حديث مع المدير العام لمنظمة التجارة العالمية
شاركت في المؤتمر البرلماني حول منظمة التجارة العالمية في جنيف بتاريخ 11 و12 أيلول (سبتمبر) الجاري وذلك في إطار عضويتي باللجنة والاقتصادية في مجلس النواب البحريني. وقد سنحت لي المشاركة بتوجيه سؤال مباشر إلى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي حول مستقبل جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية على خلفية عدم إحراز تقدم في الاجتماع الوزاري المصغر الأخير والذي عقد في مقر المنظمة في تموز (يوليو) الماضي.
انعقد المؤتمر في ظل ظروف غير عادية فيما يخص جولة الدوحة والتي انطلقت من العاصمة القطرية في نهاية عام 2001. يشار إلى أن هناك خلافات بين الجهات الرئيسة في المنظمة (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، اليابان، أستراليا، الهند، البرازيل) حول بعض القضايا الحيوية وخصوصا الدعم المقدم للقطاع الزراعي. الملاحظ أننا لم نشمل الصين في هذه الخانة نظرا لتمتعها بفائض تجاري قدره 152 مليار دولار في الأشهر الثمانية لعام 2008 نظرا لتبنيها سياسة تعزيز الصادرات والحد من الواردات. وعليه فإن الصين (والتي انضمت للمنظمة مع انطلاق جولة الدوحة) ليست مؤهلة لاتهام دول أخرى بعرقلة التجارة الدولية.
استقرار القطاع الزراعي
تتركز نقاط الخلاف بين التكتلات الرئيسة في مفاوضات الدوحة حول الدعم الأمريكي للقطاع الزراعي من جهة والتعريفات التي تفرضها بعض الاقتصاديات الصاعدة على الواردات الزراعية من جهة أخرى. ولفت انتباهي إجماع الوفود البرلمانية المشاركة أن عدم الاستقرار في القطاع الزراعي يعد سبب جوهري لأزمة الغذاء في العالم. بمعنى آخر، هناك تدخل من قبل بعض الجهات للحد من توافر المنتجات الزراعية لضمان ارتفاع وبقاء الأسعار مرتفعة. والإشارة هنا إلى أمور مثل إصرار دول الاتحاد الأوروبي بالتخلص من بعض المنتجات الزراعية بدل المتاجرة فيها لغرض المحافظة على الأسعار.
إضافة إلى ذلك، تقوم بعض الاقتصاديات الصاعدة مثل الهند بالحد من تصدير الأرز من نوع (البسمتي) بهدف التأثير في الأسعار مستفيدة من شهرة المنتج لدى المستهلكين على مستوى العالم. بدورها تبرر بعض الأطراف المصدرة هذه السياسة للتعويض من تداعيات ارتفاع أسعار المنتجات النفطية في النصف الأول من عام 2008. تستورد الهند نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة (النفط والغاز) من منطقة الشرق الأوسط وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي.
تداعيات فشل جولة الدوحة
وكنت قد وجهت سؤالا مباشرا إلى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية في الحلقة الحوارية بخصوص مستقبل جولة الدوحة وتداعيات فشل المفاوضات. من ضمن الأمور المثيرة، شدد لامي على أن طول فترة المفاوضات يعد أمرا عاديا في الاتفاقيات الثنائية فضلا عن المتعددة الأطراف. ولم يجد محدثنا مثالا أفضل من طول فترة المفاوضات المتعلقة بإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. وكانت المفاوضات قد انطلقت قبل نحو 20 عاما ولم يتم توقيع الاتفاقية التي طال انتظارها بسبب تلكؤ الجانب الأوروبي.
ويعود الأمر في جانبه إلى قيام الاتحاد الأوروبي (والذي زاد عدد أعضائه على 15 عند انطلاق الجولة إلى 27 دولة في الوقت الحاضر) بوضع شروط جدية بين الحين والآخر. وتشمل بعض الشروط المستحدثة قضايا مثل احترام حقوق البيئة وضمان حقوق العمالة الوافدة. لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يرغب في منح دول مجلس التعاون الخليجي فرصة الانكشاف على 27 اقتصاد دون الحصول على تنازلات. كما أن الجانب الأوروبي ليس في عجالة من الأمر نظرا لتمتعه بفائض تجاري مريح قدره 13 مليار دولار حسب آخر الإحصاءات المتوافرة.
خطر الاتفاقيات الثنائية
إضافة إلى ذلك، شدد لامي على خطورة الاتفاقيات الثنائية كبديل للاتفاقيات المتعددة الأطراف لسبب جوهري وهو قدرة الطرف القوي على فرض شروطه على الطرف الضعيف. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة شروطا على البحرين قبل دخول اتفاقية التجارة الحرة الثنائية حيز التنفيذ في آب (أغسطس) من عام 2006. وشملت الشروط أمورا مثل تعديل قوانين الملكية الفكرية وتعزيز حقوق العمالة الوافدة. والأمر نفسه ينطبق على الاتفاقيات الإقليمية، حيث ترغب إحدى الجهات في فرض شروطها على الطرف الآخر. كما أسلفنا يصر الاتحاد الأوروبي بفرض شروطه على مجلس التعاون الخليجي قبل إنشاء منطقة للتجارة الحرة.
من جهة أخرى، أصر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية على أن الاتفاقيات الثنائية لا يمكن أن تكون بديلا عن الاتفاقيات المتعددة الأطراف لأسباب عملية. فبين أنه لا يمكن لأي دول دولة حتى وإن كانت صاحبة أكبر اقتصاد (والإشارة هنا إلى الولايات المتحدة) إبرام اتفاقيات مع عشرات الدول ذات قوانين وأوضاع اقتصادية متباينة. بل هناك قضايا مثل الحفاظ على البيئة لا يمكن حلها بواسطة الاتفاقيات الثنائية.
وقد أنهى المؤتمر أعماله بتفاؤل تحقيق تقدم ملموس لجولة الدوحة في عام 2009 نظرا لأهمية القضايا العالقة بالنسبة للاقتصاد العالمي. فقد كشفت تجربة الشهور القليلة الماضية أن عدم الاستقرار في القطاع الزراعي يهدد السلم الاجتماعي في الدول النامية لما للأمر من تداعيات على معيشة الناس.