Author

أهمية القطاع المصرفي في السعودية

|
لقد ظهرت البنوك التجارية في الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للميلاد، حيث اتصفت عند ذلك بالمظهر التقليدي والبسيط. ويشير بعض الباحثين إلى أن المؤسسة البريطانية "جيلاطي وهانكي وشركاؤهم المحدودة – السودان", التي بدأت عملها بالتجارة في جدة ومنطقة البحر الأحمر منذ 1885, أول مؤسسة قامت بأعمال مصرفية في السعودية، إلا أنها لم توفق في نشاطها، وتكونت على أثرها في جدة سنة (1344هـ/1926م) الجمعية التجارية الهولندية من أجل مساعدة حجاج جزر الهند الشرقية, والتي كانت تحت السلطة الهولندية (إندونيسيا الحالية). وظهر في ذلك الوقت البعض من الصيارفة للقيام بعمليات استبدال العملة. وبعد توحيد الجزيرة العربية على يد الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه، واستخراج البترول، ونمو الاقتصاد، والتوسع في التجارة الخارجية، وزيادة حجم المبادلات التجارية، برزت حاجة الدولة إلى وجود البنوك لتقديم الخدمات المصرفية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتأسست شركة الكعكي والمحفوظ للقيام بأغلب الأعمال المصرفية الحكومية، وأنشئ بنك الهند الصينية، كما فتحت عدة فروع لبنوك أجنبية في المملكة. وتزامن تطور الهيكل المصرفي مع تطور الدوائر الحكومية المختصة في الأعمال المالية، ومع ظهور عمليات إشراف هذه الدوائر على الأعمال المالية؛ حيث أنشئت إدارة للمالية العامة سنة 1344هـ لتقوم بجميع الشؤون المالية والنقدية. ثم صدرت عدة أنظمة مالية ونقدية كانت أولها "أنظمة النقد الحجازية النجدية سنة 1346هـ" التي تضمنت عديدا من الأحكام المتعلقة بالنقد السعودي وصكه، وإدارة شؤونه، وافتتح مكتبان للقيام بأعمال استبدال العملات دون عمولة في كل من مكة وجدة. وحددت العمولة بالنسبة للصيارفة المرخص لهم من قبل البلديات وشيخ الصيارفة. ثم صدر نظام المحكمة التجارية بموجب الأمر السامر رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ الذي خصص الفصل الخامس من الباب الأول للصيارفة (المواد من 35 إلى 41 ( فعرفت المادة 35 الصّراف بأنه "من يتعاطى مهنة تبديل العملة نقوداً أو أوراقاً"؛ ثم تضمنت المواد 36 و38 شرط وإجراءات الحصول على ترخيص من المحكمة التجارية. وفي سنة 1351هـ تم إنشاء وزارة المالية؛ حيث شهد قطاع الصيارفة بعض التشدد، ومن ذلك ما جاء في البيان الصادر عن اللجنة الاستشارية والذي فرض على كل بلدية مسك سجل خاص يقيد فيه كل صراف يعمل في نطاقها الإقليمي، كما فرض على كل صراف الاحتفاظ بالترخيص وعرضه للجمهور. ثم صدر المرسوم الملكي رقم 3/4/1047 وتاريخ 25/7/1371هـ بتأسيس مؤسسة النقد العربي السعودي، الذي عدل بموجب المرسوم الملكي رقم 17/9/1762 وتاريخ 17/9/1374هـ وأخيراً صدر نظام مؤسسة النقد العربي السعودي المعمول به حالياً بالمرسوم الملكي رقم 23 وتاريخ 23/5/1377هـ. ونظام مراقبة البنوك بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/6/1386هـ الذي أنشئت وفقاً لأحكامه البنوك التجارية العاملة بالسعودية. ومما لا شك فيه أن القطاع المصرفي في السعودية يلعب دوراً مهماً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو يشكل أحد أجنحة القطاع المصرفي العربي، الذي شهد تطوراً ملحوظاً في الربع الأخير من القرن العشرين الميلادي المنصرم وبدايات القرن الحادي والعشرين، حيث تشير أحدث البيانات الصادرة عن اتحاد المصارف العربية لعام 2007 إلى أن حجم القطاع المصرفي العربي بلغ 470 مؤسسة مصرفية تتوزع بين 267 مصرفا تجاريا و45 مصرفا إسلاميا و52 مصرفا استثماريا وطنيا و49 مصرفا متخصصا و57 مصرفاً أجنبياً. ويعمل في هذا القطاع أكثر من 370 ألف موظف يعملون في شبكة واسعة من الفروع المنتشرة في أنحاء الوطن العربي والدولي بلغت أكثر من 15 ألف فرع بحسب البيانات الصادرة عن اتحاد المصارف العربية لعام 2006. وتدير هذه المصارف مجتمعة أكثر من 1.690 مليار دولار أمريكي من الموجودات وتعمل بقاعدة رأسمالية تبلغ نحو 161 مليار دولار أمريكي وتخصص 83 في المائة من ودائعها المجمعة لتمويل المشاريع والمؤسسات الاقتصادية في المنطقة. أصبح القطاع المصرفي العربي يحتل موقعا مهما وأساسيا في الاقتصاد العربي وذلك انطلاقا من دوره الأساسي في تمويل الإنتاج والتجارة والاستثمار، خاصة بعد أن فتحت الدول العربية المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، وبعد انضمام الغالبية العظمى منها إلى منظمة التجارة العالمية، وبعد أن نشطت أسواق المال فيها. ومن ثم فإن هذا القطاع أصبح شريكا أساسيا في تفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإرساء الاقتصاد الوطني والقومي على أسس ثابتة ومتينة، تؤمن التنمية المستدامة، وتيسر الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات العربية في إطار من التكامل العربي. استطاع القطاع المصرفي العربي خلال السنوات الأخيرة تنمية قدراته المالية وموارده البشرية وإمكاناته التكنولوجية وخبراته العملية, الأمر الذي يؤهله ليكون فاعلا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جو المنافسة التي تتأتى من تيار العولمة الذي أصبح حقيقة واقعة لا مجال للانفكاك منها ولا تجاهلها. فقد شهد هذا القطاع نمواً ملحوظاً مترافقاً مع معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي, حيث بلغ النمو المصرفي العربي نحو 30 في المائة في عام 2007 مقارنة بنسبة نمو بلغت 20 في المائة عام 2006 وأصبحت موجوداته الإجمالية تمثل نحو 125 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعة, الأمر الذي يعكس درجة العمق المالي الكبير لاقتصاد المنطقة العربية مجتمعة. وبلغ إجمالي موجودات مصارف دول مجلس التعاون الخليجي نحو 65.4 في المائة من إجمالي موجودات المصارف العربية؛ حيث جاءت الإمارات في المرتبة الأولى بإجمالي موجودات بلغ نحو 335.8 مليار دولار عام 2007, ثم جاءت السعودية في المرتبة الثانية والبحرين في المرتبة الثالثة. وسأتناول في مقال لاحق ـ بإذن الله تعالى ـ التنظيم القانوني للعمليات المصرفية في السعودية.
إنشرها