حين تصبح رسائلنا ... رمزاً لا تصل
"الرمزية" أصبحت شكلاً كبيراً وواضحاً من أشكال "الحداثة"، لأنها تكثفت وأصبحت لا تفارق أغلب النصوص الحداثية الآن، وعندما نعود إلى بدايات ظهور الحداثة في الأدب سنجد أن السمة المشتركة بين جميع النصوص هي رمزيتها، فما عاد النص الآن يحفل بالأسلوب المباشر والصور المباشرة في مجازاته، بل أصبح الفنّ فيه ألاّ يكون مفهوماً سوى لمن يستطيع أن يتخيّل ويتصوّر أبعاد النص ويغوص في رمزيته، هذا ما يتصوره الغارقون في هذا النوع من الكتابة. في السابق كانت هناك القليل من الروايات التي يكثف الروائي فيها رمزيته في الكتابة، وكان يُعتبر حينها "كاتب نخبوي" مثل الروائية رجاء عالم، فما زالت أعمالها معروفة بنخبويتها، لأنها لا تكتب إلاّ برمزية مكثفة، ولكن الآن لم تقتصر الرمزية على القصة القصيرة جداً، والشعر، والرواية، بل أصبحت تستهلك إلى حدّ أكبر مما كانت تحتمله حين خرجت، فقد وصلت إلى حد أن تُحشر في الخطابات والمقالات، والمواضيع التي من المُفترض أن يكون " الإرسال " فيها مباشرا إلى حد كبير، لأن المتلقي فيه يقع عليه الدور الأكبر، ولكن إذا ما كان النص المُرسل رمزياً .. فكيف سيكون التلقي صحيحاً؟
في إحدى حلقات برنامج "آفاق ثقافية" الذي يُعرض على القناة السعودية الإخبارية و يقدمه الإعلامي ياسر العمرو، كانت الحلقة حول الرواية واستضاف فيها الروائي يوسف المحيميد والروائي أحمد الدويحي، في جزئية المتعة من المحاور رفض الروائي أحمد الدويحي أن يكون للمتعة وجود في الأعمال الروائية، لأنه يرفض أن يقرأ أحدهم عمله من أجل المتعة، ويرفض أن يقرأه أي قارئ ذلك لأنه لا يكتب أعماله بمباشرة!
يعتقد بعض الكُتاب أنه حينما يكون نخبوياً، فإنه سيكون من كبار الكُتاب، لأن المثقفين الواعين المطلعين بشكل كبير فقط هم من سيقرؤون لهم وينسى تماماً أنه ربما رسائله هذه التي يكتبها لهؤلاء قد لا تهمهم لسعة إطلاّعهم! بقدر ما تهم القارئ العادي، وهذا الآخر لن يستطيع قراءة النص ما لم يكن موجها بشكل سليم إليه.
الرمزيّة فنّ، ولكن لكلّ فنّ مكانه الصحيح، إذا وُظّفَ في المكان الخاطئ يكون سلبياً، لذا فالنصوص الأدبية أكبر مساحة تتقبّل الرمزية في النصوص، أما الكتابات الأخرى، فأكبر خطأ قد يقع فيه الكاتب أن يعبث مع القارئ في الكتابة، عندها سيقع في أحد مفترقي الطرق، إمّا أن القارئ المُهتم في الفِكرة القادر على التلقي ومن تُشير إليه بوصلة التأثير لن يحفل بما يكتب هذا الكاتب، وبهذا سيبدأ هذا الكاتب بخسارة جمهوره شيئاً فشيئاً، أو أن كُل قارئ سيذهب بمآلات أخرى لما كتبه الكاتب، وهذا الآخر لن يكون في صالح الكاتب لأن الخطوط التي سيسير فيها لن تكون متوازية.
هناك من يكتب في أكثر من قالب، ولكنه لم يعِ بعد كيف يضع الحواجز بينها، وكيف يفصل بين كل عمل وآخر، ما له وما عليه، و من هم المتلقون الذين يبحث عنهم، وبهذا .. لا تكون رسائله مُجدية!