الفضائيات والإنترنت: لماذا لا ندرس هذا العالم المجهول؟

drashwan59@yahoo .com

قبل سنوات أربع أصدرت مؤسسة أسبار السعودية كتاباً رائداً حول "اتجاهات الكتاب السعوديين والمطبوعات السعودية نحو الحرب على العراق"، صدر فور الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق، ليضع أمام الرأي العام العربي صورة متكاملة للطريقة التي تعاملت بها الصحافة المكتوبة في السعودية مع تلك الحرب وهذا الغزو بمختلف الجوانب والقضايا التي ارتبطت بهما. وقد سعت الدراسة الموسعة، التي شارك فيها فريق كبير من الباحثين بقيادة الباحث المرموق الدكتور فهد العرابي الحارثي، إلى الكشف عن التغيرات التي طرأت على مواقف وآراء الكتاب والمطبوعات السعوديين خلال فترة غزو العراق، وذلك عن طريق الرصد والتحليل الإحصائي العلمي لمقالاتهم المنشورة أثناء هذه الفترة. وتعددت أهداف الدراسة بين الكشف عن حجم الاهتمام بموضوع الحرب على العراق لدى الكتاب السعوديين، إلى التعرف على توجهاتهم ومواقفهم نحو الحرب ونحو نظام صدام حسين ونحو العراق ونحو الدول الأخرى ذات العلاقة، إضافة إلى مواقفهم نحو المؤسسات الدولية المعنية كجامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة. كما هدفت الدراسة إلى توضيح التغيرات التي حدثت في المواقف والآراء والاتجاهات في الفترة التي شملتها الدراسة، وارتباط ذلك بتطورات الأحداث السياسية والعسكرية، وهو ما دفع بها في النهاية إلى إجراء المقارنات في المواقف والآراء والاتجاهات فيما بين المطبوعات ومختلف فئات الكتاب.
والأهمية الحقيقية لهذه النوعية من الدراسات هي أنها تلقي أضواء مكثفة على تفاصيل وتطور رؤية أحد أهم قطاعات النخبة العربية، وهو صناع الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، لواحدة من أبرز وأخطر القضايا العربية خلال نصف القرن الأخير، وهي غزو العراق واحتلاله. والكشف عن تفاصيل وتطور رؤية النخبة الإعلامية لمختلف القضايا الرئيسية التي يشهدها الواقع العربي، يعد ضرورياً أيضاً في ظل أن طرق ومسالك التعبير عن رؤية تلك القضايا والمواقف منها تتعدد بحسب المجال الذي تتم فيه والفاعلين القائمين بها، ومع ذلك يظل المجال الإعلامي واحداً من أبرزها وأهمها، حيث إن الرؤى والمواقف المتبناة من الفاعلين فيه لا تعكس فقط تصوراتهم الشخصية بل وأيضاً ما يعتمل في جنبات الرأي العام الذي يعبرون عنه، فضلاً عن أنهم يساهمون عبرها في تشكيل وبلورة رؤى ومواقف هذا الرأي العام تجاه تلك القضايا.
وإذا كانت الدراسة الرائدة المذكورة قد اقتصرت على الإعلام المكتوب باعتباره أقدم أشكال الإعلام الجماهيري وأكثرها استقراراً حتى اليوم ولأنه لا يزال يمثل لعديد من شرائح الرأي العام المصدر الأوثق للمعلومات والأكثر أهمية للتحليلات ووجهات النظر حول الأحداث والقضايا، فإن التطورات الهائلة التي عرفها مجال الإعلام خلال السنوات القليلة الماضية تدفع إلى ضرورة القيام بدراسات أخرى شبيهة بها على وسائل الإعلام الجديدة الأكثر تأثيراً في الرأي العام وفي مقدمتها الفضائيات التليفزيونية ومواقع الإنترنت. فالإحصائيات الأولية المتوافرة حول عدد هذه الفضائيات والمواقع وعدد مشاهديها ومتصفحيها والساعات التي تبثها ويتابعها خلالها هؤلاء تؤكد أننا أكبر وسائل إعلام جماهيري عرفها التاريخ البشري والعربي تأثيراً في الناس وصياغة لرؤاهم ومواقفهم من مختلف القضايا التي تجري في الواقع حولهم. والأكثر أهمية في هذا التأثير هو أنه بالرغم من غياب وسائل التعبير الرئيسية عن مواقف هذا الرأي العام في معظم البلدان العربية تجاه تلك القضايا، فإن هذه المواقف تظل واحداً من أبرز العناصر التي تأخذها الأنظمة والحكومات العربية في اعتبارها لدى صياغة مواقفها من تلك القضايا بعد التعرف عليها عبر أجهزتها ووسائلها الرسمية.
بهذا المعنى فإن دراسة الطرق التي تتعامل بها وسائل الإعلام الجماهيري الجديدة المذكورة مع القضايا العربية الكبرى، وهي قد صارت أكثر من أن يتم سردها في مقال قصير كهذا، تعد جزءاً مهماً من دراسة التفاعلات السياسية والاجتماعية التي تجري اليوم في مختلف بلداننا العربية، التي يمكن لها أن تؤثر بصور متنوعة مباشرة وغير مباشرة في صنع السياسات واتخاذ القرارات الكبرى فيها جميعاً. هذه النوعية من الدراسات ستساعد أيضاً مؤسسات الدولة والمجتمع المختلفة على اتخاذ قرارات وانتهاج سياسات في المجال الإعلامي تجاه القضايا الرئيسية في العالم العربي، في ضوء ما سوف تسفر عنه من نتائج تتعلق باتجاهات وسائل الإعلام الجماهيري الجديدة حالياً تجاه القضايا نفسها. وقبل هذا وذاك، فهذه النوعية من الدراسات يمكن لها أن تكشف، إذا ما انتقلت من مجرد الوصف إلى التفسير لمواقف تلك الوسائل الإعلامية الجديدة من القضايا العربية الرئيسية، عن العوامل والمؤثرات والدوافع التي تقف وراء هذه المواقف في ظل القيام بدراسات أكثر تفصيلاً وعمقاً لكل الأبعاد المرتبطة بتلك الوسائل الإعلامية سواء كانت مالية أو سياسية أو جغرافية أو تاريخية أو غيرها.
الخلاصة، إن ترك مختلف وسائل الإعلام في العالم العربي، وعلى رأسها الجديدة منها، تقوم بتشكيل مواقف وتوجهات مختلف شرائح الرأي العام بكل ما يترتب على هذا من نتائج شديدة الأهمية دون أن يوجد اهتمام بحثي منظم لدراسة تلك الوسائل وطريقة وتطور صياغتها لمواقفها من القضايا العربية الكبرى، إنما يعد تقصيراً وإهمالاً – قد نندم عليه غداً – لواحد من أهم العوامل التي ستسهم في صياغة الحاضر والمستقبل العربي القريب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي