أسواق النفط بعد قرار "أوبك"

[email protected]

تم في مقال الأسبوع الماضي ذكر الخيارات المتاحة أمام "أوبك"، وأن "أوبك" على "صفيح ساخن" لأنه بناء على توقعاتها للطلب العالمي على النفط وإنتاج دول خارج "أوبك" فإن عليها تخفيض الإنتاج إذا أرادات الحفاظ على أسعار النفط بحدود 100 دولار للبرميل. إلا أن وضع الاقتصاد العالمي لا يشجع على التخفيض، كما أن كون الاجتماع قبل الانتخابات الأمريكية لا يشجع على التخفيض أيضاً. فمصلحة كبار منتجي النفط تقتضي ألا يصبح النفط كرة في ملعب السياسة الأمريكية. وكان القرار النهائي يجمع بين المصالح الاقتصادية والسياسية حيث إن القرار لم يخفض "سقف الإنتاج" ولكنه طالب الدول بالالتزام بحصصها الإنتاجية. وكان القرار مفاجئاً وهذا يتسق مع ما فعلته أوبك خلال السنوات الثمانية الماضية حيث لجأت إلى أسلوب الإشارة والمفاجأة. فإذا لم يصدق التجار والمحللون إشاراتها فإنها تلجأ إلى أسلوب المفاجأة حيث تتصرف بشكل يخالف التوقعات. إلا أن بعض الخبراء لا يرى في "أوبك" القدرة على التخطيط بهذا الشكل حيث إنهم يرون أنها منظمة مهترئة تتناقض مصالح أعضائها ولا تتعلم من دروس الماضي، لذلك جاء القرار ضبابيا بحيث لا يكون فيه أي التزام، الأمر الذي يعني أنه لا أثر للقرار في أرض الواقع.
من الواضح أنه لم يكن هناك أي أثر للقرار في أسعار النفط. ويبدو أن دول "أوبك" أدركت أن هذا القرار لن يكون له أي تأثير، والظاهر أن بعض هذه الدول أرادات أن ترسل رسالتين للسوق الأولى اقتصادية والثانية سياسية. الرسالة الأولى أن "أوبك" ستدافع عن أسعار النفط إذا اضطرت إلى ذلك. هذا يعني أنها قد تخفض الإنتاج في الاجتماعات القادمة إذا استمرت الأسعار بالانخفاض. الرسالة الثانية هي رسالة لقادة الدول المستهلكة لتذكيرهم بما يمكن أن تقوم به "أوبك" لو أرادت ذلك، وأن هذه الدول تحاول أن تبني جسوراً سياسية مع قادة هذه الدول.

مستقبل أسعار النفط
نظرة سريعة إلى تطورات أسواق النفط في الشهور الماضية تبين ما يلي:
1. إن انخفاض أسعار النفط بأكثر من 40 دولارا للبرميل يوضح أن التغيرات في أسواق النفط هي تغيرات دورية، وأن كل التغيرات الهيكلية ستكون دورية في النهاية، وهو الأمر الذي تمت مناقشته على صفحات "الاقتصادية" في 12 حلقة منذ أكثر من عامين.
2. إن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الأربع الماضية ثم انخفاضها في الأشهر الثلاثة الأخيرة يعود إلى أساسيات السوق وليس إلى المضاربات. فقد ارتفعت أسعار النفط مع انخفاض الإنتاج العالمي ولم تنخفض إلا بعد زيادة إنتاج "أوبك" بنحو مليون برميل يوميا في الأشهر الثلاثة الأخيرة كان نحو نصفها من السعودية. وركزت عدة مقالات سابقة على فكرة مفادها أنه إذا كانت "أوبك" حريصة على طرد المضاربين من السوق فإن عليها زيادة الإنتاج، وفعلا لم سنسحب المضاربون إلا بعد زيادة الإنتاج.
3. إن ارتفاع استهلاك النفط في الدول المنتجة للنفط أسهم في تخفيض صادراتها النفطية رغم زيادة إنتاج بعض الدول. ففي عامي 2006 و2007 انخفض إنتاج "أوبك" بحدود 800 ألف برميل، إلا أن صادراتها انخفضت بحدود 1.8 مليون برميل يومياً. هذا النمو الكبير في الاستهلاك سيستمر، الأمر الذي يعني أن الزيادة في الصادرات ستكون أقل من الزيادة في الإنتاج.
4. أغلب الانخفاض في الطلب على النفط في الأشهر الأخيرة يعود إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وردة فعل المستهلكين على الارتفاع المفاجئ والسريع في الأسعار، هذا يعني أنه يمكن استرجاع جزء كبير من الانخفاض في الطلب مجرد انتعاش اقتصادات الدول المستهلكة، خاصة اقتصاد الولايات المتحدة.
5. لابد للطلب على النفط أن يعود إلى النمو بمعدلات أكبر من المعدلات الحالية بسبب الزيادة في السكان وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. هذه الارتفاع سيكون متواصلا، ويمكن التعبير عنه بمعادلة خطية. إلا أن المشاريع الجديدة التي مكنت بعض دول "أوبك" من زيادة الإنتاج غير متواصلة، وتأتي على مراحل متقطعة. ويمكن التعبير عن الطلب بخط مستقيم يرتفع باستمرار، بينما الزيادة في الإنتاج من المشاريع الجديدة على شكل خط متعرج يشبه الدرج. هذه يعني أنه، حتى في حال استمرار الاستثمار في مشاريع جديدة، فإن هناك فجوات بين الطلب والإنتاج ستسهم في رفع الأسعار. المشكلة أنه ليس هناك مشاريع ضخمة تذكر بعد عام 2009.
6. تشير البيانات إلى أن ارتفاع أسعار النفط لا يغير سلوك المستهلكين إلا إذا كان ارتفاعا كبيرا ومفاجئا. كما تشير أيضاً إلى أنها لا تؤثر في سلوك المستهلكين إذا كانت دخولهم تزداد باستمرار. وهذا يفسر سبب عدم تأثر سلوك المستهلكين بارتفاع أسعار النفط بين عامي 2004 و2007، وسبب تأثرهم وتخفيض طلبهم في الأشهر الأخيرة. لهذا فإن الطلب على النفط سيعاود النمو.
7. تعاني الحقول، خاصة القديمة منها، معدلات انحدار مرتفعة. ونظرا لحجم الإنتاج العالمي الكبير، فإن أغلب الاستثمارات ستذهب إلى الحفاظ على الإنتاج. هذا يعني أن الزيادات في الإنتاج لن تكون كبيرة بشكل يفي بنمو الطلب العالمي على النفط لأن زيادة الإنتاج تتطلب مبالغ هائلة لا تقوى إلا دول غنية جداً عليها.
8. حتى الآن لم نذكر الأمور السياسية والطبيعية والفنية التي يمكن أن تخفض الإنتاج، وطر السفير الأمريكي من فنزويلا ما هو إلا حلقة من سلسلة طويلة من الأحداث السياسية التي تؤثر في أسواق النفط العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي