هل تصلح المكافآت أحوال التعليم الجامعي؟

[email protected]

بعد طول انتظار وترقب، صدر الأسبوع الماضي عن مجلس الوزراء الموقر، بناء على توصية اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى، لائحة منظمة للأوضاع الوظيفية لأعضاء هيئة التدريس من السعوديين ومن في حكمهم في الجامعات السعودية. وانحصرت هذه اللائحة في تنظيم مجموعة من المكافآت والبدلات. ومن الواضح أن اللائحة الجديدة لا تتضمن تغييرا في السلم الوظيفي (الرواتب الأساسية) لأعضاء هيئة التدريس التي ستبقى على حالها، على الرغم من أنها الرواتب الأكثر تواضعا بين رواتب أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الخليجية! بل إن رواتب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات هي أقل غالبا من رواتب أقرانهم في التعليم العام.
ولعل أكثر ما يسترعي الانتباه في هذه اللائحة التنظيمية الجديدة، أن تطبيقها يحتاج إلى لجان دائمة من عدة وزارات (التعليم العالي، الخدمة المدنية، والمالية) تقوم بمهمة اقتراح ضوابط ومعايير صرف وحجب هذه المكافآت والبدلات! وهي على هذا النحو ستكون لائحة قلقة، غير مستقرة، تخضع في تفسير بنودها إلى لجان معرضة لما عهد في مثلها من مساوئ إدارية ومماحكات بيروقراطية، تجعل من تطبيق هذه اللائحة عرضة لاجتهادات متعددة وربما متغيرة وبالتأكيد متأخرة. فمن الذي يحدد التخصصات النادرة وعلى أي مقياس؟ وإلى متى يستمر بدل الجامعات الناشئة؟ وهل يسمح النظام بالانتقال إليها لمن رغب؟ وكيف توزع أنصبة أساتذة الجامعات من ساعات التدريس؟ إن من يعرف ما يجري في أروقة الجامعات بعد إلغاء الانتخابات سواء في توزيع أنصبة التدريس، أو التدريس في الفصل الصيفي، أو في دورات المنتسبين، أو كيفية منح بدل الحاسب الآلي، يمكنه أن يتصور كيف أن هذه اللائحة التنظيمية ستؤذن بزيادة واستشراء الفساد أكثر من ذي قبل، لأنها ستسمح باستمرار المحسوبية والشللية طالما بقيت الأحوال الإدارية والتنظيمية للجامعات على ما هي عليه.
ولذلك ربما كان من الأفضل بناء نظام مالي محكم يعمل بذاته ولا يحتاج إلى لجان تقدير ومتابعة ومراجعة. وأعتقد أنه كان من الأولى إجراء زيادات أساسية في الرواتب حتى لو كانت محدودة بشرط أن تكون ثابتة ومستقرة. ثم تأتي فوقها المكافآت والبدلات المبنية على معايير موضوعية وواضحة تستغني عن اجتهادات اللجان، بحيث تكون كافية لتوليد دوافع مشجعة للمحافظة على بقاء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لكي يعيدوا تركيز جهودهم في مجال الأبحاث العلمية النافعة، والارتقاء بالعملية التدريسية والتعليمية، بعد أن تسرب بعضهم وعم بعضهم الآخر الإحباط أو شغلهم الاهتمام بأمور معاشهم ردحا من الزمان. والمأمول أن تعمل هذه اللائحة على تشجيع الالتحاق بهذه المهنة التي تعرضت لجمود كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، إما لعزوف البعض عنها وإما لغياب وظائف المعيدين، الأمر الذي أعاد الحال في كثير من أقسام التخصصات العلمية في الجامعات إلى وضعها المحزن القديم المعتمد على الكوادر والكفاءات الأجنبية.
ومع ذلك، فإن جامعاتنا كانت في حاجة أولا إلى إصلاح أوضاعها الداخلية، والارتقاء ببيئتها العامة وأجوائها العلمية، لتكون صروحا قائمة على قدر معقول من الاستقلالية والشفافية في جميع أمورها. ولعل من أهم ما يصلح حال الجامعات, في نظري، هو عودة نظام الانتخابات إليها في اختيار رؤساء الأقسام العلمية وعمداء الكليات ووكلائهم، بل لا يمنع أن تشمل الانتخابات أيضا انتخاب هيئات عليا أو مجالس أمناء للجامعات يشترك فيها إلى جانب الأكاديميين مجموعة من رجال الفكر وأصحاب المال من المشهود لهم بالعلم والصلاح ورجاحة العقل والتفاني في خدمة الصالح العام، ليراجعوا سياسات الجامعات ويقترحوا برامجها التعليمية، وربما يختاروا أسماء مديري ووكلاء الجامعات. فقد شاهدنا من واقع التجربة كيف أدى إلغاء نظام الانتخابات قبل نحو 23 عاما إلى مفاسد كبيرة أبعدت الأكفاء وسمحت لغيرهم من الطفيليين من حديثي التخرج ومتواضعي التحصيل العلمي بتسنم الوظائف القيادية، فيتخطون من يفوقونهم علما وخبرة وخلقا، حتى وجدنا بعض هؤلاء لا يحسنون الحديث بلغة عربية سليمة إذا ما اعتلوا منصة أو ترأسوا اجتماعا. أتمنى أن يسع الجامعات ما وسع المجالس البلدية، وهي أولى وأحق!
كلمة أخيرة .. لا شك أن إصلاح أحوال أساتذة الجامعات خطوة مهمة، لكن الالتفات إلى أحوال بقية المواطنين لا يقل أهمية. ولعل أولهم العاطلون عن العمل، الذين يتطلعون إلى جهود أكبر لفتح أبواب العمل أمامهم في القطاعين الحكومي والخاص. كما أن ظروف الغلاء الذي بلغ مستويات قياسية غير مسبوقة، تتطلب إعادة النظر في رواتب جميع موظفي الدولة ومتقاعديها، خاصة لأصحاب الرواتب المتدنية من الموظفين والمتقاعدين ممن تقل رواتبهم عن خمسة آلاف ريال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي