل لينقض علينا فجأة بهدف تخريب عاداتنا وتلويث أصالتنا وأخيراً الإجهاز على ديننا!
قبل أيام جمعني حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول أغرب حالات رفض الجديد التي شهدها مجتمعنا خلال الـ 70 سنة الماضية, بداية من حكايات رفض الراديو واللاسلكي والتلفزيون والسيارة ورفض تعليم البنات من قبل بعض المصابين بهذا المرض آنذاك, ومروراً بحكاية تسمية الدراجة الهوائية بـ (حصان إبليس) ومنع قيادتها إلا تحت رقابة مشددة في إحدى مدن المملكة, وليس انتهاءً بالدعوات التي علا صوتها قبل أكثر من عقد من الزمن رافضة دخول (الدشوش) لاستقبال القنوات الفضائية, والتي وصف أصحابها أي شخص يدخل هذا الشيء الغريب إلى بيته بـ (معدوم الحياء والغيرة) وأفتى بعضهم بأنه لن يشم رائحة الجنة, ولا ننسى حكاية (جوال الكاميرا) الذي أقام الدنيا ولم يقعدها لدرجة منعه ومصادرته من الناس في المنافذ الحدودية!
وجميع هذه الأشياء كما تلاحظون لم تعد مرفوضة الآن والسبب ببساطة ليس في تراجع رافضيها عن آرائهم لاقتناعهم بالآراء المخالفة, وإنما لأن هذه الأشياء جميعها لم تعد جديدة فقد باتت من القديم, ولا يوجد حسب علمي مرض نفسي مشهور ومنتشر في الكثير من المجتمعات تحت اسم (فوبيا القديم)!
أحد الأصدقاء من خفيفي الظل كان حاضراً الحوار وقد بدت على وجهه علامات عدم الاستمتاع وهو ما دعاني لسؤاله عن رأيه في محور النقاش طالباً منه أن يكف عن التلاعب بملامحه بشكل مسرحي يهدف إلى إشعارنا بعدم ارتياحه للحديث, فما كان منه إلا أن تنحنح ثم طلب من الجميع بابتسامة تفيض خبثاً أن يتوقعوا الأشياء المرفوضة حالياً والتي ستشهد قبولاً شعبياً من أفراد المجتمع خلال السنوات القادمة بعد أن تتخطى مرحلة (الجديد), ولكم يا سادة ياكرام أن تتوقعوا النتائج.