الصورة النمطية للمسكن السعودي ومغامرة التغيير
كثيراً ما وجه المعماريون من خلال الصحف والمجلات المتخصصة النصح للمواطنين الكرام عن كيفية تصميم وتنفيذ المسكن السعودي، وراوحت تلك التوجهات بين المساحات المثلى أو التوزيع الفراغي الأنسب ومواد البناء الأجود والأرخص، وأفضل التصاميم المعمارية الملائمة لاحتياجات الأسرة السعودية وتمم الإشارة إلى نظام البناء المعمول به حاليا (الارتدادات) وفضل بعضهم نظام الأفنية. وأخيرا تمت المناداة باستخدام وسائل إنشائية (الحوائط الحاملة) للتقليل من تكاليف الإنشاء المعمول بها (العمود والجسر). وكثيراً ما تساءلت هل نحن نوجه النصح للجهة المطلوبة (المواطن) ومن يملك الجرأة على تغيير نمط المسكن السعودي؟
للإجابة على تلك التساؤلات لابد أن نعرج على تاريخ تطور النمط العمراني للمسكن السعودي. فقد اتفق كثير من المؤرخين العمرانيين على أن النمط العمراني للمسكن السعودي مر بمراحل أساسية عدة بدأت بالرحلة التقليدية المعروفة لدى الجميع في وسط وشمال المملكة (الفناء الداخلي والبناء بالطين) والشرقي (الفناء الداخلي والبناء بالحجر البحري) وغرب المملكة (الأدوار والخارجة والبناء بالحجر) والجنوبي (الأدوار والبناء بالطين والحجر) وظل النمط التقليدي سائدا حتى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات الميلادية حين حدث التغير إلى المرحلة الحديثة عندما وصلت مواد بناء جديدة (الخرسانة المسلحة) وتصاميم جديدة (الفيلا)، واستخدمتها شركة أرامكو في مشاريع مدنها لإسكان موظفيها السعوديين (مثل ذلك حي العمال في الدمام) وما قامت به أمانة مدينة الرياض أثناء نقل موظفي الدولة إلى الرياض في بناء حي البحر الأحمر (الملز). فلأول مرة يتم تغيير للنمط العمراني للمسكن السعودي من التقليدي (الشعبي) إلى الحديث (الفيلا المبنية بالخرسانة المسلحة) ويصبح للمواطن السعودي الاستطاعة لبنائها والعيش فيها. أما التغير الثاني فحدث في منتصف السبعينيات الميلادية أثناء بدء صندوق التنمية العقاري أنشطته المقرونة بأنظمة وشروط منح القروض. فقد أكدت هذه القوانين البناء بالخرسانة المسلحة ونظام الفيلا ولكنها استحدثت الدور الثاني أو الفيلا الدورين على المستوى الشعبي، والأهم أن ثقافة جديدة ثم تقديمها وهي ثقافة قيام المواطن شخصياً بمتابعة تصميم وتنفيذ مسكنه بنفسه. وضل ذلك النمط مستمراً حتى وقتنا الحاضر مع اختلافات جانبية مثل المساحات والألوان وبعض التكسيات. وموازياً لذلك النمط ثم استحداث "الاستراحات" لتكون الملتقى اليومي أو الأسبوعي للعائلة ترفيهياً أو ضيافيا. من ذلك التاريخ الوجيز نجد أن التغيرات الأساسية في نمط المسكن السعودي كانت مؤسساتية بدأتها في حينها شركة أرامكو وقادتها أمانة مدينة الرياض، مما أدى إلى تثبيت نمط الفيلا الخراسانية كنمط سائد (أن لم يكن وحيداً مع الشقة) للمسكن السعودي، ثم كان لصندوق التنمية العقارية دوراً كبيراً في استقدام وتثبيت الفيلا الدورين وثقافة قيام المواطن منفرداً بتصميم وتنفيذ المسكن. ومن المؤكد أنه في وقتنا الحاضر ولما مر به المجتمع السعودي من تغيرات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية، أدت إلى تغير احتياجات الموطن وبالتالي ستؤدي إلى تغير في نمط المسكن السعودي. فلم يعد السطح مكاناً للنوم، والشوارع امتداداً طبيعياً للعب الأطفال، وقل كثيراً سكن العائلة الممتدة (أكثر من جيل) في سكن واحد، والأهم من ذلك التغيرات الاقتصادية (والحمد لله) التي مكنت كثيرا من المواطنين من إيجاد غرفة مستقلة لكل فرد من أفراد العائلة مجهزة بالاحتياجات (تكييف – هاتف – حاسوب – ثلاجة – تلفزيون .. إلخ) ولسنا هنا بصدد الحديث عن إيجابيات وسلبيات تلك التغييرات ولكنه واقع يؤدي إلى تغيير نمط المسكن السعودي.
إن واقعنا يحتم علينا تغيير الصورة النمطية للمسكن السعودي لدى المواطن. فيجب أولاً وبقوه تغيير ثقافة السبعينيات التي أدت إلى أن المواطن هو الذي يقوم بتصميم وتنفيذ مسكنه. ولك عزيزي القارئ أن تتخيل لو أن كل فرد منا قام بتصميم وتنفيذ سيارته بنفسه، لك أن تتخيل تكلفة وجوده وسلامة وصيانة مثل تلك السيارة. إذا كان هذا المثال يثير الاستغراب ولكن لا استغراب في طريقة تعاملنا مع المسكن تنفيذاً وتصميماً والذي تفوق تكاليفه أضعافاً مضاعفة من إي سيارة فارهة. كما يجب أن تتضافر جهود أبحاث وصناعة التطوير العقاري العامة منها والخاصة في توفير البيئة الخصبة لتغيير تلك الثقافة. فمراكز البحث (في الوزارات، الجامعات، اللجان الهندسية، الغرفة التجارية) عليها دور في إعداد أفضل التصاميم الاقتصادية فراغياً وإنشائياً والموائمة للاحتياجات السعودية. كما أن مصانع مواد البناء (سابقة الصنع، سابقة التجهيز، حوائط حاملة، مبان حديدية .. إلخ) عليها دور كبير بتصنيع أمثلة قليلة التكاليف جيدة وآمنة وبمتناول متوسطي الدخل . ويبقى دور كبير على مؤسسات التطوير العقاري العامة (الأمانات) والخاصة بتبني تلك التصاميم وطرق الإنشاء وصناعتها بإعداد كبيرة لتقليل تكلفتها وجعلها في متناول المواطنين، فمغامرة التغير لا يستطيع أحد منفرداً القيام بها.
إن الصورة النمطية للمسكن السعودي وإن كانت شعبية المنشأ والاستخدام إلا أن المواطن منفرداً محدود القدرات لإحداث تغييرات جذرية في تلك الصورة الموروثة منذ الخمسينيات الميلادية بإيجابياتها وسلبياتها. وإحداث التغييرات يتطلب العلم والبحث والأهم رأس المال لدعم تلك البحوث وتطبيقاتها والأمل معقود على مؤسساتنا العامة والخاصة للقيام بذلك فمغامرة التغيير ترغب في جهة يكون لها قصب السبق بتبنيها.