"ريال فلسطين"
القضية الفلسطينية كانت ولا تزال وستظل محل اهتمام حكومة السعودية وشعبها، فمنذ قيام الدولة على يد موحدها الملك عبد العزيز - يرحمه الله - والدعم متواصل للأشقاء الفلسطينيين مادياً ومعنوياً. وفي هذا السياق أتذكر ونحن طلاب في الصف الأول في المعهد العلمي في نهاية الثمانينيات الهجرية، كان المراقب يمر علينا في الفصل وعلى كل الفصول يوم 28 من كل شهر، ليقول لنا: كل طالب يحضر معه غداً "ريال". حيث كانت المكافـأة تُصرف يوم 29 أو يوم 30 من كل شهر، وليس كما هو حاصل الآن في معظم الكليات والمعاهد تتأخر المكافأة ثلاثة أشهر وأحياناً ستة أشهر. كان هذا الريال الذي يطلب منا المراقب إحضاره يسمى "ريال فلسطين" حيث كانت المكافأة 210 ريالات، فبدلاً من الصرف لكل طالب وإعادة تسعة ريالات له يحُضِر كل طالب ريالاً.
كان الريال في ذلك الحين غالياً حيث إنه يشتري ثماني خبزات أيام الخبز بالميزان حيث يمر مراقب البلدية على مخابز البلدة ويزن الخبز. كان الريال يشتري كرتون بسكوت أبو ميزان وخمس قوارير بيبسي. كان الريال يمثل قيمة حقيقية، ومع هذا كان يُقتطع من المكافأة مساهمة لدعم النضال الفلسطيني، فكل طالب درس في المعاهد العلمية داعم للقضية الفلسطينية، لا أعلم إن كان يُقتطع من رواتب المعلمين والموظفين في المعاهد العلمية أم لا؟ للحق أقول لم نكن في تلك السن نعلم شيئاً عن قضية فلسطين، لذلك كان اقتطاع الريال شهرياً يمثل لنا مشكلة لأن أهلنا يعطوننا الريال لندفعه للمحاسب، ويقولون لنا هذا حقكم من المكافأة. لأن الأهل في ذلك الوقت في حاجة إلى تلك المكافأة.
وأكاد أجزم أن كل الذين دخلوا المعاهد العلمية في تلك السنوات من أجل المكافأة لأنها كانت تمثل مصدر دخل لمعظم العائلات وكنا نتباهى بها على طلاب المدرسة المتوسطة التابعة لوزارة المعارف الذين لا يحصلون على مكافأة وكنا نتعجب لماذا نُعطي وهم لا؟ كان الطالب منا الذي لا يحضر ريالا آخر الشهر "ريال فلسطين" لا يتسلم المكافأة وكان أهلنا يقولون لنا اسألوا المراقب إلى متى سنظل ندفع ريال فلسطين. وكنا نهاب أن نقول ذلك للمراقب لأنه كان يمثل لنا قيمة عظيمة نحترمها ونخشاها ولا نستطيع حتى النظر إليه. لماذا اختفى المراقبون من المدارس، كانوا هم الدينمو المحرك في المدرسة والمعهد والكلية، كانوا يقومون بأعمال كبيرة عندما اختفوا تحملها المعلمون والمديرون والوكلاء فزادت الأعباء عليهم. أرى هذه الأيام تعيين العديد من الموظفين على مسمى مراقب طلبة، لكنهم لم يوجهوا للمدارس التي في حاجة إليهم أكثر من إدارات التعليم المكتظة بالموظفين. بعد هذه السنوات التي قاربت الأربعين سنة على أول ريال دفعته لنصرة النضال الفلسطيني أجدني غير نادم على كل ريال دفعته قبل تسلم المكافأة لأنه كان مساهمة متواضعة في دعم قضية عادلة وشعب شقيق.
على ذكر ريال فلسطين وجدت بعد والدي - رحمه الله - خمسة طوابع حمراء عليها اسم الجزائر، وكنت قد سألته عنها في حياته، فقال لي كانت تباع ويذهب ريعها لنصرة الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي. من هذا نرى أن الشعب السعودي بقيادة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وأبنائه من بعده من أكثر الشعوب والقيادات التي ناصرت الأشقاء العرب بالمال منذ قديم الزمان. فالشعوب المستضعفة بحاجة للدعم المادي والمعنوي فقط، وليس للانتحاريين.